حضرت المصافحة وغابت المصالحة

حماس لا يمكنها أن تخرج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه من دون أن تقوم بنقد ذاتي لمسارها السياسي وتجربتها مع الحكم في غزة التي لم تأت بالجديد طيلة عقد من الزمن وأكثر.
السبت 2022/07/16
توحيد الصف يحتاج إلى نية صادقة

لم تأت المصافحة التاريخية بين محمود عباس (أبومازن) وإسماعيل هنية على هامش استقبال الرئيس الجزائري بجديد، ولم تكن سوى مجرد ذر الرماد على العيون، وخدمت صورة الجزائر المدافعة عن القضية الفلسطينية أكثر من خدمتها للقضية الفلسطينية في حد ذاتها.لقد اخترت التريث قليلا قبل كتابة هذا المقال لعلني أجد من المؤشرات ما يدفع إلى التفاؤل ويعطي بارقة أمل في تحول المصافحة التي أتت على شكل مجاملة إلى مصالحة حقيقية تجمع الفلسطينيين بعد أن فرقتهم المصالح والكراسي.

وحتى وإن كان هنية قد أشار خلال مقابلة تلفزيونية مع إحدى وسائل الإعلام الجزائرية أن النظام الجزائري كان يسعى منذ مدة إلى الترتيب لحوار فلسطيني – فلسطيني، إلا أن نوايا حماس في المضي قدما نحو مثل هذا الحوار لم تكن ملموسة على مدى شهور تخللها العديد من الحملات الإعلامية الهجومية ضد حركة فتح واتهامها ببرودة الموقف تجاه ما يحصل في القدس من انتهاكات يمارسها الاحتلال والتضييق على غزة من خلال رفع الضرائب وعدم صرف الرواتب. ولهذا فإن ما حصل في الجزائر لم يكن سوى لقاء شرفي خال من أيّ اتفاق أو خارطة طريق تضع إطارا زمنيا محددا لإزالة كل العقبات التي تقف وراء استمرار الانقسام.

الحقيقة أن الانقسام الفلسطيني لا يمكن أن ينتهي في ظل استمرار نفس الظروف التي أدت إليه، وأن الدعوات العربية لعقد حوار مصالحة لا يمكن أن تفضي إلى نتيجة. من المفترض أن يأتي الحل من داخل فلسطين وليس من خارجها، ومن دون تدخل أيّ طرف ثالث، إلا إذا كان فلسطينيا. والأهم من كل هذا وذاك أن تبدي حماس استعدادا لتقديم تنازلات فيما يخص دورها في غزة، وأن تعترف أن لجوءها إلى القوة كان أحد الأسباب الرئيسية التي حفرت خندقا كبيرا بينها وبين فتح.

◙ نوايا حماس في المضي قدما نحو مثل هذا الحوار لم تكن ملموسة على مدى شهور تخللها العديد من الحملات الإعلامية الهجومية ضد حركة فتح

لا يمكن لحماس أن تخرج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه من دون أن تقوم بنقد ذاتي لمسارها السياسي وحكمها لغزة، الذي لم يأت بالجديد طيلة أكثر من عقد من الزمن، وأن تتوقف عن تعليق فشلها على شماعة الحصار الإسرائيلي. والأهم من هذا كله أن تراجع حساباتها السياسية المتعلقة بتحالفاتها الخارجية التي لم تقدم شيئاً مفيدا لفلسطين وغزة تحديدا. إيران استعملت حماس في صراعها ضد إسرائيل وضد العرب وعمّقت من بعدها عن العمق العربي. أما تركيا فاستعملتها للدعاية الانتخابية ولتحسين صورة أنقرة في العالم العربي. أما بالنسبة إلى قطر فهي  التي تستثمر في علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل لتحافظ على الوجود الإخواني في المنطقة.

توحيد الصف يحتاج إلى نية صادقة قبل أن يحتاج إلى طاولة تجمع الفرقاء في صورة تذكارية، ثم يعود بعدها كل جناح في طائرته الخاصة. توحيد الصف يحتاج كذلك إلى الكف عن الاتهامات التي تشوّه صورة التاريخ النضالي لحركة فتح، والتوقف عن وصفها بالعميلة للاحتلال عبر وسائل التواصل الاجتماعي. في حين أن حماس تجد نفسها مضطرة أيضا إلى التنسيق مع الاحتلال فيما يخص ملف تصاريح العمل وملف صفقة الأسرى وملفات المساعدات القطرية التي تدخل للقطاع، ولا يعتبر هذا بأيّ شكل من الأشكال عمالة بل ضرورة من الضرورات التي أفرزها الوضع.

أتمنى أن يفهم الجميع أن التحديات التي تمر بها القضية الفلسطينية في ظل الزحف العربي نحو التطبيع مع إسرائيل هي الحافز الذي يدفع الفلسطينيين إلى التوحد والحفاظ على ما تبقّى من فلسطين التاريخية، التي تتلاشى يوما بعد يوم بفعل ضعف الموقفين العربي والفلسطيني على حد سواء.

9