"حسم".. الذراع العسكرية الجديدة للإخوان تحت ذريعة الثورة

الكثير من المتابعين لشؤون الإسلام السياسي في مصر، ينظرون إلى حركة “حسم”، التي نفذت العديد من الاغتيالات والاعتداءات مؤخرا، باعتبارها الجناح العسكري الجديد لجماعة الإخوان المسلمين، تمثل تطورا نوعيا لجأت إليه الجماعة، للترويج لفكرة أن العنف المسلح هدفه القضاء على الظلم، وإعادة الثورة إلى مسارها الصحيح، بينما هي تسعى في الحقيقة إلى محاولة استعادة السلطة والخروج من أزمة الجماعة الراهنة.
الأربعاء 2017/01/25
جماعة الإخوان الباب المقفل سياسيا وشعبيا فرض رد الفعل الثأري

لفظ “حسم”، بات شائعا هذه الأيام لدى المصريين، وأثار الكثير من الاهتمام، وهي الحركة المسلحة، التي قال المراقبون إنها خلاصة جهود جماعة الإخوان في العمل المسلح، سواء بالانتقال من الخلايا الصغيرة العشوائية إلى العمل الأكثر احترافية، أو بالخروج من المحلية إلى الارتباط بقوى وأجهزة خارج مصر. وُصفت الحركة بأنها الجناح العسكري للجماعة، أو هي “النظام الخاص” الجديد، بعد إحالة 304 متهمين منتمين لها إلى النيابة العسكرية قبل أيام، لارتكابهم 14 عملية إرهابية كبرى في القاهرة ومحافظات مصرية عديدة.

تحقيقات النيابة، وفق اعترافات عدد كبير من المتهمين المقبوض عليهم، كشفت عن خلفيات إعادة هيكلة الحركة في شهر يونيو 2016، حيث اتضح أن تنظيم الإخوان ركز كل نشاطه في عمل الحركة الوليدة من خلال عدة محاور؛ منها قوة مسلحة محترفة، ثم تيار سياسي يقود “الحشد الثوري”، لاستثمار العمل المسلح في إحراز مكاسب سياسية، والوصول إلى السيطرة، إداريا وأمنيا، على المنطقة الغربية لمصر، استنادا إلى العلاقة بتنظيم “فجر ليبيا”.

هذا التطوير الهيكلي التنظيمي، يهدف إلى إيجاد كيان متكامل، معادل لجماعة الإخوان كواجهة بديلة، تتيح للجماعة المناورة في أكثر من اتجاه داخليا وخارجيا، وتمكنها من العمل بمعزل عن انقسامات وأزمات التنظيم الأصلي.

وتبين أن الحركة هي البلورة النهائية لمحاولات جماعة الإخوان إسقاط نظام الحكم في مصر من خلال تكامل نشاط مجموعات “الحراك المسلح” مع مجموعات “الحراك الشعبي الفوري” ومجموعات “المواجهة المباشرة”، تمهيدا لعودة الإخوان للسلطة.

وقال خبراء أمنيون، لـ”العرب”، إن نشاط حركة “حسم”، بدأ في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، كواحدة من بين خلايا مسلحة صغيرة، تشكلت من عناصر تابعة للإخوان وتنظيمات أخرى، قامت بعمليات عنف عشوائية في عامي 2013 و2014، مثل “ضنك”، و”مجهولون ضد الانقلاب”، و”ولع”، و”المقاومة الشعبية”، و”العقاب والحسم الثوري” وغيرها، ثم تطورت الحركة وأعيدت هيكلتها عام 2016، فأعلنت عن نفسها لأول مرة على مواقع التواصل الاجتماعي في 16 يوليو 2016، وتبنت أولى عملياتها الكبيرة، وهي اغتيال رئيس مباحث مركز ‫‏طامية، بمحافظة الفيوم (جنوب غرب القاهرة) ومرافقيه.

وتوالت بعد ذلك عمليات الحركة، التي تنوعت بين استهداف كمائن شرطة، واغتيال أو محاولة اغتيال ضباط جيش وشرطة وقضاة وعلماء دين، وضبطت أجهزة الأمن قوائم اغتيالات، ضمت أيضا سياسيين وإعلاميين، مع الحرص على تصوير العمليات وإعادة بثها تلفزيونيا لتحقيق أهداف دعائية وثورية وسياسية.

ونشرت الحركة قبل أيام على مواقع التواصل، تسجيلا مصورا، يوثق مسؤوليتها عن 16 عملية إرهابية، من بينها محاولة اغتيال كل من النائب العام المساعد المستشار زكريا عبدالعزيز، والمستشار أحمد أبوالفتوح بمحكمة استئناف القاهرة، ومفتي الجمهورية الأسبق علي جمعة، والعميد عادل رجائي قائد الفرقة التاسعة مدرعة، فضلا عن عدد من قيادات الجيش والشرطة.

استفادة من التغيرات التي طرأت على طرق تجنيد الإرهابيين حيث تأخر الإقناع الديني ليحل محله استخدام المظالم السياسية

اسم الحركة، هو “حركة سواعد مصر”، ويشار إليه اختصارا بـ”حسم”، بينما الشعار الذي تبرزه في بياناتها، على هيئة بندقية كلاشنيكوف متبوعا بعبارة “بسواعدنا نحمي ثورتنا”، وهو ما يعكس تأثير وبصمة حركة حماس الفلسطينية عليها؛ لا في الاسم فقط، وإنما في تبني النهج الثوري المقاوم وغلبة الخطاب السياسي.

خبراء المعلومات أوضحوا أن الاعترافات التي وردت بالتحقيقات، دلت على أنه قد تم تدريب البعض من عناصر الحركة في معسكرات بمحافظة أسوان (جنوب مصر)، وأخرى بدولة السودان، تحت إشراف عناصر وقيادات من حركة حماس، لتنفيذ مخطط إرهابي ضخم، يهدف في النهاية إلى إسقاط النظام، بعد تنفيذ سلسلة من الاغتيالات وأحداث الشغب المربكة والممارسات الهادفة لزعزعة الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي.

وقال خالد عكاشة الخبير الأمني المصري لـ”العرب”، إن حركة “حسم”، نقلة نوعية في العمل العسكري والتنظيمي لجماعة الإخوان، وبدايتها كانت تحت مسمى “حركة العقاب والحسم الثوري”، التي نشطت عامي 2014 و2015، ثم ما إن اختفت عن الساحة، حتى ظهرت حركة “حسم”، بعد إعادة هيكلة وتجميع لعناصر منتقاة وفق مواصفات عالية، كرهان لجماعة الإخوان على تطوير عملها المسلح، من خلال تنظيم محترف بداية من 2016.

وأكد أن قادة الحركة وأهم عناصرها، شاركوا في أنشطة الاعتصام المسلح للجماعة بالقاهرة، حيث قاوموا الفض بإطلاق النيران صوب قوات الشرطة، وشاركوا أيضا في تأمين المسيرات وأعمال التجمهر التي نظمتها الجماعة، مستخدمين الأسلحة النارية وعبوات المولوتوف والأسلحة البيضاء.

وأضاف أن “حسم”، بدأت كخلية عشوائية هزيلة القدرات، ومارست العنف في أعقاب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، لكنها صارت اليوم من أقوى التنظيمات السرية المسلحة، نتيجة التعاون مع حركات مسلحة إقليمية، وبفضل الدعم المعلوماتي واللوجستي والاستخباراتي الذي ضاعف من قدرات الحركة ومكنها من تنفيذ عمليات نوعية.

ولفت عكاشة إلى أن الاحترافية التي أبداها أعضاء الحركة، في تجهيز السيارات المفخخة والوصول بها إلى قلب القاهرة، تؤكد العلاقة التي أوردتها التحقيقات مع قيادات الجماعة الهاربة في تركيا، ومع قيادات بكتائب القسام التابعة لحماس، فضلا عن ترجيحه لمعلومة التدريب العسكري في معسكرات بالسودان بالنظر إلى علاقات الإخوان بتلك الجهات.

عمرو الشوبكي الخبير في الحركات الإسلامية، أكد أن حركة “حسم” هي تنظيم سياسي بذراع عسكرية، يتحرك من منطلقات سياسية ثأرية، ويغلف ممارساته بشعارات دينية لتبرير عمله الإرهابي، ولا يمكن إدراجه ضمن التنظيمات الأيديولوجية التقليدية، التي تنطلق من قناعات دينية خالصة، وأشار إلى أن التنظيم ليس له قسم شرعي للفتاوى والتأصيل الفقهي لممارساته مثل غيره، وإنما يعتمد في الأساس على الأدبيات الثورية.

وشدد الشوبكي على أن الحركة تستفيد من التغيرات التي طرأت عالميا على مناهج وطرق تجنيد التنظيمات الإرهابية؛ حيث تأخر عامل اللجوء للإقناع الديني ليحل محله استخدام حجة المظالم السياسية والاجتماعية، لتصبح هي عامل الجذب الأساسي.

خبراء في حركات الإسلام السياسي بمصر، ذهبوا إلى أن ممارسات وأدبيات “حسم”، تعكس استراتيجية الإخوان، التي تقوم على توظيف الأدبيات السياسية والعنف الثأري، بزعم السعي لـ”استرداد الثورة” من قوى مضادة انقلبت عليها من داخل النظام القديم.

13