حسابات النظام السوري في حرب غزة

البرود في التعاطي مع الحرب له دلالاته المعبرة عن موقف دمشق من حماس الذي لم يتغير منذ أن شقت الحركة عصا الطاعة وقفزت من القارب السوري ظنا منها أنه سيغرق.
الثلاثاء 2024/04/02
استخدموهم ولكن لا تثقوا بهم

المتابع للموقف الرسمي السوري من الحرب في غزة منذ بدايتها إلى اليوم، يجد في تصريحات المسؤولين السوريين وعلى رأسهم وزير الخارجية فيصل المقداد خطابا يتراوح بين إدانة الجرائم الإسرائيلية والثناء على محور المقاومة الذي تقوده إيران في وجه المخططات الإسرائيلية في المنطقة بشكل عام، وفلسطين بشكل خاص. ولكنه موقف يتسم بنوع من الحذر في اختيار المفردات، فمن جهة تحاول دمشق التأكيد على أنها تسبح في الفلك الإيراني لكنها في نفس الوقت تختار الإبقاء على تلك المسافة الفاصلة في حدود علاقتها مع حركة حماس، وتختار أن تنأى بنفسها عن أي تصريحات تؤوّل على أنها خطاب يعيد المياه إلى مجاريها مع الحركة التي وصفها الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة تلفزيونية قبل شهرين من اندلاع الحرب على أنها حركة كانت تدعي “المقاومة”.

على نفس الوتيرة اكتفت المعارضة السورية باستنساخ بيانات الشجب والاستنكار دون الإشارة إلى حركة حماس كرد فعل منطقي بعد أن قررت الحركة عودة علاقاتها مع النظام إلى سابق عهدها، حتى وإن كان ذلك قد تم من جانب واحد، لكنه كاف لإعلان نهاية شهر العسل بينها وبين المعارضة، وكذلك حرصا منها على عدم خسارة ما تبقى من تأييد قطري - أميركي – أوروبي، ولو أن المسألة قد حسمت نظرا للبرود الذي عرفه الملف السوري في السنوات الأخيرة، وهو ما يشير إلى أن مسألة إسقاط النظام قد سقطت من أولويات الغرب وأضحت من الماضي.

◙ الحكومة السورية مجبرة على الحفاظ على مكتسبات التقارب العربي، وبالأخص مع الدول الخليجية التي لها موقف واضح وصريح من حركة حماس ومن نشاط إيران في المنطقة

الصحف الرسمية وعلى رأسها جريدة البعث، تلقت توجيهات من السلطات تتعلق بتغطية الحرب على غزة، وتطرقت في العديد من افتتاحياتها على تأكيد التوجه السوري الرسمي الداعم لحركات المقاومة، لكنها حرصت أن يبقى خطها التحريري في ما يخص ذلك بعيدا عن تفاصيل السياسة، كما تجاهلت مثلها في ذلك مثل الصحف الأخرى التصريحات الإعلامية لقادة حماس، واكتفت بتسليط الضوء على آثار العدوان وخسائر الاحتلال دون تمجيد لانتصارات “الطوفان”، أو أي إشارات لحركة حماس قد تضرب العلاقة المستقرة مع حركة فتح وتسيء لعلاقة النظام بالسلطة الفلسطينية.

البرود في التعاطي مع الحرب له دلالاته الواضحة المعبرة عن موقف الحكومة السورية من حماس الذي لم يتغير منذ أن شقت الحركة عصا الطاعة وقفزت من القارب السوري ظنا منها أنه سيغرق. ينبغي هنا التذكير بموقف الرئيس السوري بشار الأسد من الحركة في خطاب القسم بعد “فوزه” بولاية رئاسية ثالثة، عندما ميّز بين المقاومة الفلسطينية وحركة حماس معتبرًا الأخيرة حركة تدّعي المقاومة، إذ جاء في خطابه “هذا يتطلب منا أنّ نميّز تمامًا بين الشعب الفلسطيني المقاوم الذي علينا الوقوف إلى جانبه وبين بعض ناكري الجميل منه.. بين المقاومين الحقيقيين الذين علينا دعمهم والهواة الذين يلبسون قناع المقاومة وفق مصالحهم لتحسين صورتهم أو تثبيت سلطتهم، وإلا سنكون بشكل واعٍ أو غير واعٍ نخدم الأهداف الإسرائيلية”.

نزع الرئيس الأسد صفة المقاومة عن حركة حماس بعد أن تعارضت مصالحها مع إستراتيجية بقائه واستمراره، واليوم يجد المسؤولون والإعلاميون السوريون المتعاطفون مع حماس حرجا كبيرا في إعادة تلك الصفة إليها، لذلك لجأوا إلى حيلة الفصل بين جناحها العسكري الموالي لإيران، وجناحها السياسي الموالي لقطر، حتى لا يتم الخروج عن المفهوم الخاص الذي وضعه بشار الأسد لمعنى المقاومة وفق مبدأ تقاطع وتضارب المصالح والأجندات.

◙ المعارضة السورية اكتفت باستنساخ بيانات الشجب والاستنكار دون الإشارة إلى حركة حماس كرد فعل منطقي بعد أن قررت الحركة عودة علاقاتها مع النظام إلى سابق عهدها

الضربات الجوية الإسرائيلية على محيط دمشق توالت منذ السابع من أكتوبر، حيث تم قصف 50 هدفا تابعا لحزب الله داخل الأراضي السورية، وفق آخر الإحصائيات التي قدمها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك حافظت الجبهة السورية مع إسرائيل على هدوئها المعهود، رغم تصريحات التصعيد التي أطلقها وزير الخارجية فيصل المقداد على هامش المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في دمشق مطلع فبراير الماضي وتحدث فيه عن استعداد بلاده خوض حرب جديدة مع الاحتلال. لكن الواقع يقول إن تلك التصريحات ما جاءت إلا لتضيف بعض الزخم على زيارة الوفد الإيراني ربما بطلب منه ولتكتفي فقط بتقديم مادة صالحة للاستهلاك الإعلامي.

حرب غزة وضعت سوريا مرة أخرى أمام موقفين؛ الأول أن الحكومة السورية لا تمتلك القدرة على صناعة القرار، وهي تحت ضغط النفوذ الإيراني لذلك لا تمانع أن تكون أراضيها مركزا لنشاط أذرع إيرانية وجسرا يربط لبنان بالعراق وحلقة وصل لوجيستية لمحور المقاومة في خضم الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل في غزة، ليس من باب أنها تريد فك الخناق على حماس، ولكن حرصا على أن تظهر الولاء من منطلق أن الوجود الإيراني في سوريا قد ساهم بشكل كبير في قلب موازين القوى وفي الحفاظ على أجزاء واسعة من الأراضي السورية في مواجهة جماعات المعارضة المسلحة، بمعنى أن وجود إيران كان في خدمة السيادة السورية وليس العكس.

والموقف الثاني أن الحكومة السورية مجبرة على الحفاظ على مكتسبات التقارب العربي، وبالأخص مع الدول الخليجية التي لها موقف واضح وصريح من حركة حماس ومن نشاط إيران في المنطقة، وأن تراعي في نفس الوقت التداعيات المحتملة للموقف الغربي من توسع رقعة الحرب على الجبهة السورية، لذلك فهي مضطرة لإظهار قدرتها على إحداث التوازن في العلاقة مع الطرفين، وإيران مضطرة لإعطائها هامشا للمناورة تحافظ من خلاله على مكتسبات الخروج من العزلة العربية، وإن كانت تلك المكتسبات تعد شبه منعدمة حاليا.

8