حزب النداء والخيبة الانتخابية الثانية للشعب التونسي

الثلاثاء 2015/10/20

لم يعرف تاريخ البشرية شعبا ينتخب بإرادة كاملة أحزابا لتخدمه وتقوده، فتتحول إلى عبء ثقيل عليه مثل الشعب التونسي. ما حدث مع انتخاب حركة النهضة في 2011 يتكرر مع انتخاب نداء تونس اليوم. والخشية أن يفقد التونسيون حماسهم للانتخابات باعتبارها صارت مأتى انكسارات متكررة.

إن الشعب التونسي شعب متمدّن يراهن على الديمقراطية ويذهب بها إلى مداها. وقد مارسها بامتلاء كامل في مختلف المحطات الانتخابية التي خاضها منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011. ولكن لا بد من الاعتراف بأن الأحزاب السياسية التي منحها الشعب التونسي في انتخابات 2011 و2014 قد خذلته. فانتخابات 2011 منحت حركة النهضة الإخوانية الأغلبية في المجلس التأسيسي وسلمها الباجي قائد السبسي مقاليد الحكم باعتباره كان رئيس الحكومة.

فشل التجربة النهضوية في الحكم، وتعثر اليسار التونسي في حسم خلافاته إضافة إلى افتقاره للدعم الإعلامي وإلى الموارد والإمكانيات المادية وإلى محاصرة القوى الخارجية له واستمرار ضرب اليمين الرجعي له، كل هذه العوامل جعلت السياسي المخضرم الباجي قائد السبسي يلتقط الفرصة ليعلن عن ميلاد حركته ويعتبرها منقذة تونس من سيطرة الإخوان ومن الفراغ.

والحقيقة أنه لم يكن هناك حزب اسمه نداء تونس وإنما فقط مجموعة من السياسيين من حكومة السبسي الانتقالية ومعهم بعض رجال الأعمال التقوا يبحثون لهم عن مكان ودور في تونس. وأول اجتماع عام عقده الحزب كان في ربيع 2013 في جزيرة جربة، وتعرض إلى تحرش من قبل بعض المتشددين. وقد استغل الحزب ذلك التحرش إعلاميا للتنديد بخصومه الإسلاميين وليرتدي ثوب المصلح مخلّص الضحية ويكسب تعاطف الرأي العام، ونجح في ذلك.

نداء تونس لم يكن أبدا حزبا جماهيريا. ولم يتمكن منتسبوه من الخروج إلى العلن إلا بعد انضمامهم إلى جبهة الإنقاذ بقيادة الجبهة الشعبية في يونيو 2013 ومشاركتهم اللوجستية في اعتصام الرحيل.

منذ يناير 2015 يعيش الشعب التونسي على وقع أزمة هذا الحزب الذي فاز بالأغلبية في الانتخابات التشريعية 2014 وفاز رئيسه ومرشحه الباجي قائد السبسي بالرئاسة في رئاسية ديسمبر 2014. ثم شكل الحكومة التي سلم رئاستها إلى الحبيب الصيد. فهذا الحزب الذي سيطر على السلطتين التشريعية والتنفيذية يعرف اليوم مصيرا دراماتيكيا عنوانه الانقسامات وصراع الأجنحة والعجز الإداري والسياسي والإعلامي.

ومع الإقرار بأن رئيس الحزب ومؤسسه قد وظف اليساريين في صراعه مع خصومه الإسلاميين، فإنه يخطئ من يرى في ما يحدث داخل نداء تونس أنه صراع بين الدستوريين واليساريين بدليل وجود النوعين في كلا الفريقين المتصارعين. وهذا يعني أن ما يحدث ليس صراعا أيديولوجيا ولا صراعا تاريخيا ثأريا وإنما هي حرب مواقع ومصالح ومكاسب وسلطة. والأهم أنها حرب توريث خيضت قبل الانتخابات وتم تأجيلها بعد الرسالة الشهيرة لبعض المثقفين التونسيين إلى رئيس الحزب حينها الباجي قائد السبسي حتى يتدخل ليعفي نجله حافظ قائد السبسي من رئاسة قائمة الحزب في دائرة تونس العاصمة. وفعلا فعل السبسي ذلك.

يتلخص الصراع في نداء تونس بين فريقين؛ يرأس الأول محسن مرزوق الأمين العام للحزب ورئيس حملتيْه الانتخابيتين التشريعية والرئاسية ومعه المكتب التنفيذي والمكتب السياسي ورئيس الحزب محمد الناصر ونوابه وبعض الوزراء، ويرأس الثاني حافظ قائد السبسي مدير الهياكل في الحزب ومعه مدير الديوان الرئاسي رضا بلحاج وبعض الوزراء ورئيس الكتلة النيابية للحزب وبعض النواب.

مدار الصراع على شرعية الإدارة والتسيير، فشق محسن مرزوق يعتبر أن المكتب التنفيذي والمكتب السياسي هما القيادة الشرعية للحزب. أما شق حافظ قائد السبسي فيرى أن شرعية المكتب التنفيذي والمكتب السياسي قد نفدت ولا بد من عقد مؤتمر تنتخب فيه قيادة جديدة للحزب.

ولقد عجز مؤسس الحزب ورئيس الجمهورية الحالي في رأب الصدع بين الفريقين المتصارعين رغم اجتماعه بهم في قصر قرطاج منذ أيام قليلة. وهذا دليل على إفلات أمور حزبه من بين يديه وفقدانه التأثير في قياداته وأتباعه. واللافت أن كلا الفريقين ينزهانه ويعتبران نفسيهما أوفياء له ولخطه.

ما يحدث داخل حزب الأغلبية الحاكم في تونس يؤثر سلبا على سير الحكومة ومؤسسات الدولة. فوزراء النداء في حكومة الصيد ونواب كتلته البرلمانية منقسمون بين الشقين المتنازعين. وفي خضم هذا الصراع داخل الحزب الحاكم تضيع مصالح تونس. ويتأجل حلم الشعب التونسي في التنمية والاستقرار والعدالة والأمن والتقدم.

كاتب وباحث سياسي تونسي

9