حزب الله يتصدّر قائمة المتهمين باغتيال محمد قاسم الجرار

في خضم لحظة مثخنة بالأزمات، جاء مقتل مسؤول العلاقات العامة بالجماعة الإسلامية في بلدة شبعا محمد قاسم الجرار، المعروف بدعمه للاجئين السوريين، ليزيد من أعباء لبنان. تتعدد الروايات حول الحادثة، كما تتعدد الأسماء المطروحة في قائمة المتهمين، وإلى جانب إسرائيل ورد حزب الله كأحد المشكوك فيهم، فيما ربط البعض الحادثة بارتفاع مستوى التحشيد السياسي ضد اللاجئين السوريين؛ وهي أزمة من بين عدة أزمات يغرق فيها لبنان. وتوسعت رقعة الأزمات مؤخرا بشكل لافت حتى أن العديد من اللبنانيين يذهب إلى اعتبار أن بعض الحوادث مفتعلة قد يكون وراءها أطراف سياسية، تبحث عن التفريج عن ضغط تواجهه أو تغطية لصفقات وتسويات مثيرة للجدل. وفي هذه الحالة، تبدو أسباب توجه الشكوك نحو اتهام حزب الله أقوى من ذلك الموجه إلى إسرائيل.
بيروت - ذكرت تقارير في العاصمة اللبنانية أن التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية في لبنان بخصوص عملية اغتيال مدير مستوصف الرحمة ومسؤول العلاقات العامة بالجماعة الإسلامية في بلدة شبعا (جنوب لبنان) محمد قاسم الجرار، قد أفضت إلى وجود شبهة تورط حزب الله في الوقوف وراء عملية الاغتيال. وقالت الأنباء إن نتائج التحقيقات بقيت قيد الكتمان، فيما توجّهت الاتهامات بما فيها تلك الصادرة من قبل الجماعة نفسها إلى إسرائيل.
وقتل الجرار (46 سنة) ليل العاشر من شهر يونيو الماضي بعد خروجه من منزل جيرانه في بلدة شبعا التي يدير فيها المستوصف في مسجد الرحمة. وبرز الجرار كمسؤول العلاقات العامة للجماعة في منطقة العرقوب. وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي شريط يصوّر عملية الاغتيال.
وكان من المعروف عن الجرار أنه يعمل على إيواء اللاجئين السوريين ورعايتهم في البلدة منذ 2013. وقالت مصادر سياسية إن نائب رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية بسّام حمود تلقّى معلومات منقولة من الأمين العام للجماعة الإسلامية عزام الأيوبي، تفيد بأن حزب الله من قام بعملية اغتيال الجرار.
وأضافت المصادر أن الجماعة فهمت أن الرسالة موجهة لها وأن اغتيال الجرار ليس حالة شخصية مستقلة. وكشفت المعلومات عن أن الأيوبي وجّه حمود لسحب عناصر الجماعة من المناطق التي وصفت بالخطرة.
وكانت التقارير الأولى كشفت أن رعاية الجرار كانت تشمل 5 آلاف لاجئ سوري معظمهم من بلدة بيت جن الواقعة على المنقلب الشرقي لجبل الشيخ، وتقوم بينها وبين شبعا علاقات وروابط قديمة. وتراجعت هذه الأعداد بعد تنفيذ جهاز الأمن العام اللبناني حملات لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
غموض
واكب مسألة اغتيال الجرار الكثير من الغموض المرتبط بموقف الجماعة الإسلامية التي تعتبر الذراع اللبنانية لجماعة الإخوان المسلمين. فقد بدا في البيانات الصادرة عن الجماعة ارتباك في تفسير الجريمة ودوافع القتلة وهوياتهم. وما صدر عن الجماعة قد لا يكون سببه جهل بظروف عملية الاغتيال بل على العكس دراية شبه مؤكدة حول الجهة التي نفذت الجريمة.
وكان رئيس المكتب السياسي في الجماعة الإسلامية في لبنان، عماد الحوت، قال إثر مقتل الجرار إن من يقف خلف عملية اغتياله هي جهة محترفة وليست جهة هاوية. ويبدو في تلك التصريحات تلميحات واضحة إلى الجهة “المحترفة” التي تسيطر بشكل كامل على الميدان الأمني في جنوب لبنان.
نائب رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية بسّام حمود تلقّى معلومات منقولة من الأمين العام للجماعة الإسلامية عزام الأيوبي، تفيد بأن حزب الله من قام بعملية الاغتيال
وأضاف الحوت (وهو نائب سابق) أن الاتهام يذهب بأحد الاتجاهين لا ثالث لهما، الأول هو إسرائيل والثاني المنزعجون من دور الشيخ محمد في عملية احتواء النازحين السوريين ومساعدتهم والوقوف إلى جانبهم. وأردف أنّ عمل الشيخ الجرار في مساعدة النازحين السوريين أزعجت النظام السوري ومن يحالفه.
ورأى محللون تناقضا في اتهامات الحوت، واستنتجوا أن تلميحه إلى تضرّر النظام السوري من أنشطة الجرار ينطوي على اتهام ضمني لحزب الله بصفته حليف النظام وداعمه الأمني والعسكري في لبنان وفي سوريا.
وشدّد الحوت، الذي رفض توجيه الاتهام لأي جهة، على أنه لا بد من انتظار نتائج التحقيق من أجل الوصول إلى أي من الفرضيتين الأقرب إلى الصواب. واعتبر أن “عملية الاغتيال بالتقنيات التي استخدمت فيها وكل التحضيرات لها ونوعية الرصاص المتفجر الذي استخدم واستدراجه يؤكد أن الجهة محترفة وليست جهة هاوية”.
تهديدات سابقة
كشف الحوت أنه منذ سنة ونصف السنة كانت تصل تهديدات مصورة للشيخ الجرار تهدده بعائلته وابنه وبشخصه. وقالت مصادر سياسية إن أهالي شبعا ظنوا أن من أُطلِقَت عليه النار هو أحد المقربين إلى حزب الله مع مجموعة من الشبان، وبيته قرب مستوصف الجماعة الإسلامية في تلة القاطع.
ويعود هذا الظن إلى حيازة هذا المقرب من حزب الله ومجموعته قطع سلاح حربية رشاشة، يتباهون بها في البلدة باعتبارها “سلاحا مقاوما” في بلدة حدودية سنّية يميل معظم سكانها لتيار المستقبل.
نقلت المصادر أن القتيل كان قد تلقى اتصالا هاتفيا من السويد طلب منه المتصل لقاء شخص يريد التبرع بمواد طبية للمستوصف، وحدّد له موعد اللقاء قبل وقت قليل من خروجه من منزل جيرانه، ولدى خروجه أُطلقت عليه الرصاصات الغامضة القاتلة.
وتتحدث أوساط بلدة شبعا عن أن القتيل كان قد تلقى تهديدات علنية، حتى أن تسجيلا مصورا أظهر مسلحا مجهولا وهو يطلق الرصاص على صورة لأحد أبنا الجرار. ولمح أحد أبناء البلدة إلى أن تلك الجرأة والعلنية من الأمور التي لا يمكن ارتكابها في المنطقة إلا من قبل حزب الله.
ومؤخرا قال نائب رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان الدكتور بسام حمود إن أصابع الاتهام تتجه مباشرة نحو العدو الصهيوني دون الحديث عن الفرضية الثانية التي كان قد تحدث عنها الحوت وتوحي باتهام دمشق وحزب الله.
ومع ذلك لمّح حمود إلى شكوك في عمليات التحقيق حين استغرب أن هناك قضايا معقدة وأصعب من هذه القضية وقد حلّتها القوى الأمنية بفترات قياسية. ليخلص إلى أن الأجهزة الأمنية باتت تمتلك خيوطا هامة قد تؤدي إلى كشف هوية القاتل.
ويسود أوساط الجماعة الإسلامية تململ داخلي بسبب عدم قدرة التنظيم الإخواني على حماية عناصره، وبسبب الغموض الذي لم تمط الجماعة اللثام عنه والمتعلق بظروف اغتيال مسؤول الجماعة في العرقوب. وقالت بعض الأوساط القريبة من الجماعة إن أسئلة كثيرة قد طرحت داخل الحلقات الضيقة في الجماعة لم تستطع القيادة الرد عليها.
وتقول المصادر إن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين تحفّظ عن القيام بأي دور داعم للجماعة الإسلامية في لبنان بعد تبلغه معلومات بمسؤولية حزب الله عن اغتيال الجرار في يونيو الماضي.
وأضافت أن التنظيم الدولي يسعى لنسج علاقات مع إيران وأذرعها في المنطقة ولا يعتبر اغتيال الجرار من قبل حزب الله أولوية في أجنداته.
ورأى خبراء في شؤون الجماعة أن سلوك التنظيم الدولي كما القيادات الإخوانية ليس جديدا وأن عناصر الإخوان يتم التضحية بهم دون أي اكتراث أخلاقي من قبل قادة الجماعة خدمة لأغراض الجماعة وأجنداتها العليا.