حركة الشباب الصومالية تنوع هجماتها لتقويض خطة القضاء عليها

الأزمات السياسية الكثيرة في الصومال وعدم فاعلية قوة الاتحاد الأفريقي وانعدام إستراتيجية متماسكة لمكافحة الإرهاب بين الحكومة الصومالية وشركائها، وعدم تمكن الجيش الصومالي من الوصول إلى مرحلة الجاهزية رغم سنوات من التدريب الذي قدمته الولايات المتحدة ودول أخرى، يجعل التمرد يثبت وجوده في البلاد.
القاهرة - كشف الهجوم الذي شنته حركة الشباب الصومالية على مقهى بالعاصمة مقديشو الأحد الماضي مخلفًا قتلى ومصابين عن تصميم الحركة الموالية لتنظيم القاعدة المتطرف تعويض الخسائر التي تكبّدتها منذ بدء المرحلة الأولى من خطة القضاء عليها في أغسطس 2022، مدعية حالة من الصمود وامتلاك المقدرة على تنفيذ عمليات نوعية خارج نطاق سيطرتها.
وللتأكيد على أن الحركة قادرة على القيام بالعديد من العمليات المتزامنة سبق الهجوم بيوم واحد تنفيذ محاولة هروب جماعي لمسجونين تابعين لها من السجن الرئيسي بالعاصمة مقديشو، ورغم فشل العملية إلا أنها كشفت عن خطط مُعدة لتهريب ناشطي الحركة ومقاتليها من السجون.
وتحاول حركة الشباب منذ منتصف العام الماضي احتواء نتائج العمليات العسكرية التي أطلقها الجيش الصومالي بمساعدة قوات الاتحاد الأفريقي وبعض العشائر مدعومًا بإسناد جوي من الجيش الأميركي، لإثبات قدرتها على الصمود ومواصلة السيطرة على مناطق في غرب البلاد، علاوة على تأمين هيمنتها التقليدية على المناطق الريفية الشاسعة في الوسط والجنوب. والعملية التي نفذتها حركة الشباب تمت بسيارة مفخخة تُركت خارج مقهى وجرى تفجيرها أثناء متابعة بعض المواطنين المباراة النهائية لبطولة أمم أوروبا بين منتخبي إسبانيا وإنجلترا، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات.
وتتّبع الحركة تكتيكات مركبة ومتعددة الأهداف، تشمل استهداف المدنيين والقوى الأمنية والجيش والقوات الأفريقية المُسانِدة، علاوة على الأهداف السياحية والعشائر، في محاولة لإظهار تماسكها وعدم تأثرها بالحرب الشاملة التي تشنها عليها الحكومة الفيدرالية في مقديشو. وتخطط الحركة، عبر تنويع عملياتها، لحرمان الجيش الصومالي من جهود مختلف الأطراف التي ساندته منذ بدء الحملة ومكنته من إحراز انتصارات مهمة وتحرير أكثر من ثمانين مدينة كانت بحوزة المتمردين.
وتريد حركة الشباب من وراء استهداف المدنيين مع اقتراب انتهاء المرحلة الثانية من العملية الشاملة ضدها في أغسطس المقبل، هز الثقة بين الشعب الصومالي والسلطات المركزية وإشاعة روح اليأس والإحباط والتمهيد لاضطرابات شعبية واسعة تفتح ثغرات أمام الحركة لمد مساحات نفوذها وهيمنتها خاصة في المدن الرئيسية والعاصمة. وسبق استهداف الحركة للمدنيين في مقديشو تركيزها على تأجيج الصراعات بين العشائر للحد من مساندتها للحكومة الفيدرالية خاصة العشائر المعروفة باسم (معويسلي).
ونجح متمردون في افتعال المشاحنات والمواجهات من منطلقات نفعية بين العشائر، مثل التنافس على المراعي ومصادر المياه، والضغط بسلاح التكفير العقدي على خلفية المشاركة في الحرب في صف الدولة، وهو ما أدى إلى استمالة البعض ضد زعماء القبائل، وإشغال الحكومة بإيجاد حلول للصراعات العشائرية، ونتج عن ذلك تخفيف الضغوط عن الحركة.
وضعفت خلال العام الماضي وطوال المرحلة الثانية من الحرب الشاملة قدرة الحكومة الفيدرالية على حشد المساندة المحلية وتكتيل العشائر خلفها بالمقارنة مع بداية العمليات قبل عامين، وواكب توتر العلاقات بين الحكومة وبعض العشائر الفرعية، خاصة قبيلة هوادلي، عقد اتفاقيات مع حركة الشباب تضمن ولاءها وتنص على تعهدات بعدم المشاركة في القتال بجانب الجيش والقوات الأمنية الحكومية.
وبهدف التشكيك في قدرة الجيش الصومالي على حفظ الأمن وإحراج الحكومة أمام شركائها الدوليين شمل بنك أهداف الحركة خلال المرحلة الماضية بعض المناطق السياحية والفنادق التي تحظى بحراسات مشددة. وتكرر استهداف الحركة للفنادق أثناء اجتماعات المسؤولين الحكوميين داخلها، كما حدث في يونيو العام الماضي عندما نفّذ المسلحون المتمردون هجومًا نوعيًا على فندق بيرل بيتش المطل على شاطئ ليدو بالعاصمة مقديشو ما أسفر عن مقتل العشرات من العسكريين والمدنيين، فضلا عن هجوم وقع في مارس الماضي على فندق بالقرب من القصر الرئاسي وأسفر عن إصابة عدد من المسؤولين.
ولم تغفل الحركة توسيع عملياتها لتشمل شن هجمات ضد القوات الأفريقية لحفظ السلام (أتميس) بهدف ممارسة ضغوط على الحكومات الأفريقية لتضطر لسحب قواتها من الصومال، كما حدث عندما شنت هجمات منسقة كبرى ضد قواعد عسكرية تضم قوات أوغندية وإثيوبية تابعة لـ”أتميس” ما خلف العشرات من القتلى والمصابين.
ووصلت رسائل التصعيد العملياتي لحركة الشباب إلى الأطراف الدولية خاصة روسيا وقوات فاغنر الأمنية الروسية التي تتهيأ خلال المرحلة المقبلة للعب دور في مكافحة الإرهاب بالصومال وتدريب القوات الأمنية الصومالية وإمدادها بالأسلحة والمساعدات العسكرية.
وتمكنت حركة الشباب من إفقاد العملية الشاملة زخمها مع اقتراب نهاية مرحلتها الثانية عبر استخدام تكتيك حرب العصابات وهجمات الكر والفر على الطرق السريعة، والتي نجحت بشكل كبير في عزل المدن والقرى التي حررتها القوات الحكومية وسيطرت عليها. ولم تعط قوات الحكومة الفيدرالية الأولوية لتكريس هيمنتها على البلدات التي حررتها من خلال تأمين الطرق السريعة المحيطة وتطويقها بهدف حمايتها من هجمات حركة الشباب الارتدادية، ما مكّن الأخيرة من إعادة التمركز والانتشار واستعادة العديد من البلدات خلال فترة وجيزة.
واستفادت الحركة من نقص التمويل الدولي والإقليمي للحكومة الفيدرالية والتوتر الراهن بين الصومال وإثيوبيا على خلفية الاتفاق بين أديس أبابا وإقليم أرض الصومال، ما أعاق التعاون الاستخباراتي والأمني بين الجانبين وحدّ من الدعم الإثيوبي لجهود مكافحة الإرهاب.
ولا تعدم حركة الشباب في المقابل المساندة الإقليمية مع الربط الذي نوهت إليه العديد من التقارير الأممية والأميركية بين الحركة وجماعة الحوثيين باليمن وبالنفوذ الإيراني في المنطقة، وعلاقاتها مع مجموعة القراصنة الذين ينشطون في اختطاف السفن التجارية قبالة سواحل الصومال، ما يعزز عمليات الحركة الإرهابية في القرن الأفريقي ماليا وتسليحيا.
◙ يضاعف من تصميم الحركة على التوصل إلى مستوى السيطرة على الدولة بالكامل في الصومال ما تتمتع به من قدرات عسكرية متقدمة
ولا تهدد هذه التحولات في المشهد المكتسبات التي حققتها القوات الحكومية في بدايات انطلاق العملية الشاملة فقط، حيث اتضح أن حركة الشباب عبر إستراتيجيتها المتشعبة واستهدافاتها المتنوعة لا تكتفي بتحقيق هدف إحراج الحكومة الفيدرالية أو مجرد الانتقام وإبراز قدراتها على الحفاظ على مكتسباتها الإستراتيجية بالداخل الصومالي، وتؤشر أهدافها النهائية إلى التجهيز للانقضاض على السلطة في البلاد.
ويعيد تسلسل الأحداث في الصومال مؤخرا إلى الأذهان نموذج حركة طالبان في أفغانستان من جهة التمكن أولًا من السيطرة على جزء كبير من البلدات والمناطق في ما يشبه الحصار للعاصمة، وتاليًا البدء في الزحف إلى العاصمة بتكتيكات حرب العصابات وبفك الروابط بين الحكومة الفيدرالية وحلفائها وداعميها المحليين والإقليميين، وبث روح الهزيمة في صفوف عناصر الجيش وامتلاك القدرة على اختراقه.
ومع ثبوت قدرات حركة الشباب على التكيف مع التطورات والتفاعلات التي تشهدها الساحة القتالية والسياسية وشيوع اليأس في نفوس عناصر الجيش وقطاع كبير من النخب ببعض دول الجوار، تتعزز فرضية عدم قدرة الصومال على الحفاظ على الاستقرار والحفاظ على البلدات المحررة، وصولًا إلى طرح إمكانية تكرار السيناريو الأفغاني.
ويضاعف من تصميم الحركة على التوصل إلى مستوى السيطرة على الدولة بالكامل في الصومال، ما ينعكس سلبًا على استقرار منطقة القرن الأفريقي، ما تتمتع به من قدرات عسكرية متقدمة حيث يُقدر عدد مقاتليها بأكثر من عشرة آلاف مقاتل وظلت لفترة طويلة مسيطرة على ما يُقدر بثمانين في المئة من مساحة البلاد، فضلًا على قدراتها المالية الهائلة حيث تُعد أغنى منظمة إرهابية في العالم.
ولا تزال القدرات الراهنة للدولة الصومالية وأجهزتها الأمنية على الرغم مما طرأ عليها من تحسن غير كافية لمجابهة خطر تمدد سيطرة حركة الشباب وتوسع رقعتها، كما تحتاج إلى دعم مالي وتسليحي كبير وإلى إستراتيجية واقعية غير متسرعة لبناء القدرات الأمنية الفيدرالية بالكامل على مدى زمني أبعد من ديسمبر المقبل.
ومن المرجّح أن تتزايد قدرة حركة الشباب الصومالية المرحلة المقبلة على تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية المنسقة ضد أهداف إستراتيجية في البلاد، ما لم تتدارك الحكومة الفيدرالية أخطاءها وتبدأ أولًا بوضع خطط عملية لتعزيز قبضتها على البلدات المحررة والتحكم في إدارتها وعدم تعجل إلحاق هزيمة شاملة بالإرهابيين، وهو ما أدى خلال المرحلة الثانية من العملية الشاملة إلى استنزاف الموارد البشرية والمادية المحدودة للجيش الوطني من منطلق تطبيق إستراتيجية عسكرية متسرعة.