حرب وقودها شرائح الذكاء الاصطناعي

يبحث مسؤولون في الإدارة الأميركية إمكانية فرض سقف لمبيعات رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة من شركة “إنفيديا” وغيرها من الشركات الأميركية على أساس كل دولة على حدة، في خطوة تستهدف تقييد قدرات بعض الدول في مجال الذكاء الاصطناعي.
نيويورك- منذ سبع سنوات افتتح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عهدته الرئاسية بالضغط على الصين اقتصاديا، عملا بنصيحة الخبراء المختصين، ومن بينهم غابرييل تشو رئيس مجموعة آسيا لإحصاءات التجارة العالمية لأشباه الموصلات، الذي أكد أن الصين “تشبه شخصا قادرا على صنع تصميمات رائعة من قطع الليغو، لكنه لا يعرف كيف يصنع قطع الليغو نفسها”.
قطع الليغو التي لم تتقن الصين صناعتها هي الرقائق الإلكترونية. في ذلك الوقت لم يكن العالم قد تعامل بعد مع الذكاء الاصطناعي، الذي هيمن على مختلف القطاعات، لتحتل صناعة شرائح الذاكرة أهمية كبيرة فتحت أعين الأميركيين الذين أشهروا قانون “الشريحة” في إشارة إلى خطورة الوضع.
تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتطويرها يحتاج إلى كميات هائلة من البيانات، وهذا يتطلب ذاكرة عالية السرعة وقدرة تخزينية كبيرة في شرائح الذاكرة وأشباه الموصلات.
ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، تستمر الشركات في تعزيز استثماراتها في هذه التقنيات لتطوير نماذج أكثر تعقيدًا وفعالية وهذا يشمل تحسين الخوارزميات، وزيادة قدرات الحوسبة، وتوسيع البنية التحتية للذاكرة.
فجأة أصبح التحدي، الذي كان بالإمكان تأجيله، ضرورة لا يمكن التغافل عنها إن أرادت أي دولة حجز مقعد لها بين الكبار.
وتسعى الحكومات في مختلف أنحاء العالم إلى تحقيق ما يسمى بالذكاء الاصطناعي السيادي، أي القدرة على بناء وتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، وقد أصبح هذا السعي محركا رئيسيا للطلب على المعالجات المتقدمة، وفقا للرئيس التنفيذي لشركة Nvidia جينسن هوانغ، حيث تعد شرائح إنفيديا المعيار الذهبي لمشغلي مراكز البيانات، ما يجعل الشركة الأكثر قيمة حول العالم في مجال صناعة الشرائح والمستفيد الأكبر من طفرة الذكاء الاصطناعي.
في الوقت نفسه، تعمل الصين على تطوير أشباه الموصلات المتقدمة الخاصة بها، ورغم أنها لا تزال تتخلف عن أفضل الشرائح الأميركية، إلا أن هناك قلقا بين المسؤولين الأميركيين من أنه إذا قدمت الشركات الصينية أو أي شركة أجنبية أخرى ذات يوم بديلا قابلا للتطبيق لشرائح إنفيديا، ربما بشروط أقل، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف قدرة الولايات المتحدة على تشكيل المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي.
ويزعم بعض المسؤولين الأميركيين أن هذا الاحتمال بعيد، وأن واشنطن ينبغي لها أن تتبنى نهجا أكثر تقييدا فيما يتصل بصادرات شرائح الذكاء الاصطناعي العالمية نظرا لموقفها التفاوضي الحالي. ويحذر آخرون من جعل شراء التكنولوجيا الأميركية صعبا للغاية على الدول الأخرى، في حال تمكنت الصين من كسب أرضية واستقطاب هؤلاء العملاء.
وبينما ناقش المسؤولون النهج الأفضل، فقد أبطأوا الموافقات على تراخيص شرائح الذكاء الاصطناعي بكميات كبيرة إلى الشرق الأوسط وغيره من الأماكن.
وفي تقرير لها نقلت “بلومبيرغ” عن مصادر مطلعة أن مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ناقشوا وضع حد أقصى لمبيعات شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة من إنفيديا وشركات أميركية أخرى.
وجاء في التقرير نقلا عن تلك المصادر، التي وصفت طبيعة المناقشات الخاصة بشرط عدم الكشف عن هويتها، قولها: “سيضع النهج الجديد سقفا لتراخيص التصدير لبعض الدول لصالح الأمن القومي”، وأشارت المصادر إلى أن المسؤولين الأميركيين ركزوا على دول الخليج “التي لديها شهية متزايدة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والجيوب العميقة لتمويلها”.
وتابعت المصادر أن المداولات لا زالت في مراحلها المبكرة، وغير واضحة، مشيرين إلى أن الفكرة اكتسبت زخما في الأسابيع الأخيرة. وكان مسؤولون في وزارة التجارة قد قالوا عن هذه اللوائح، الشهر الماضي، إن هناك المزيد من القواعد قادمة، فيما ستعتمد السياسة على إطار عمل جديد لتسهيل عملية الترخيص لشحنات شرائح الذكاء الاصطناعي إلى مراكز البيانات في أماكن مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
ورفض مكتب الصناعة والأمن التابع لوكالة الأمن القومي والذي يراقب ضوابط التصدير، التعليق على الأمر. كما رفض المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض التعليق على المحادثات، إلا أنه أشار إلى بيان مشترك صدر مؤخرا عن الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي. وفيه أقر البلدان “بالإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي من أجل المصلحة العامة”، فضلا عن “التحديات والمخاطر التي تفرضها هذه التكنولوجيا الناشئة والأهمية الحيوية للضمانات”.
ومن شأن تحديد سقف، على أساس كل دولة على حدة، أن يشدد القيود التي تستهدف في الأصل طموحات الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تدرس واشنطن المخاطر الأمنية المترتبة عن تطوير الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم. وبالفعل، فرضت إدارة بايدن قيودا على شحنات شرائح الذكاء الاصطناعي من شركات مثل إنفيديا إلى أكثر من 40 دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا بسبب مخاوف من إمكانية تحويل منتجاتها إلى الصين.
في الوقت نفسه، أصبح بعض المسؤولين الأميركيين ينظرون إلى تراخيص تصدير أشباه الموصلات باعتبارها نقطة ضغط لتحقيق أهداف دبلوماسية أوسع نطاقا. وقد يشمل ذلك مطالبة الشركات الرئيسية بتقليص علاقاتها مع الصين، للحصول على إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية، لكن المخاوف تمتد إلى ما هو أبعد من بكين.
في هذا الصدد قال المدير الأول للتكنولوجيا في مجلس الأمن القومي تارون تشابرا، في منتدى عقد في يونيو الماضي، دون أن يذكر أسماء دول بعينها: “سيتعين علينا إجراء محادثات مع دول حول العالم حول كيفية تخطيطها لاستخدام هذه القدرات. وإذا كان الحديث يدور عن دول لديها أجهزة مراقبة داخلية قوية بالفعل، فعلينا أن نفكر في كيفية استخدام هذه الدول لقدراتها بالضبط لتعزيز هذا النوع من المراقبة، وكيف سيبدو ذلك؟”
وتتابع “بلومبيرغ”، على لسان مسؤول آخر في مجلس الأمن القومي، ماهر بيطار، أن هناك أيضا قضية كيفية تأثير تطوير الذكاء الاصطناعي العالمي على عمليات الاستخبارات الأميركية، حيث يقول: “المخاطر ليست فقط على أسس حقوق الإنسان، ولكن كذلك فيما يتعلق بالمخاطر الأمنية ومخاطر مكافحة التجسس التي تهدد أفرادنا في جميع أنحاء العالم”.
ومن غير الواضح كيف ستتفاعل شركات تصنيع شرائح الذكاء الاصطناعي الرائدة مع القيود الأميركية الإضافية. وعندما أصدرت إدارة بايدن لأول مرة لوائح شاملة للشرائح للصين، أعادت شركة إنفيديا تصميم عروضها الخاصة بالذكاء الاصطناعي لضمان قدرتها على الاستمرار في البيع بتلك السوق.
وتبذل دول خليجية مثل الإمارات والسعودية جهودًا كبيرة لتحقيق ما يسمى بالذكاء الاصطناعي السيادي، وذلك من خلال إستراتيجيات طموحة واستثمارات ضخمة في هذا المجال.
وتهدف إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي إلى دمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية مثل النقل والصحة والطاقة المتجددة، بهدف تحسين الأداء الحكومي وخلق بيئات عمل مبتكرة.
وتستثمر الإمارات بشكل كبير في تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك بناء مراكز بيانات ضخمة وتطوير المهارات التكنولوجية من خلال شراكات مع شركات عالمية مثل مايكروسوفت.
وتعزز التعاون الدولي والشراكات مع الشركات التكنولوجية العالمية لضمان الاستفادة من أحدث التقنيات وتطبيقاتها في مختلف المجالات.
وتعمل المملكة العربية السعودية من خلال إستراتيجيتها الوطنية على أن تكون رائدة عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز الابتكار.
ومن أجل هذا الغرض باشرت السعودية ببناء مراكز بيانات متقدمة وتطوير القدرات المحلية في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تدريب الكوادر الوطنية.
وعقد شراكات مع شركات تكنولوجية رائدة لتعزيز قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مختلف القطاعات.
هذه الجهود تعكس التزام الإمارات والسعودية بتحقيق تقدم كبير في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يعزز من قدراتهما التكنولوجية ويضعهما في مقدمة الدول الرائدة في هذا المجال.
وكان تقرير مطول نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قد أكد سعي المملكة لبناء صناعة تكنولوجية تسير جنباً إلى جنب مع هيمنتها النفطية. ويمضي التقرير ليقول إن “الجميع في مجال التكنولوجيا يرغبون في تكوين صداقات مع السعودية في الوقت الحالي، حيث تعمل المملكة على أن تصبح لاعبا مهيمنا في الذكاء الاصطناعي ولا تبخل في ضخ مبالغ كبيرة لتحقيق هذا الهدف”.