حرب، حقل تجارب، ضحايا.. وأكثر

الصناعة الإسرائيلية العسكرية ما كان لها أن تزدهر دون المواجهات الميليشياوية التي تقدمها حركتا حماس والجهاد الإسلامي بتواطؤ مستمد من واقع سماح دولة الاحتلال لهما بصناعة صواريخ بدائية عبثية.
السبت 2024/02/03
حقل تجارب مفتوح للسلاح الإسرائيلي

نشرت صحيفة “العرب اللندنية” نقلا عن موقع “ميديا بارت” الفرنسي خبر مفاده أن إسرائيل تسوّق عالميا لأسلحة جديدة اختبرتها في حرب غزة الدائرة حاليا، بعد إثبات فعاليتها ونجاعة تأثيرها ضمن تجارب محققة على الشعب الفلسطيني الأعزل في القطاع، وأدرجتها بعمليات تسويق معلن عنها مع شرح تقني على الموقع الرسمي لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

قبل السابع من أكتوبر بشهر ونيف نشرتُ مقالا في الصحيفة نفسها بعنوان: الفلسطينيون ضحايا وأكثر، أثرت من خلاله نقطة رئيسية تتمحور حول أن دولة الاحتلال أصبحت في مصاف الدول المتقدمة عالميا بصناعة وبيع منظومات اعتراض الصواريخ، بالإضافة إلى صادرات أخرى من التكنولوجيا العسكرية المتقدمة مستغلة الإنسان الفلسطيني والجغرافيا الفلسطينية ضمن نهج اقتصادي يوفر دعائم وروافد مالية هائلة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

 لم يكن مفاجئا لمن تابع سياق ونتائج الحروب الإسرائيلية السابقة على قطاع غزة، أن يدرك أنها ليست المرة الأولى التي يتم الإعلان خلالها عن تطوير أسلحة إسرائيلية وتسويقها، فنظام “مقلاع داوود”، ومنظومة “حيتس 3” لاعتراض الصواريخ، فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية سبق أن تم تطويرهما بناء على حروب إسرائيل على قطاع غزة  “حقل التجارب والتدريب مفتوح الجغرافيا”.

لسنا أمام مجازر حرب ترتقي لمفهوم إبادة جماعية فقط .. بل بات الشعب الفلسطيني وجغرافيته حقل تجارب مفتوح لسوق السلاح الإسرائيلي

 بالعودة إلى سياق الخبر الذي نحن بصدده، تستعرض إسرائيل اليوم مدافع الهاون “أيرون ستينغ”، الذي استخدم بشكل مكثف في المناطق المدنية داخل القطاع، بضمان عمل نظام التوجيه الجديد بواسطة شعاع ليزر أو “جي بي أس”، حتى في حال تعطل خدمة القمر الصناعي، في إشارة إلى حجم التطور التكنولوجي لعدد من الأسلحة الإسرائيلية الموجهة، فضلا عن تطوير الصواريخ المضادة وسلاح المسيرات التي ساهمت باغتيال عدد كبير من قادة الصف الأول والثاني لحركة حماس، وهذا كله غيض من فيض.

بعيدا عن تعقيدات السياسة ومساراتها، وأمام هذه الجزئية بالتحديد من مشهد الصراع المستمر في قطاع غزة، تنبلج الحقيقة التي يجب إدراكها لبناء سردية فلسطينية مبنية على حقائق بعيدا عن لغة الشعارات والبطولات الوهمية وخطاب الديماغوجيا لأقطاب المحور الإيراني.

حقيقة إننا لسنا فقط أمام مجازر حرب ترتقي لمفهوم إبادة جماعية قائم على منهجية القتل والتدمير باستهداف الشعب الفلسطيني وتركيبته السكانية وبنيته التحتية، بل الحقيقة تجاوزت ذلك حيث أصبح الشعب الفلسطيني وجغرافيته حقل تجارب مفتوح لسوق السلاح الإسرائيلي، ويدلّ على ذلك بشكل واضح حجم صادرات الأسلحة الإسرائيلية وتطورها، والذي تؤكده معدلات الأرقام التي تشهد ارتفاعا تصاعديا هائلا في سنوات الحروب والسنوات اللاحقة لها.

هذه الصناعة التي لم تكن لتزدهر دون المواجهات الميليشياوية التي تقدمها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، بتواطؤ مستمد من واقع سماح دولة الاحتلال لهما بصناعة هذه الصواريخ البدائية العبثية، بل ومساعدتهم في امتلاكها بتسهيل وصول المواد الأولية لهم، وخلق ظروف مواتية لاستخدامها، رغم قدرة دولة الاحتلال الشاملة على مسحها في أرضها قبل إطلاقها، ليستغلّها من ناحية أخرى كمسوغ ومبرر سياسي لاستمرار إبادته وحربه على هذا الشعب الأعزل الذي كان وما زال مشاريع حقول تجارب مجانية، كدجاجة تبيض ذهبا لشركات تصنيع وتطوير تكنولوجيا الأسلحة الإسرائيلية.

9