حرب المانشافت

لا أحد يعلم ماذا يدور في خلد يواكيم لوف مدرب المنتخب الألماني لكرة القدم؟ لا أحد بإمكانه تقديم تفسير واضح بخصوص قراره الأخير بإبعاد ثلاثي بايرن ميونيخ توماس مولر وجيروم بواتينغ ومات هوميلس عن قائمة منتخب “المانشافت” مستقبلا؟
هكذا، ودون أي مقدمات أعلن لوف أن هؤلاء اللاعبين خرجوا نهائيا من حساباته ولن يوّجه لهم الدعوة في قادم المباريات التي تنتظر المنتخب الألماني، بدءا بالمباراة الودية ضد صربيا يوم 20 مارس الحالي، ثم مباراة تصفيات يورو 2020 ضد هولندا المبرمجة في الأسبوع الأخير من الشهر ذاته.
ربما يجب على الجميع احترام قرار هذا المدرب الذي يعرف جيدا خبايا وخفايا وكواليس منتخب بلاده، خاصة وأنه يشرف على تدريبه منذ أكثر من عشر سنوات، ربما اقتنع هذا المدرب أن الوقت قد حان كي يغيّر “قطع الماكينات الألمانية” التي تعرضت للصدأ خلال الفترة الماضية، وهو ما لاح جليا سواء في مونديال روسيا الأخير أو في مباريات الدوري الأوروبي للأمم.
لكن لماذا الآن يأتي القرار؟ ولماذا في هذا الوقت الذي يستعد خلاله البايرن لخوض مباراة قوية وحاسمة ضمن دوري الأبطال ضد ليفربول؟
الأمر يدعو حتما للتعجب والاستغراب والريبة أيضا، فلوف انتظر ردحا طويلا من الوقت قبل أن يعلن القرار النهائي في وقت حساس، لقد أفصح عمّا يعزم على تنفيذه قبل فترة طويلة نسبيا من أول مباراة رسمية يخوضها منتخب ألمانيا.
بدا كأنه ساذج أو خبيث وهو يعلن عن القرار، فإبعاد بواتينغ ومولر وهوميلسن، وهم المنتمون للفريق البافاري في هذا التوقيت بالذات أثار عاصفة من الانتقادات في ألمانيا، فلماذا لم ينتظر إلى ما بعد نهاية المواجهة الأوروبية للبايرن ثم يعلن عن قراره؟ ولماذا يصر على كلمة الإبعاد النهائي؟
عادة ما تكون دعوة أي لاعب لتمثيل منتخب بلاده مرتبطة أساسا بمستواه وجاهزيته البدنية والفنية وقدرته على تقديم الإضافة، فعندما يتراجع أداؤه أو يتعرض للإصابة يخرج من الحسابات والعكس صحيح، أما أن يكون الإبعاد نهائيا فإن ذلك يكون في غالب الأحيان مرتبطا إما بتقدم اللاعب في السن وإما لاتخاذه قرارا بالتوقف النهائي عن اللعب الدولي.
لكن يواكيم لوف كان له رأي مخالف، لقد أصر هذه المرة على المضي قدما في “حربه” ضد “الحرس القديم” الذي ساعده على قيادة المنتخب الألماني للتتويج بالتاج العالمي في مونديال البرازيل 2014، لقد أبعد في السابق مسعود أوزيل وماريو غوتزه، واليوم جاء الدور على ثلاثة لاعبين من البايرن كانوا فيما مضى من الزمن من اللاعبين الذين يعوّل عليهم هذا المدرب كثيرا، ومن النادر أن وقع إبعادهم مهما كانت الظروف.
كل هذه المعطيات قد تعكس حالة من “التخبط” التي يعيش على وقعها لوف، فالمشرف الأول على منتخب “المانشافت” يبدو أنه أحس بأن سهام النقد الموجهة صوبه بدأت تحتد يوما بعد يوم، ويبدو أيضا أنه شعر بأن اللاعبين ساهموا في وضعه في خانة ضيقة، خاصة وأن بعضهم صرّح في السابق أن الوقت قد حان لإجراء تغيير شامل من أجل “ضخ دماء جديدة”.
هذه التصريحات فهمها لوف وكأنه هو المقصود، فلم يجد سوى هذا الحل كي يبعد الضغط عنه ويثبت للجميع أنه قادر على اتخاذ قرارات “مؤلمة” هدفها التغيير والتجديد ومنح الفرصة للاعبين الشباب.
لكن يظل السؤال مطروحا بشدة: لماذا اقتصر هذا الإبعاد على لاعبي البايرن فقط؟ ولماذا اختار لوف هذا التوقيت كي يعلن للجميع عن قراره؟
بعض المصادر المطلعة في ألمانيا أرادت أن تبحث عن الأسباب الكامنة وراء هذا القرار، فكانت الإجابة واحدة، وهي أن لوف أراد أن يبعث رسائل مشفرة لبعض القائمين والمقربين من فريق البايرن، مفادها أنه ما يزال دوما الرجل القوي والواثق والمتحدي والماسك بزمام كل الأمور صلب منتخب “المانشافت”.
لقد وقع اتهامه في السابق، وخاصة عقب نكسة المونديال، بأنه لا يقدر على اتخاذ قرارات مؤلمة وموجعة من أجل إعادة البناء، فالجيل الذهبي الذي حاز لقب كأس العالم بدأ يترهل وأغلب اللاعبين تقدموا في السن، لكن لوف أصر خلال المونديال الأخير على دعوة أغلب هؤلاء اللاعبين.
لقد جاءت الانتقادات أساسا من قبل بعض المؤثرين في محيط الفريق البافاري، ويبدو أن هذا الأمر حزّ كثيرا في نفس يواكيم لوف، لذلك انتظر الفرصة المناسبة واللحظة الحاسمة للرد على المشككين وبطريقته الخاصة.
في هذه المسألة بدا وكأنه درس كل شيء، فالإعلان عن إقصاء مولر وبواتينغ وهوميلس يبدو مرتبطا أساسا بتحضيرات المنتخب الألماني للموعدين القادمين في نهاية هذا الشهر، لذلك فإن الإعلان عن هذا القرار وفي هذا التوقيت بالذات قد يعتبره البعض أمرا طبيعيا بما أن المدرب سيعلن بعد أيام قليلة عن قائمة اللاعبين المدعوين للمشاركة في المعسكر المقبل للمنتخب الألماني.
ومن الطبيعي تبعا لذلك أن يتخذ بعض الخطوات الاستباقية التي تخص أساسا قائمة اللاعبين الذين سيتم إبعادهم، لكنه في حقيقة الأمر اختار اللحظة المناسبة والتوقيت المناسبة كي يرد بأفضل طريقة ممكنة من وجهة نظره على كل من شكك في توجهاته وأفكاره، لقد وجّه رسالة مشفرة للمقربين من البايرن وكأنه أراد أن يقول: أنا هنا، أنا من يحدد اللاعبين المبعدين، أنا من يختار اللحظة المناسبة للإعلان عن أي قرار يخص المانشافت.