حرب أميركا في سوريا هل من جديد

السبت 2014/09/20

ربما تمهّد موافقة الكونغرس الأميركي رسميا على تسليح وتدريب المعارضة السورية، لإنهاء مرحلة اكتفت فيها الولايات المتحدة بدور المراقب. وهي سياسة كان يفضلها كل أعضاء الكونغرس تقريبا، جمهوريين وديمقراطيين. لكن بلادة ولامبالاة أعضاء الكونغرس استحالت قبل يومين في مناقشاتهم لخطة باراك أوباما نشاطا وحيويةً لافتة، كانوا يرددون: “يجب أن نفعل شيئا”.

لقد سادت قناعة واضحة أن التقاعس الآن سيكون له آثار وخيمة على الأمن والمصالح الحيوية للـدولة العظمى في الشـرق الأوسط، وفي الأراضي الأميركيـة على حد سواء، وخصوصا أمام خطر أكبر تنظيم إرهابي في العالم، تنظيم الدولة الإسلامية.

رغم أن أعضاء الكونغرس كانوا يميلون في السنوات السابقة إلى رفض الموافقة على أي برنامج تدريب وتسليح للمعارضة السورية. ما دفع الإدارة الأميركية، كما أشارت عدة تقارير، إلى تنفيذ برامج من هذا القبيل عبر جهاز الاستخبارات بصورة سرية، يقال إنها جرت في الأردن.

لا يمكن التقليل من شأن هذا الانتقال في ما يخص دعم المعارضة السورية المسلحة من الحيز السري إلى الحيز العلني. لكن الهدف واضح وعلني للغاية، ولا يمتّ بصلة، على الإطلاق، لجوهر الصراع في سوريا، بل ينحصر في تدمير تنظيم الدولة الإسلامية الذي بات يهدد المصالح الأميركية.

إذ تنطلق التحركات الأميركية الأخيرة من أن القضـاء على تنظيـم الـدولة الإسلاميـة، وهي تحوز قوات عسكرية برية واسعة الانتشار، يتطلب مقاتلين على الأرض يواجهون عناصر التنظيم المتطرف ويدحرونه من مناطقهم. ولما كانت أميركا غير راغبة، أبدا، في إرسال جنود إلى أرض المعركة، فلا مناص إذن من كسب بعض الحلفاء ليكونوا بمثابة “جنود أميركيين” في أراضٍ عراقية وسورية.

هكـذا تطـرح إدارة أوبـاما القضية من دون مـواربة، هي ليسـت قضيـة تخص الظلـم والحيف والقتل المنظم الذي يحيق بالشعب السوري، وإنما قضية تكتيكية هاجسها الوحيد حشد أدوات المعركة ضد داعش.

انطلاقا من ذلك، شرعت أميركا في تحديد حلفائها على الأرض، بما هم جنود مشاة سيشكلون رأس الحربة في المعارك القادمة، ومستعدون للتضحية ولتقبّل الخسائر المرتفعة بتسليمٍ تام.

في العراق اعتمدت الولايات المتحدة في وقت مبكر على الجيش العراقي الفئوي والمليشيات الطائفية، فضلا عن الأكراد في كردستان العراق. ويبقى حليف عراقي آخر غير مكتمل التشكيل والتجهيز، ألا وهو قوة عسكرية تتشكل من العشائر السنية التي ثارت ضد نوري المالكي.

لكنها لن تكون هذه المرة بثوب غير رسمي، كما كان الحال مع “الصحوات”، بل من المرجح أن تتشكل كقوة نظامية تمتلك استقلالية في القرار والتمويل، لكي تكون القوة العسكرية الرسمية التي تمثّل وتدافع عن السنة في العراق، أو هكذا يراد لها أن تبدو لكي تكسب قلوب وعقول العراقيين السنة المترددين، حتى الآن، في الانضمام إلى قوة عراقيـة تسيطـر عليهـا الأحـزاب الشيعية.

أما في سوريا، فالمشهد شديد التعقيـد، ولا يخفّفُ من وطأة تعقيداته إقرار الكونغرس قانون تدريب وتسليح المعارضة. فعن أي معارضة يتحدث الكونغرس؟

يبدو جواب أوباما معروفا الآن، فهم معنيون بـ”المعارضة المعتدلة”. هكذا بدّل الرئيس الأميركي رأيه بهذه المعارضة، التي وصفها قبل نحو شهرين بأنها “مجموعة مزارعين وأطباء” وذلك في سياق تبرير عدم دعمها في مواجهة النظام.

لكن الواقع يشير، فعلا، إلى أن “المعارضة المعتدلة” مفتتة وضعيفة إلى حد لا يمكن الاعتماد عليها اليوم، وسيلزم الأمر عامين أو ثلاثة أعوام من التدريب، وهو ما كانت أميركا صريحة فيه عندما قالت إن خطتها “طويلة الأمد”.

من هنا صدرت تكهنات تحذر من أن حاجة أميركا إلى حليف قوي وفوري في أرض المعركة من جهة، وعدم ثقتها في المعارضة السورية من جهة أخرى، قد يدفعانها إلى التعاون مع نظام بشار الأسد سرا.

بل ربما في العلن، من يدري؟ إذ وعلى عادته في الأخطاء والعثرات أثناء مؤتمراته الصحفية، ألمح جون كيري إلى أن القوات الأميركية ستتخذ كل ما يلزم، لكي تنسق، بشكل أو بآخر، طلعاتها الجوية مع النظام السوري بحيث لا يحدث أي تصادم. الصحفيون التقطوا زلة كيري وطالبوه بشرح ذلك مرارا وتكرارا، لكنه كان يتهرب في كل مرة.

ليجيب المتحدث باسم الخارجية الأميركية في أحد المؤتمرات الصحفية على زلّة كيري، ويقول إن التنسيق في مثل هذه الحالات يكون مع الطيار مباشرة وليس مع النظام!، وأن الأمر حدث سابقا مع الإيرانيين عند غزو العراق، حيث نسق سلاح الجو الأميركي مع الطائرات الإيرانية في بعض الحالات.

باختصار، ثمة احتمال كبير في أن تفتح أميركا خطوط اتصال غير مباشرة مع النظام السوري أثناء تنسيق عملياتها الجوية في سوريا. وهذا لا يتعارض في الحقيقة مع الهدف الأميركي المعلن للعملية العسكرية، وهو تقويض الدولة الإسلامية، لا تقويض النظام السوري.

إن سياسة أميركا واضحة تجاه العدوّين. العدو الأول اللدود المميت وهو داعش حيث “لا حل سلميا” تجاهه، وحيث لا بد من سحقه “بشكل نهائي”، كما يكرر أوباما في كل خطاباته.

أما العدو الآخر وهو نظام الأسد فـ”لا حل عسكريا” معه، بل حل متفاوض عليه. ويبقى الشق السوري في الخطة الأميركية عبارة عن زيادة كمية للضغوط على النظام لتقديم تنازلات تؤدي إلى حل سياسي.

إن أي حل سياسي سيكون جيدا بالمعايير الأميركية، ليس مهما أن يكون عادلا، ولا أن يرتقي إلى مستوى التضحيات العظيمة التي قدمها الشعب السوري، المهم فقط أن يكون قابلا للتطبيق.


كاتب فلسطيني سوري

8