"حراس البوابة".. مشروع لتحقيق السيادة التكنولوجية الأوروبية

جدل أوروبي حول تنظيم الأسواق الرقمية لمواجهة الهيمنة الأميركية.
الأحد 2021/12/12
الشركات الأجنبية تغزو أوروبا

أمام هيمنة الشركات الأميركية الكبرى يسعى الاتحاد الأوروبي لضبط قوانين تحمي الشركات التكنولوجية الأوروبية من خلال مشروع قانون ستقدمه مع مطلع العام الجديد للتصويت في البرلمان الأوروبي لتنظيم المنافسة، لكن هذا المشروع يخضع لانتقادات من قبل المستفيدين من الشركات التكنولوجية العملاقة.

بروكسل ـ من المتوقع طرح قوانين جديدة على البرلمان الأوروبي في العام 2022 تتعلق بالأسواق الرقمية والخدمات الرقمية وذلك لتعزيز تنافسية شركات التكنولوجيا الأوروبية في الأسواق الدولية لأن السياسة الأوروبية الحالية لتنظيم المنافسة لم تحقق النتيجة المرجوّة منها، فيما يتعلق بالحد من السلوك المهيمن للشركات التكنولوجية الأميركية في أسواق الاتحاد الأوروبي، ويتضمن ذلك شركات مثل “ألفا بيت”، و”أمازون” و”فيسبوك”، و”أبل” و”مايكروسوفت” وغيرها.

ضعف التنافسية

قانون الأسواق الرقمية يقدم إطاراً جديداً لتنظيم وتحديد آليات عمل قطاع تكنولوجيا المعلومات في الاتحاد الأوروبي

في تقرير بعنوان “تداعيات قانون الأسواق الرقمية على التعاون عبر الأطلسي”، أعدته ميريديث برودبنت مستشار أول في إدارة الأعمال الدولية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بأن هذا القانون لا يخدم الغرض الذي أعلنته المفوضية الأوروبية منه، حيث أنه ينطوي على العديد من الثغرات قد تؤثر سلباً على أعمال الشركات الأوروبية، وعلى المستهلك الأوروبي.

وأشارت برودبنت إلى أن مقترح القانون يحاول بشكل رئيسي معالجة مشكلة ضعف تنافسية الشركات الأوروبية في قطاع التكنولوجيا والخدمات الرقمية العالمي، وذلك ما يتضح جلياً على الأخص بالنسبة إلى المنصات الإلكترونية كبيرة الحجم.

ووفقا للقائمة السنوية لأكبر 500 شركة في العالم، توجد ثلاث شركات تكنولوجيا أوروبية، وذلك مقارنة بـ12 شركة من الولايات المتحدة، و8 من اليابان، و6 من الصين، و6 من تايوان؛ وهو ما يعني أن أوروبا لا تزال متخلفة عن الولايات المتحدة وآسيا في هذا القطاع.

يأتي ذلك على الرغم مما تتمتع به أوروبا من فرص لنجاحها والتي تتمثل في سوق يزيد على 450 مليون مستهلك، وقوى عاملة متطورة، ونظام تعليمي متقدم، وقاعدة بحث علمي متطورة. وعليه؛ فإن قانون الأسواق الرقمية يهدف إلى حماية الشركات التكنولوجية الأوروبية، وذلك من خلال فرض إجراءات صارمة لمكافحة الاحتكار وفرض عقوبات على الشركات الكبيرة، خاصة الأميركية منها.

الفئات الخاضعة للقانون

أوروبا لا تزال في ذيل قائمة الشركات التكنولوجية وفقا للقائمة السنوية لأكبر 500 شركة في العالم

حدّد مشروع قانون الأسواق الرقمية الفئات الخاضعة له وهي شبكات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث ومنصات الفيديو وخدمات الاتصالات والخدمات الوسيطة وخدمات الحوسبة السحابية وأنظمة التشغيل وشبكات الإعلانات التي تعمل في هذه المجالات.

وتشير المفوضية الأوروبية إلى أن الشركات التي لها تأثير كبير على السوق الداخلية ستخضع للوائح قانون الأسواق الرقمية ستعرف باسم “حراس البوابة”، كما يحدد مقترح القانون “حراس البوابة” الكيانات التي تفي بمعايير حجم المستخدمين الذي حددته بـ45 مليون مستخدم شهرياً، والمبيعات العالمية، والأسواق التشغيلية وعمليات على الأقل في ثلاث دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي من 27 دولة عضو.

ويقدم قانون الأسواق الرقمية إطاراً جديداً لتنظيم وتحديد آليات عمل قطاع تكنولوجيا المعلومات في الاتحاد الأوروبي، من حيث تنظيم العلاقات بين أطراف القطاع، واستحداث التزامات وقيود على الشركات الكبيرة، وإعطاء صلاحيات لشركات الطرف الثالث، وهي شركات أصغر حجماً يتيح لها قانون الأسواق الرقمية تقديم خدمات وسيطة بين المستهلك النهائي وبين المنصات الرقمية العملاقة.

وتبرز برودبنت أن مقترح قانون الأسواق الرقمية بعكس قوانين مكافحة الاحتكار التقليدية يميل إلى حماية المنافسين كافة في السوق، كما يمنح  مقترح القانون المفوضية الأوروبية سلطة تنظيمية مقتسمة مع السلطات المحلية بشأن تطبيق إجراءات الامتثال والإنفاذ المطبقة على الشركات.

حقوق وواجبات

ضبط القواعد في السوق
ضبط القواعد في السوق

تشكل المادتان الخامسة والسادسة الركيزتين الرئيستين اللتين يعتمد عليهما القانون في تحديد حقوق وواجبات الشركات التكنولوجية الكبرى، ويتضح ذلك في حماية المستهلك وحقوق الشركات.

وحظر مقترح القانون بموجب المادة الخامسة العديد من الممارسات التي اعتبرها غير عادلة، ويأتي على رأسها حظر الشركات من استخدام البيانات الشخصية لمستخدمي خدمة ما، في خدمات أخرى تقدمها نفس الشركة؛ ومنع الشركات من تقديم الخدمات بتكاليف مخالفة، إذا ما قُدمت عبر وسطاء خارجيين، ومنع الشركات من إجبار المستخدمين النهائيين على الاشتراك في خدمة المنصة الأساسية كشرط للوصول إلى الخدمات.

وتنص المادة السادسة على أن المستخدمين النهائيين يجب أن يكونوا قادرين على إلغاء اشتراكاتهم في التطبيقات المثبتة مسبقا، وترى برودبنت أن الاصطلاحات القانونية في المشروع الأوروبي تفتقر إلى تمييز واضح بين ما يشكل تطبيقاً أو نظام تشغيل.

ووضعت المادة السادسة أيضا قيودا على متاجر التطبيقات وأنظمة التشغيل في استخدام بيانات المستخدمين، حيث تحظر على الشركات استخدام البيانات غير العامة التي تم إنشاؤها بواسطة كل من المستخدمين النهائيين ومستخدمي الأعمال، لكنها تضع في الوقت ذاته قواعد لتسهيل إمكانية نقل البيانات من أجل منع التخزين المنعزل لبيانات المستخدم. علاوة على ذلك تلزم الشركات بأن تضمن إمكانية التشغيل البيني بين تطبيقات برامج الطرف الثالث.

وأكد القانون بالمادة الخامسة على حظر تقييد قدرة أصحاب الأعمال على إثارة قضايا مع أيّ سلطة عامة ذات صِلة؛ علاوة على ذلك توضح هذه المادة أيضاً إجراءات تسمح للشركات بموجبها بالتفاعل مع المستهلكين. كما تحدد الالتزام بإرشادات الشفافية في أسعار الإعلانات. وتنص هذه المادة من القانون على أن المعلنين والناشرين يحتفظون بالحق في طلب بيانات حول مدى صلة الإعلان بالمحتوى والعائد المتوقع.

انتقادات ومخاوف

Thumbnail

وأثار القانون الأوروبي المتعلق بالأسواق الرقمية العديد من المخاوف والانتقادات لدى أصحاب المصلحة من داخل الاتحاد، وعلى نحو قد يعوق الموافقة عليه من قبل البرلمان الأوروبي إذا لم يتم تعديله.

وتتمثل أبرز المخاوف من هذا القانون في الانحياز المسبق ضد الشركات العملاقة، إذ من الواضح أن هذا القانون يستهدف فرض قيود لن تنطبق إلا على المنصات الأميركية الرئيسية، وليس على منافسيها الأوروبيين أو الصينيين الذين يقدمون خدمات مماثلة، وبذلك فإن القانون يحوّل هدف التدخل  لتنظيم المنافسة من رفع كفاءة السوق إلى تعديل هيكل السوق واستهداف تقييد الشركات كبيرة الحجم باعتبارها تهديداً للشركات المحلية.

وترى الكاتبة أن فرض القانون قيودا على الشركات الأميركية العملاقة سيضر بالقطاعات غير الرقمية في أوروبا، حيث هناك عدد من الصناعات الأوروبية تستفيد من التكنولوجيا الرقمية التي تبتكرها الشركات الأميركية كشركات تصنيع السيارات الألمانية في شراكة مع مزودي الخدمات السحابية في الولايات المتحدة، بما في ذلك “مايكروسوفت”، لتعزيز جهود الرقمنة بها. وعليه؛ فإن القيود على عمل الشركات الأميركية  في أوروبا سوف يلحق ضرراً بتلك الشركات المحلية.

وترى برودبنت أيضا أن قانون الأسواق الرقمية يضع بعض العراقيل أمام الصناعة الأوروبية لاسيما الشركات صغيرة الحجم في ابتكار تقنيات رقمية جديدة، ويأتي ذلك كنتيجة لزيادة التكاليف التنظيمية التي سيفرضها القانون بما فيها زيادة الحواجز أمام دخول السوق. وفي السياق نفسه؛ من شأن القيود المفروضة على “حراس البوابة” أن تكبح عملهم بشكل مباشر، وتلقت المفوضية الأوروبية نحو 90 تعليقاً من أصحاب المصلحة من بينهم جمعيات أعمال وشركات ومنظمات غير حكومية، والتي ركزت في أغلبها على الحاجة إلى تعريفات ومعايير أكثر دقة لمفاهيم “حراس البوابة”، ومستخدمي الأعمال والمستخدمين النهائيين والقطاع الرقمي.

وجاء في تلك الانتقادات أن القانون لم يحدد نطاق تقسيم السلطة بين السلطات المحلية للدول الأعضاء وبين سلطة المفوضية الأوروبية.

وعبَّرت تعليقات أصحاب المصلحة عن الرغبة في تحديد أكثر دقة لخدمات المنصة الأساسية، بالإضافة إلى تقديم أسئلة حول ما يجب أو لا يقع ضمن نطاق قانون الأسواق الرقمية.

بيانات متاحة

Thumbnail

ويتطلب القانون من الشركات الخاضعة له الكشف عن الملكية الفكرية لأنشطتها كافة بما في ذلك الأسرار التجارية الحساسة وبيانات الملكية، ورمز المصدر للخوارزميات، وتفاصيل البنية التقنية للشركات، وينطبق ذلك على الأخص، بحسب الكاتبة، على الشركات الأميركية. وعليه؛ فإن الأخيرة ستكون المتضرر الأول من القانون، بينما سيفيد ذلك بشكل غير عادل المنافسين الأصغر حجماً.

وبموجب اقتراح قانون الأسواق الرقمية ستخضع شركتا “أبل” و”ألفا بيت” لالتزامات جديدة تهدف إلى تقوية موقف مستخدمي الأعمال في المنصات، ومنها تسهيل “التحميل الجانبي” الذي تنص عليه المادة السادسة.

ويشير هذا المصطلح إلى تمكين المستهلكين الأوروبيين من تجاور متاجر تطبيقات “أبل” و”غوغل” وإمكانية تثبيت التطبيقات مباشرة على هواتفهم من متاجر طرف ثالث، غير أن ذلك من شأنه أن يتطلب من الشركات الصغيرة والمتوسطة ضخ استثمارات كبيرة لصنع التطبيقات الخاصة بها، لاسيما مع زيادة التكاليف مطوّري التطبيقات.

ومن شأن قواعد الإفصاح التي يقرها قانون الأسواق الرقمية أن يجعل مجموعة بيانات مستخدم الأعمال متاحة للجمهور، ما يعني أن ذلك قد يؤدي إلى كشف نقاط الضعف لهجمات برامج الفدية وغيرها من الجرائم الإلكترونية.

تمرير محتمل

في البداية، تمت إحالة مشروع القانون إلى لجنة الأسواق المحلية وحماية المستهلك في البرلمان الأوروبي، والتي أوصت بدورها، في يونيو 2021، بإجراء بعض التعديلات.

وستجرى لاحقا مفاوضات مشتركة بين البرلمان والمجلس والبرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية، حول القانون المقترح، والذي على الأرجح أن يتم تمريره، لاسيما أن فرنسا، أحد أقوى المؤيدين لتنظيم قطاع التكنولوجيا، جنباً إلى جنب مع ألمانيا ستتوليان رئاسة مجلس رئاسة الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر بدءاً من يناير 2022 ما يعني أنه من المتوقع  أن يتبنى البرلمان الأوروبي التشريع في وقت ما في عام 2022، وسيدخل حيز التنفيذ في عام 2023.

وتؤكد الكاتبة ميريديث برودبنت أن قانون الأسواق الرقمية يعتبر جزءاً لا يتجزأ من طموحات الاتحاد الأوروبي لتحقيق “السيادة التكنولوجية الأوروبية”، والتي تأتي ضمن هدف التكتل لبناء أنظمة مستقلة في مجموعة واسعة من المجالات العالمية، ومن بينها بشكل خاص القطاع الرقمي.

15