حجم التنسيق التونسي الأميركي في الحرب على داعش

الجمعة 2016/02/26

حول موضوع التنسيق التونسي الأميركي في الحرب على داعش لا توجد معلومات وإنما توجد معطيات بعد تحليلها يمكن أن تمدّنا باستنتاجات. من هذه المعطيات أنّ السلطات التونسية كانت قد أعلنت منذ أشهر على لسان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة الحبيب الصيد، نذور الخطر الإرهابي القادم إلى تونس من صبراتة الليبية التي لا تبعد عن الحدود التونسية سوى 70 كلم.

وكانت تقارير متواترة حتى من الأمم المتحدة قد قدرت أن عدد مقاتلي داعش في ليبيا يبلغ 5000 عنصر أغلبهم تونسيون. وبدأ داعش يتوسّع في ليبيا ليس في اتجاه المثلث النفطي فقط بل في اتجاه المناطق الحدودية مع تونس مثل صبراتة رغم أنها خالية من الثروات. وليس هذا صدفة ولا اتفاقا وإنما كشفت اعترافات الموقوفين من التونسيين المنتمين إلى التنظيم في صبراتة وطرابلس عن أنهم كانوا يخططون لاحتلال مدينة بن قردان الحدودية.

وللتذكير فإن هذه المدينة وبقية المدن الحدودية في الجنوب التونسي هي مدن مفقرة توفر خزانا رهيبا من الشباب اليائس الذي يسهل استقطابه وتسفيره إلى ليبيا لتدريبه وتجنيده. والكثير من هؤلاء الشباب التونسيين قاموا بعمليات إرهابية أو انتحارية في ليبيا أو سوريا أو العراق أو تونس. والبقية منهم إمّا يقاتلون في هذه الجبهات وإما يخضعون للتدريب في المعسكرات الليبية في انتظار الأوامر والمهام. ويقدر من خطط لاحتلال بن قردان أن يجد الدعم والمساندة من قبل متساكني هذه المدينة وشبابها.

لقد زار الرئيس السبسي الولايات المتحدة في مايو 2015 وكانت رئاسة الجمهورية قد أعلنت حينها أن برنامج زيارة الرئيس فيه جانب مهم يتعلق بالمجال الأمني لا سيما سبل مكافحة الإرهاب. وصرّح السبسي قائلا: ننتظر دعما أميركيا لتونس بالإمكانيات والمعدات العسكرية والأمنية اللازمة مع مضاعفة المساعدات العسكرية 3 مرات مقارنة بسنة 2010.

وبعد زيارة الرئيس السبسي إلى الولايات المتحدة في مايو 2015 وإمضائه بروتوكول التعاون العسكري مع واشنطن ومنح تونس صفة الشريك غير العضو في الناتو، شرعت الحكومة التونسية بعد شهر ونصف الشهر تقريبا في يوليو 2015 في بناء خندق وساتر ترابي على طول الحدود البرية التونسية الليبية التي تمتد على 500 كلم.

وللتذكير فإنّ السبسي كان قد طرح هذا الموضوع مع فرنسا أولا، وتلقى وعدا منها بتمويل إنشاء هذا الخندق والساتر الترابي. ولكن بعد زيارته إلى واشنطن سكت عن التمويل الفرنسي تماما. وهو ما يعني أن تونس تلقت تطمينات أميركية في خصوص مساعدتها على التصدّي للخطر الإرهابي القادم من صبراتة ومن بقيّة المدن الليبية الأخرى التي يتواجد فيها تنظيم داعش.

مشروع الساتر الترابي كان فكرة جيدة لإحكام مراقبة الحدود البرية. ولكن لا توجد تقارير عن تجهيزات المراقبة والوقاية التي تلقتها تونس من الولايات المتحدة لتركيزها في الساتر والخندق حتى أنهما لم يمنعا من تسرب الإرهابيين والمهربين من الجهتين بشكل نهائي. والدليل على ذلك أن أغلب الموقوفين من الدواعش التونسيين اعترفوا بأنهم خرجوا من تونس عبر المهربين وكشفوا عن قنوات ومسالك تهريب ما تزال خفية عن السلطات التونسية. هذا إضافة إلى استمرار نشاط التهريب بنسق عال.

وهذا يعيد طرح السؤال عن حجم التنسيق التونسي الأميركي في مراقبة الحدود وفي طبيعة المساعدات الأميركية لتونس. بمعنى أنه لو كانت هناك خدمات مراقبة متطورة من الولايات المتحدة إلى تونس لا سيما المراقبة بالأقمار الصناعية لتمكنت تونس من القضاء على قنوات التهريب والتسرب من الجهتين. ولكن يبدو أن هذه الخدمة لم توفرها الولايات المتحدة إلى تونس. وربما هي تخضع للتفاوض أو المساومة.

وفي سياق مناقشة موضوع حجم التنسيق التونسي الأميركي في الحرب على داعش يأتي الحديث عن الغارة الأميركية على منزل في صبراتة الأسبوع الماضي. فلم تكن الغارة تستهدف قيادات من التنظيم وإنما كانت موجهة إلى تصفية إرهابيين تونسيين كانوا يخططون للقيام بهجمات في تونس حسب تقرير أميركي. بمعنى أن الضربة ليست هجومية وإنما وقائية دفاعية ولم تكن الغاية منها مهاجمة التنظيم وإنما الدفاع عن تونس.

وهنا أيضا نعود إلى موضوع المساومة. فلقد كانت الضربة الأميركية دقيقة وموجهة بما يؤكد جملة من المعطيات. أولها أن القوات العسكرية الأميركية تمتلك مخبرين على الأرض، فالضربة ذكرتنا بالضربات الإسرائيلية التي كانت تستهدف قيادات المقاومة الفلسطينية في غزة ورام الله. وثانيها أن الولايات المتحدة تبدي لشركائها استعراض قوّة وقدرة يمكن أن يتدعما مقابل تدعيم المقابل المطلوب من الدول المستفيدة من هذه الخدمات العسكرية مثل تونس.

هذه النقطة الثانية تحملنا إلى سؤال أعمق؛ إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على إصابة أهداف داعشية بهذه الدقة ما الذي كانت تنتظره وهي لا شك تعرف بقية الأهداف لا سيما من القيادات التنظيمية والعسكرية؟ ثم ألا تعرف الولايات المتحدة شبكات تحرك تنظيم داعش في ليبيا وخطوط إمداده الخارجية والدول التي تموّله وتدعمه؟ لقد ضربت الولايات المتحدة الهدف في صبراتة دون إذن أممي ولا قرار دولي ولا قرار من الناتو بإعلان الحرب على داعش في ليبيا. فهل كانت الضربة فقط لأجل عيون تونس؟

وقبل هذا لا بد من طرح السؤال عمّن سهل دخول داعش إلى صبراتة لا سيما أن المتداول أن الغرب الليبي كله تحت سيطرة قوات فجر ليبيا وقوات الجماعة الليبية المقاتلة المسلحة التي يشرف عليها عبدالحكيم بلحاج. ولهذه القوات ولقادتها وللأطراف السياسية التي تدعمها في ليبيا علاقات متينة سياسية وأيديولوجية مع تيارات وأطراف سياسية فاعلة في تونس. فمن سلّم صبراتة المفتقرة للثروات كما ذكرنا لتنظيم داعش؟ والسؤال الأخطر هو: ما هو المطلوب من تونس مقابل حمايتها من الخطر الإرهابي المزروع زرعا وبفعل فاعل في خاصرتها الجنوبية الشرقية؟

كاتب ومحلل سياسي تونسي

9