حجاب ذكوري

لا يمكن أن نفصل غطاء الجسد عن جدل الرغبة والخضوع، الرغبة في الفتنة والخضوع لقواعد الأخلاق والدين والمجتمع والنظم السياسية. والتفكير بأن مواجهة الحجاب مسألة نسائية صرف اختزال لمعركة تحرر الجسد من قيد النظم، وحصره في نطاق تفاقمات مبدأ الرغبة. واختصار للسؤال الملغز والممتد في حدود شرائع عقائدية وطائفية ربطت الشأن الجسدي بالكيان الأنثوي.
بناء على هذا الافتراض أجدني، على الدوام، منحازا لتمثل تواترات الحجب والكشف بوصفها مسارا متعلقا بالكتلة الجسدية، بصرف النظر عن الجنس، ومن ثم فقد بدا، في لحظات عديدة من تاريخ الحضارات، بوصفه قدرا ذكوريا، بقدر ما هو نسائي؛ على الأقل لأن قرارات تغطية الرأس بعمامة أو بطربوش أو بقبعة صدرت بشأنها مراسيم وتشريعات، لم يصدر ما يوازيها من القرارات السلطوية بصدد شكل الحجاب النسائي، فقد ترك الأمر، في الغالب الأعم، للشريعة الدينية، ووعي المجتمعات وقدرتها على فهم النصوص أو تأويلها أو تخطي ظاهرها، على النقيض من غطاء الرأس الذكوري الذي ارتبط بمبدأ الإخضاع والولاء.
قرارات سياسية عديدة رهنت رأس الرجل لحجاب ما، بدءا بمرسوم السلطان العثماني محمود الثاني تعميم الطربوش الأحمر وانتهاء بقرار الملك الحسن الثاني جعل هذا الطربوش ذاته جزءا من الزي الرسمي لرجالات الدولة المغربية، ولم يكن التفكير في الطربوش بوصفه غطاء فقط، ولكن بما هو علامة على انتماء إلى مجتمع ومقام وتشريعات لها سلطات عاتية، لقد كان بديلا لقلانس وصيغ عمامات بتفاصيل عديدة بالغة التعقيد، وتطويعا للرؤوس للتواؤم مع مبدأ التماثل الشكلي، الذي هو قاعدة الطاعة، ألم تكن الجيوش وفرق البوليس والدرك على مر الأزمنة مبتدعة الحجب الذكورية المتماثلة من الرأس إلى أخمص القدمين؟
لهذا لم أعتبر يوما إصرار مصطفى كمال أتاتورك على إلغاء الطربوش واستبداله بالقبعة بوصفه شطحا تحديثيا موغلا في السطحية، تجلى في نظري من حيث هو اختيار جذري في حرب الرموز، يماثل في خطورته استبدال الحرف العربي باللاتيني، ومنع استخدام اللغات الأجنبية في أقاليم الجمهورية الفتية. كان نزعا للحجاب الثابت وانتقالا لزمن الغطاء العابر.
قبل سنوات كتب الروائي المصري صنع الله إبراهيم رواية بعنوان “العمامة والقبعة” تدور أحداثها أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، زمن حملة نابوليون بونابارت على مصر، استبطن في فصولها ومقاطعها السردية صورة المواجهة بين لسانين وذاكرتين وسلطتين وجغرافيتين متباعدتين، اختصرت المسافة الرمزية بينهما في صيغة غطاء الرأس بين الخرقة البيضاء التي تلف الجبين والناصية وتهصر الدماغ وبين القبعة السهلة النزع والمضافة على نحو مؤقت.