جولة أميركية آسيوية حبلى بنزعة إضعاف بكين

بانكوك- لم تكتف واشنطن المراهنة على وجوب السيطرة على الوضع في آسيا بتلك القرارات المؤلمة والمزلزلة التي أقرّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر رفع الرسوم الجمركية بنسبة 25 بالمئة على نصف صادرات الصين إلى الولايات المتحدة، وهو ما أشعل حربا باردة حقيقية مع بكين.
جهود أميركية لكبح جماح الصين، أكدتها الجولة الآسيوية التي أجراها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الخميس بزيارته العاصمة بانكوك لطرح تبادل “معمق” للأفكار مع نظيره الصيني وانغ يي في بانكوك، حيث حاول تنسيق إستراتيجية الولايات المتحدة التي يعتمدها الرئيس دونالد ترامب، لمواجهة نفوذ الصين في آسيا.
وتأتي هذه الخطوة الجديدة مباشرة بعد جدل تخطى الحرب التجارية بين البلدين، حيث انتهت الأربعاء جولة مناقشاتها الأخيرة من دون أن تحقق تقدما ملموسا. وتدرك واشنطن وفق الخبراء أن فرصة المزيد من إضعاف الصين لا تكون إلا عبر إحاطة واشنطن نفسها بحزام دول جنوب شرق آسيا وأن الفرصة قد حانت بسبب عدة تراكمات منها أن الوضع متقلب في هذه المنطقة.
فالاقتصاد الصيني بدا في الأشهر الأخيرة متباطئا، كما تدور المواجهات للمطالبة بالديمقراطية في هونغ كونغ وتوجد أيضا حرب باردة جديدة بين اليابان وكوريا الجنوبية، لتصبح الديناميكية التي كان من المفترض أن تدفع المنطقة إلى مستقبل زاهر محفوفة بالمخاطر والانهيار.
العلاقة مع كوريا الشمالية
اعترف بومبيو بأن مواعيده حتى الجمعة في العاصمة التايلاندية، حيث تعقد اجتماعات وزارية لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، لن تكون فرصة لإعادة العلاقات مع كوريا الشمالية كما كان يأمل، وأن الوقت لم يعد كافيا لتجاهل حقيقة أن الصين تريد فك ريادة العالم من الولايات المتحدة.
وقد عُقد اللقاء المنفرد مع وزير الخارجية الصيني على خلفية التوتر بين القوتين العظميين المتنافستين، بما يتخطى الخلاف التجاري الذي انتهت جولة مناقشاته الأخيرة الأربعاء من دون أن تحقق تقدما ملموسا.
يزيد مستقبل العلاقات بين البلدين غموضا، خاصة أن الاضطرابات التي تحف هذه العلاقات أتت بعد ما فهم منه أجواء تفاؤل بعثها لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون
وتعيش منطقة جنوب شرق آسيا على وقع قمم آسيوية، ستحدد وفق المراقبين مستقبل العالم في بكين ونيودلهي، وكانت هذه نقاط ضعف المنطقة لعقود. وقال بومبيو في مؤتمر صحافي “كنا صرحاء جدا بشأن المواضيع التي نأمل في أن تتصرف الصين حيالها بطريقة تختلف” عن تصرفها في الوقت الراهن.
إلا أن الوزيرين أعربا عن رغبتهما في التهدئة مرحبين بالتبادل “المعمق” للأفكار، حيث كتب بومبيو في تغريدة بعد اللقاء “عندما يخدم ذلك المصالح الأميركية، نصبح مستعدين للتعاون مع الصين”.
وأكد “لا نطلب أبدا من دول منطقة الهند-المحيط الهادئ أن تختار بين الدول”. وأضاف مخاطبا الأعضاء العشرة في آسيان أن “مصالحنا تتلاقى بشكل طبيعي مع مصالحكم”. والدول العشر في آسيان هي إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وتايلاند والفلبين وبروناي وفيتنام ولاوس وبورما وكمبوديا. من جهته، أعلن وانغ يي للصحافيين أن بومبيو “قال بوضوح شديد إن لا الرئيس ترامب ولا الإدارة الأميركية ينويان كبح تطور الصين”.
أولوية آسيان
في رسالة كشف عنها في الولايات المتحدة، في اليوم السابق، حذر وانغ يي “البلدان التي لا تنتمي إلى المنطقة”، معتبرا أن من واجبها “ألا تزرع الشكوك بين الصين وأعضاء في دول جنوب شرق آسيا”. وأضاف أن “الصين ستواصل اعتبار الآسيان أولوية في جوارها”.
إلا أن بومبيو ينوي أن يدفع في بانكوك الإستراتيجية الأميركية لمنطقة “الهند-المحيط الهادئ حرة ومفتوحة”، حيث تريد إدارة ترامب أن تكون “أكثر حضورا” من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
ولا تخفى الطموحات العسكرية الصينية، ومشاريع البنى التحتية لبكين التي يشتبه برغبتها في إحكام قبضتها على المنطقة. وتعرب واشنطن بذلك عن قلقها من موافقة كمبوديا المحتملة التي تجيز لبكين استخدام قاعدة بحرية إستراتيجية لسفنها، وهذا ما سيؤمن لها وصولا سهلا إلى بحر الصين الجنوبي. وأعلن مايك بومبيو أن عاصمة كمبوديا -بنوم بنه- نفت هذه الشائعات، داعيا جيرانها إلى “الاقتداء” بهذا البلد الذي “يدافع بقوة عن سيادته الوطنية”.
كذلك سيوجه بومبيو تحذيرا إلى الوزير الصيني يتعلق بهونغ كونغ، التي تواجه أسوأ أزمة في تاريخها الحديث، من خلال تظاهرات ضخمة مؤيدة للديمقراطية ضد الحكومة المحلية المؤيدة لبكين. ولم يدل الوزيران بأي تعليق حول هذه المسألة بعد اجتماعهما.
وكان وزير الخارجية الأميركي قال عشية اللقاء للصحافيين الذين يرافقونه “إنهم سكان من هونغ كونغ يطلبون من حكومتهم أن تستمع إليهم. ومن المفيد دائما أن تستمع أي حكومة إلى شعبها”، معتبرا الاتهامات بأن واشنطن تحرض على التظاهرات “سخيفة”.
الاقتصاد الصيني بدا في الأشهر الأخيرة متباطئا، كما تدور المواجهات للمطالبة بالديمقراطية في هونغ كونغ وتوجد أيضا حرب باردة جديدة بين اليابان وكوريا الجنوبية
ورغم أن واشنطن تأمل أيضا في الاستفادة من هذه الاجتماعات لدفع رهاناتها المتعلقة بكوريا الشمالية، فإنه ليس من المقرر عقد أي لقاء في العاصمة التايلاندية بين الأميركيين والكوريين الشماليين، وهذا ما يحمل بومبيو على الإعراب عن “أسفه” لكنه يبقى “متفائلا” حيال استئناف المفاوضات في مستقبل قريب، رغم إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية أخيرا.
والتقى الرئيس الأميركي للمرة الثالثة، الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في أواخر يونيو، في المنطقة المنزوعة السلاح والتزم الرئيسان بإعادة إطلاق المحادثات المتوقفة. ولكن لم يتحدد أي موعد منذ ذلك الوقت.
ويزيد مستقبل العلاقات بين البلدين غموضا، خاصة أن الاضطرابات التي تحف هذه العلاقات أتت بعد ما فهم منه أجواء تفاؤل بعثها لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، في شهر يونيو الماضي في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، إثر لقاء أشاد به الطرفان، وأثار الأمل في إحياء المحادثات النووية المتعثرة.