جوائز تحت رعاية الرقابة

الأحد 2016/06/19

وزعت، منذ أيام قليلة (8 يونيو الماضي)، جائزة علي معاشي في الأدب، التي يرعاها رئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة، وأتّمت بذلك دورتها العاشرة.. عشر سنوات مرّت على تأسيس الجائزة الأهم في الأدب والفنون فيالجزائر، وعلامات استفهام كثيرة تُطرح حول جدواها وميكانيزمات عملها.

منذ الاستقلال (1962)، ظهر الكثير من الجوائز الأدبية، في البلد، تحت رعاية مؤسسات رسمية (مثل اتّحاد الكتّاب أو وزارة الثّقافة)، لكن لم يكتب لها الاستمرار، وجائزة علي معاشي (نسبة للفنّان الشّهيد معاشي، 1927-1958)، هي الأطول عمراً، لحدّ السّاعة، فقد تأسست بمرسوم رئاسي (2006)، واختارت، من البداية، أن تتوجّه لكتّاب (شعر ورواية) تقل أعمارهم عن الخامسة والثّلاثين، هكذا فهي تستهدف الجيل الشّاب، الذي يُنتظر منه أن يدافع عن خصوصيته، عن حريته، أن يكون جُدُراً أمام السّقوط المتكرّر للقناعات، وخصوصاً ألاّ يسقط في «خدع» التّدجين وفخاخه، التي تحاول السّلطة الرّسمية نصبها للشّباب.

أولى الملاحظات، على هذه الجائزة، التي تشكّل، سنويا حدثا، في الأوساط الثقافية في البلد، وتشكّل مادة دسمة في الصّحف، أن لجان التّحكيم فيها تتكوّن من موظفين من وزارة الثّقافة، غالبيتهم يتجاوزن سنّ الخمسين، وبعضهم من «كتّاب متقاعدين»، لم يصادف القارئ نصّا لهم، على الأقل، منذ عشر سنوات، يتجمعون لبضعة أيام، في كل ربيع، ليحددوا هوية الكاتب الشّاب الأنسب للتتويج ليختاروا روائياً للجزائر وشاعراً لها، وجرت العادة أن يقع الاختيار على نصوص، ليس بحسب جودتها أو أصالتها، ولكن المهم أن تستوفي معياراً آخر: هو عدم المساس بالمقدّسات السياسية والعقائدية، بلغة أخرى أن تكون نصوصا مهادنة، خجولة، صامتة ولا تطرح الأسئلة الأساسية، ولا تتعدى المسموح فيه في نقد التّاريخ.

في القانون الدّاخلي من الجائزة، الأهم في الجزائر، تصدر الأعمال الفائزة، في كتب، تتولّى مؤسسة نشر عمومية طبعها وتوزيعها، ولكن الملاحظ في السّنوات العشر الماضية أن الكتب الفائزة غائبة من رفوف المكتبات، وحصل أن صدر بعضها من دون علم مؤلفيها، أضف إلى ذلك ضعف توزيعها في عاصمة البلاد نفسها، مما يجعل منها كتبًا في حكم “الميتة” تخرج من المطبعة لتتكدّس في مستودعات التّخزين.

هذا الوضع السّلبي بات، من سنة إلى أخرى، يحدّ من عزيمة الكتّاب الشّباب المشاركين في الجائزة، لولا الإغراء المادي الذي تتضمنه، حيث يتسلم الفائز الأوّل بجائزة الرّواية أو الشّعر مبلغا يقارب الـ450 دولاراً، وهو في الحقيقة مبلغ زهيد، إذا علمنا أن الجائزة ذاتها يشرف عليها رئيس الجمهورية، والرّجل الأوّل في بلد نفطي ومستقر نسبياً في هذا الزّمن العربي الذي يعرف اضطرابات عميقة.

جائزة «علي معاشي»، التي تضعها وزارة الثّقافة سنوياً ضمن أولوياتها باتت أشبه بعبء، فقد فشلت في السّنوات العشر الماضية على «تفريخ» نص واحد في الرّواية أو في الشّعر يلقى إجماعاً بسبب سقوطها في «تسييس الأدب»، وتركيزها فقط على نصوص «مهادنة» تستجيب لميول لجان التّحكيم وليس لأولويات الكتابة.

كما أنها تؤكد مرّة أخرى فشل «الجزائر الرّسمية» في التّأسيس لجائزة أدبية بمعايير موضوعية، كما فشلت في وقت سابق في التّأسيس لمجلة أدبية واحدة تحفظ ماء الوجه، وأمام هذه الانسداد لم ير القائمون على الشّأن الثّقافي في البلد مانعاً في مواصلة تجاربهم غير الموفقة بتأسيس العام الماضي جائزة سنوية أخرى في الرّواية، حملت اسم آسيا جبّار(1936-2015)،هذه الكاتبة العربية الوحيدة التي ورد اسمها في ترشيحات جائزة نوبل للأدب، والتي عاشت منفى مزدوجا قبل أن يتذكرها وطنها بعد دفنها، ويُعلن فجأة عن جائزة تحمل اسمها، وهي جائزة ولدت ولادة قيصرية ولم تراع خصوصية وقامة اسم الكاتبة التي تتّخذ منها واجهة لها.

مع عجز المؤسسات الحكومية على القيام بواجباتها، تجاه الأدب وتجاه الأجيال الشّابة، ما يزال القطاع المستقلّ يعني حصاراً غير معلن وتضييقا على الدعم المادي، لتستمر كلّ عام مسلسلات تدجين الأدب في الجزائر بما يخدم السّياسيين والسّياسة.

كاتب من الجزائر

15