جهود مغربية حثيثة لترقية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني

كشفت الحكومة المغربية عن إصرار كبير من أجل مواصلة العمل على ترقية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لما لهذا المجال المهم من قدرات ووسائل متنوعة على تعبئة وخلق ثروات مهمة للبلاد سواء من الناحية المادية واللامادية.
الرباط – يسعى المغرب لتطوير وتعزيز الفوائد التي يمكن أن يحققها من تبنيه للبرامج المندرجة تحت يافطة الاقتصاد الاجتماعي التضامني والذي يعول عليه المسؤولون كثيرا في المرحلة المقبلة.
ويرى المسؤولون المغاربة أن قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يعد ثالث ركيزة يتعين أن يقوم عليها نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد حتى يكون متوازنا ودامجا، إلى جانب القطاعين العام والخاص.
ويبرر هؤلاء التركيز على هذا المجال الحيوي بأنه يزاوج بين مبادئ الإنصاف والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، ويضمن دينامية الاقتصاد بالموازاة مع تحقيق الغايات الإنسانية من التنمية.
وأكد مسؤولون في مؤسسات بالقطاعين العام والخاص ومهتمون بالاقتصاد التضامني وأكاديميون أثناء ندوة رقمية نظمها صندوق الإيداع والتدبير في وقت سابق هذا الأسبوع على أن هيكل هذا الاقتصاد يشكل رافعة للتنمية العادلة بمختلف مناطق البلاد.
وأجمعوا في ندوة بعنوان “إعادة التفكير في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب” على وجوب الإسراع في تنظيم أنشطة هذا القطاع الحيوي من خلال “الذكاء الجماعي وتداخُل الحقول المعرفية والعلمية المساهمة فيه”.
وخلال تدخله أقام الخبير في التنمية المندمجة والبشرية أحمد بنعبادجي تمييزا واضحا بين الاقتصاد التضامني والاجتماعي، وريادة الأعمال الاجتماعية، مبرزا أن الثانية يظل هدفها الربح، بينما الأول “ليس اقتصاد الفقراء كما يوصف”.
وقال إن “التضامن بين الأجيال والبُعد القيمي يجب أن يحكما آليات عمل التعاونيات والجمعيات غير الربحية والتي تشكل هيكل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني”.
وأشار إلى أن هذا القطاع يشكل “رافعة للتنمية الترابية والاقتصاديات المحلية الصغيرة العادلة بين المجالات الجغرافية”.
والاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو مجموع الأنشطة التي تنتظم في شكل بنيات مهيكلة أو تجمعات لأشخاص ذاتيين أو معنويين، بهدف تحقيق المصلحة الجماعية والمجتمعية.
ووفق البيانات الرسمية، فإن القطاع يشغل 5 في المئة من سكان البلاد، أي ما يعادل أكثر من 599.6 ألف مغربي، ويركز أساسا على أنشطة الزراعة والصناعات التقليدية بالدرجة الأولى.
ويأتي انعقاد الندوة بينما تريد الحكومة اعتماد قانون يتعلق بهذا المجال لتشجيع ودعم التنمية، وزيادة حجمه في الاقتصاد ليكون نموذجا بديلا يوفق بين الأداء الاقتصادي والمنفعة الاجتماعية، في سياق عام يشهد تحولا كبيرا.
وتتفق أمينة كشيريد أستاذة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء مع ما ذهب إليه بنعبادجي، وشددت خلال كلمة لها في المنتدى على ضرورة الجمع بين الفاعلية الاقتصادية والعائد النفعي الاجتماعي لمبادرات الاقتصاد التضامني.
وقالت كشيريد التي ترأس مركز الاحتضان والبحث في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إن “الاقتصاد التضامني نوع من الأنشطة السوسيو – اقتصادية التي تميّز بين الصالح العام والمصلحة الشخصية”.
وخصصت وزارة السياحة التي تتولى مسؤولية الإشراف على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني منحة بقيمة 4 ملايين درهم (370 ألف دولار) لإعداد دراسة تمهد لسن مشروع قانون يوضح حدود القطاع.
وقام المشرفون على الدراسة بإبراز تنسيق وتآزر بين مختلف الفاعلين في القطاعين العام والخاص لزيادة مساهمة الاقتصاد التضامني في الناتج المحلي السنوي.
وتشير الإحصائيات الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية إلى أن الاقتصاد المغربي هو الخامس في أفريقيا بعد مصر ونيجيريا والجزائر وجنوب أفريقيا بحجم 104 مليارات دولار.
ومن أجل زيادة إسهام هذا المجال في دعم سوق العمل وزيادة الثروة، أكدت الدراسة على ضرورة وضع منظومة حوكمة توفر التناسق والاستدامة والفعالية لأنشطته ولتعزيز الترويج للمنظمات العاملة في نطاقه حتى تسهم بشكل فعال في التنمية الشاملة.
وعلق عبدالله السهير رئيس الشبكة المغربية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني لـ”العرب” على أهمية مثل هذه الندوات وعلى الدور الذي يلعبه هذا المجال في نمو الاقتصاد المغربي ومساهمته في محاربة الفقر والهشاشة.
وأشار إلى أن الدولة تعي أهمية هذا القطاع الحيوي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو يعد من الحلول الفعالة لمواجهة الأزمات الاقتصادية، وركيزة أساسية لخلق الثروة ودعم التماسك الاجتماعي والتنمية المحلية المستدامة.
وشهد الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ازدهاراً ونمواً في العقود الماضية بالبلاد، تجسد أساسا في تطور لافت لأنشطة التعاونيات والجمعيات والتعاضديات التي استفادت من الإستراتيجيات القطاعية خاصة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
كما طرأ على القوانين المنظمة للقطاع تجديد مستمر، حيث بادرت السلطات إلى مراجعتها أكثر من مرة بهدف الاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة.
وركزت بشرى الرحموني أستاذة مسؤولة عن مختبر البحث في الابتكار الاجتماعي بجامعة محمد السادس متعددة التقنيات علي عامِليْ الحوكمة والربح اللذين يطبعان ريادة الأعمال الاجتماعية.
وقالت “علينا الاهتمام بهذه المعطيات قبل أن نقيم المميزات من خلال عناصر مختلفة مع الاقتصاد التضامني في سياق محلي متسم بتعدد الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين”.
وتحدثت الرحموني عن بروز “جيل جديد من الفاعلين في هذا المجال يهتمون أكثر بالبحث عن الأثر المتوخى منه في الأداء وجودته”.
وأكدت على ضرورة مراعاة عناصر الحوكمة المالية والقيمية ونمط القيادة وكفاءة الموارد البشرية والموارد التكنولوجية في العمل التضامني والاجتماعي غير الربحي.
وترى سناء أفيلال المكلفة بمهمة لدى الإدارة العامة لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ومنسقة أبحاث التمكين الترابي والتنمية أن المفتاح لتسريع وتنظيم قطاع وأنشطة الاقتصاد التضامني والاجتماعي بالمغرب يكمن في كيفية العمل على توظيف كل المعطيات للارتقاء به مستقبلا وبشكل مستدام.
وقالت أفيلال “ثمة ضرورة للتفكير بجدية في إخراج قانون/إطار منظم للمجال برمته، مع توضيح سبل تمويله وتقنينه”، ما يسمح حسب قولها بـ”وضع وتنفيذ سياسات تنموية مندمجة ودقيقة الاستهداف والأثر”.
ويشار إلى أن انعقاد هذا اللقاء استند إلى توصيات تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي المتعلقة بإدماج الاقتصاد الاجتماعي في السياسات الاقتصادية العامة للدولة.