جلسة بهائية شهرية في البحرين تحض على التعايش ونبذ العنف

ينصهر البهائيون في المجتمع البحريني رافعين شعار المحبة في ظل تسامح ديني يكاد يكون فريدا في هذا البلد.
الخميس 2018/11/01
البهائيون: المواطنة أولا

يجتمع بهائيو البحرين كل آخر جمعة من كل شهر في قاعة خاصة بهم في منطقة سند، القريبة من العاصمة المنامة، يتلون الأدعية التي تحث على التعايش والتسامح ونبذ العنف وتدعو إلى السلام والمحبة بمختلف لغات العالم.

لكن المدهش أن جلسات دعائهم الشهرية هذه يشارك فيها المسلمون والمسيحيون وكل أتباع الديانات الأخرى، وكل يدعو بالأدعية المأثورة في دينه، في جو من روح والتعايش بين أطياف المجتمع الواحد كافة. والبهائيون يعدون هذا عاملا أساسا لتقدم الشعوب وتمتعها بالحرية والرخاء، فبفضل هذا المبدأ المهم عاشوا على تراب البحرين مواطنين يتمتعون بحرية إقامة شعائرهم الدينية وممارسة حقوقهم الاجتماعية من دون تمييز، فالميزان الذي التمسوه هو درجة الإخلاص والتفاني والعمل الدؤوب والسعي للصالح العام، وليس الخلفية الدينية أو العرقية.

ويقول الدكتور بديع جابري رئيس مجلس إدارة الجمعية البهائية الاجتماعية لـ”العرب”، “إن جمعيتنا تخدم جميع مكونات المجتمع البحريني وشرائحه وتهدف إلى الإسهام في بناء المجتمع البحريني وتطوره ورخائه من أجل الصالح العام وخير المجتمع، منطلقة من القيم والمبادئ البهائية والقيم الإنسانية المشتركة الداعية إلى التعايش والاتحاد والعمل المشترك مع جميع مكونات المجتمع”، موضحا أن الجمعية البهائية الاجتماعية تسعى إلى العمل والتعاون مع الجمعيات الاجتماعية والمؤسسات الخيرية والحكومية من القطاعات المختلفة في البحرين بهدف تعزيز القيم التي تساعد على تقدّم المجتمع نحو الازدهار، مثل تعزيز دور المرأة في تقدم المجتمع وتنميته، وترسيخ مبدأ التعايش وتحقيق السلام وأهمية التعليم ونشر ثقافة الخدمات الإنسانية والاجتماعية وتنمية قدرات القائمين عليها ومهاراتهم وغيرها.

ويضيف “إن البهائيين يعملون جاهدين مع سائر إخوتهم في المجتمع على المساهمة في تحقيق السلام العام وخلق بيئة تنصهر فيها أمم العالم وشعوبه في اتحاد يضمن لجميع أفراد الجنس البشري العدل والرخاء والاستقرار ويزيل عنهم شبح الصراعات والأوبئة، ويُشيّد صرح حضارة إنسانية دائمة التقدم، حيث يؤمن البهائيون بأن البشرية بها حاجة ماسة إلى رؤية موحدة تجاه مستقبل المجتمع البشري”.

وينصهر البهائيون في المجتمع البحريني رافعين شعار المحبة في ظل تسامح ديني يكاد يكون فريدا في هذا البلد، متوزعين على شتى مناطق البحرين تربطهم بغيرهم روابط المواطنة والنسب والجيرة.

وتصف طاهرة جابري، الناشطة في الجمعية، البحرين بأنها معروفة بتنوعها، كما تصف شعبها بأنه مشهور في المنطقة بأخلاقه السمحة وتسامحه وتعايشه، وتقول “إن ما نراه في البحرين وشعبها لهو تجسيد لمبدأ الوحدة في التنوع ويمكن للمرء أن يشهد تعبيرا عن هذا المبدأ في جلسة الدعاء الشهرية التي يشارك فيها الناس من جميع أطياف المجتمع وينضمون إلى إخوانهم البهائيين بروح من المحبة والوحدة وتتم خلالها تلاوة الكلمات الإلهية من الآثار البهائية ومن غيرها من الكتب المقدسة لتعزيز الحالة التعبدية والتقرب إلى الله عز وجل وجلب التأييد لتقدم وطنهم والعالم بأسره”، مشيرة إلى أن الجلسة تحظى بمشاركة الجميع رجالا ونساء من مختلف الأعمار ومن مختلف الأطياف والأفكار والخلفيات ممن تجمعهم الرغبة في مناجاة الله وتوطيد أواصر الأخوة الصادقة والتواصل البنّاء.

وبالمقابل، توضح نهى كرمستجي، إحدى البهائيات المواظبات على حضور جلسات الدعاء، “إن البهائيين يؤمنون بوحدانية الله وبكتبه ورسله وأنبيائه كافة، وبأن الله تعالى قد خلق البشر ليعرفوه عن طريق رسله فيعبدونه، وبأن دين الله واحد في جوهره، إذ يؤمن البهائيون أن مؤسسي الأديان العالمية هم في الجوهر مظاهر لحقيقة واحدة”، مؤكدة “أن الآثار الكتابية البهائية تنظر إلى الرسالات الأخرى بكل احترام وتقدير. وتؤكد تعاليم الدين البهائي على أهمية التمسك بالفضائل الـخلاقية مثل الصدق والأمانة والعفة واستقامة السلوك”.

وتضيف “من جملة مبادئ الدين البهائي: التحري الحر والمستقل عن الحقيقة، ووحدة الجنس البشري كافة، ونبذ التعصب بجميع أشكاله، والانسجام الواجب توفره بين الدين والعلم، ومساواة الرجال والنساء بصفتهما الجناحين اللذين بهما يحلّق الطائر البشري ويسمو، وتعميم التعليم الإلزامي، واعتماد لغة عالمية مساعدة، وإلغاء الغنى الفاحش والفقر المدقع، والتأكيد على العدالة بصفتها المبدأ الحاكم في الشؤون الإنسانية”.

ويقدر عدد البهائيين في البحرين بـ200 عائلة، ولكن هذا العدد يزيد عندما يفد بهائيون إلى البحرين للعمل والعيش فيها، فالبحرين مركز مالي مهم ويعدّ اقتصادها من الاقتصاديات الجاذبة للأيدي العاملة في المنطقة، إذ تستقطب سنويا الآلاف من الوافدين للعمل في شتى المجالات، من بينهم، بطبيعة الحال، العديد من البهائيين، لذا من الصعب الحصول على إحصاء دقيق لعدد البهائيين في البحرين، غير أنهم يعدون إحدى أكبر الأقليات الدينية في البلاد.

ويحتفل البهائيون بالأعياد والمناسبات الدينية البهائية، مثل مولد بهاء الله، مؤسس دعوتهم الذي يسبقون النطق باسمه بكلمة “حضرة”، وإعلان دعوته في أجواء من الحرية، ويجتمعون لتلاوة أدعيتهم جماعيا ليعم الخير على المجتمع البحريني بأسره، وينشطون في تعزيز التسامح الديني في البلاد وإدامة التماسك المجتمعي، فهم يقدمون المواطنة على أي عنوان آخر، طبقا لعطية الله روحاني، وهو ناشط حقوقي واجتماعي وعمالي بهائي معروف في البحرين، والذي يرى أن مجتمعاتنا في حاجة ماسة إلى التخلص من التعصب المتزايد، وفتح حوارات عميقة حول التسامح والتآخي بين مختلف المذاهب والأديان.

وحسب روحاني، فإن وجود البهائيين في البحرين يعود إلى الإعلان الخفي للدعوة البهائية في إيران في العام 1844، ثم إعلانها العام في حديقة الرضوان في بغداد بعد تسع سنوات من ذلك التاريخ.

ويتوهم الكثيرون أن البهائية طائفة أو فرقة من أحد الأديان، ولكنها في الحقيقة دين مستقل يؤمن “إيمانا راسخا بوحدانية الله وفردانيته حبا وطاعة لأمره، وأنه الأحد الصمد لا شريك له ولا نظير ولا سبيل لمعرفة ذاته”، كما جاء في كتاب الدين البهائي.

13