جزيرتا الأخوين في مصر وجهة الحالمين باكتشاف أسرار البحر

الجزيرتان قمتان لجبل مغمور في المياه العميقة، يتراوح ارتفاعه تحت سطح البحر بين 800 متر و1000 متر، وترتبطان فيما بينهما بواسطة حاجز صخري على عمق 90 مترا.
الأحد 2019/12/22
قروش نادرة ومراكب غارقة منذ مئات السنين تؤثث متحفا في قاع البحر الأحمر

السياحة مزاج يختلف من شخص إلى آخر؛ فمن عشاق الجبال إلى الحالمين بالتمدد على شاطئ البحر في طقس دافئ إلى عشاق المغامرات في الصحراء والجبال الجليدية، هي كلها سياحة أصبحت مستهلكة أمام السفر مسافات طويلة من أجل الغطس والاستمتاع بأسرار ملونة في قاع البحر، ففي جزيرتي الأخوين في مصر متحف غارق في عمق البحر الأحمر يستحق الاكتشاف.

القاهرة – تتنوع خصائص مواقع الغوص على ساحل البحر الأحمر، فمنها التي تتمتع بكثافة بالشعاب المرجانية، وأخرى تحتفظ بالمراكب الغارقة منذ مئات السنين، وثالثة تجذب محبي الإثارة والغموض، ورابعة تتجمع فيها أهم وأغرب أنواع الأسماك، والسمة الأخيرة هي أهم ما يميز جزيرتا الأخ الأكبر والأخ الأصغر، أو ما يعرف بـ”جزيرتي الأخوين”، الواقعتين على بعد 70 كيلومترا من سواحل القصير في جنوب محافظة البحر الأحمر بمصر.

الجزيرتان قمتان لجبل مغمور في المياه العميقة، يتراوح ارتفاعه تحت سطح البحر بين 800 متر و1000 متر، وترتبطان بواسطة حاجز صخري على عمق 90 مترا تحت سطح البحر، ويقصدهما المحترفون في مجال الغوص والذين يقضون بالقرب منهما فترات طويلة على متن مراكب مخصصة للتواجد في تلك المنطقة.

تجذب المنطقة هواة الغطس مع أسماك القروش، فهي من الأماكن التي تتمتع بوجود حياة بحرية فريدة من نوعها، وتتواجد فيها أنواع نادرة من القروش كبيرة الحجم، أبرزها الفوكس وذو الزعانف البيضاء ولونغ مانوس والمطرقة.

رصد عدد من الغطاسين ظهور القرش الحوتي “بهلول”، والملقب بصديق الإنسان، لأنه لا توجد في فمه أسنان يفترس بها الآخرين، وهو أكبر أنواع أسماك القرش، ويصل طوله إلى 12 مترا ويبلغ وزنه 21 طنا، وهو إحدى الكائنات البحرية المهددة بالانقراض، ويشكل تكرار ظهوره في تلك المنطقة حدثا بيئيا نادرا.

قال إبراهيم سليم، صاحب أحد مراكز الغطس بمدينة القصير، الواقعة بالقرب من “جزيرتي الأخوين”، إنه يتواجد 14 نوعا من القروش و370 نوعا من الأسماك المختلفة، وهي مقصد خاص لأغلب السياح الذين يأتون في رحلات إلى مدينة الغردقة أو منتجع الجونة أو مدينة سفاجا، بجانب أن ذلك المكان يقصده أمهر الغواصين الذين يوثقون لحظات تواجدهم بالقرب من أنواع الأسماك النادرة.

وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن الرغبة في التعرف على أكبر قدر من أنواع الأسماك تتطلب تنظيم أكثر من غطسة في اليوم للمجموعات السياحية، ودائما ما تكون هناك ثلاث غطسات في توقيتات مختلفة على مدار اليوم، وتستغرق المرة الواحدة ساعة على الأقل، وتوجد مراكب للسفاري تنطلق من مركز الغطس لتلك المناطق.

رحلة تحت الماء
رحلة تحت الماء

ومن المتوقع أن تشهد جزيرتا الأخوين اهتماما أكبر من السياح على مستوى العالم الفترة المقبلة، بعد أن ساهمتا في حصول مصر على المركز الثاني كأفضل وجهة للغوص في العالم، بعد إندونيسيا، في تصويت مجلة الغوص الدولية “دايف ترافل” للعام الجاري، وشارك بالتصويت في تلك المسابقة أكثر من 30 ألف غواص على مستوى العالم، وجرى الاختيار بين عدد كبير من وجهات الغطس السياحية.

ووضعت المجلة ذاتها “جزيرتي الأخوين” في تصنيفها للعام 2018، في المرتبة الثالثة، ضمن أفضل 10 مناطق للغوص في العالم يرتادها السائحون، لافتة إلى أن الجزيرتين تضمان أكبر التجمعات المرجانية وتعدان واحدة من أفضل مناطق الغطس مع أسماك القرش.

وذكر عالم البحار الفرنسي جاك كوستو الجزيرتين في كتابه “العالم الصامت”، ووصفهما بأنهما تتمتعان بمياه كريستالية صافية، ما يجعل الشعاب المرجانية والأسماك من حولهما تبدو كأنها تجسد لوحة فنية بديعة.

ولا تتميز جزيرتا الأخوين فقط بالأسماك والشعاب المرجانية، بل إن وجود حطام سفينتين غارقتين بالقرب منهما، وهما “عايدة ونوميديا”، أضفى عليهما المزيد من الجاذبية السياحية، بعد أن أضحتا مكانا لمحبي التصوير الفوتوغرافي تحت الماء.

وتحظى الجزيرتان بشهرة عالمية تفوق نظيرتهما داخل مصر، إذ أن الوصول إليهما في أعماق البحار يجعلهما من أكثر الأماكن السياحية باهظة الثمن، فيما يركز المصريون على مواقع الغوص القريبة من الشواطئ.

وأكد هشام جبر، رئيس غرفة الغوص والأنشطة البحرية، لـ”العرب”، أن بُعد الجزيرتين عن الشاطئ يجعلهما تحتفظان برونقهما، وتحافظان على سلامة الشعاب المرجانية الموجودة فيهما، ويدفع ذلك أسماك القروش للتواجد فيهما في توقيتات متفرقة من السنة، ما يجذب الغواصين للتعرف عليهما عن قرب.

وتشير إحصائيات غرفة صناعة السياحة في مصر إلى أن الجزيرتين يزورهما يوميا أكثر من سائح بمعدل 30 مركبا سياحيا في اليوم، وهو ما تعتبره وزارة البيئة المصرية خطرا على الكنوز الطبيعية في المنطقة، بما يؤدي إلى إمكانية تغيير سلوك أسماك القرش في تلك المنطقة، واعتادت إدارات المحميات الطبيعية من قبل على إصدار قرارات مؤقتة بوقف الغوص بالقرب من الجزيرتين، الأمر الذي يلقى اعتراضا من مراكز الغوص في تلك المنطقة.

قرش نادر ومسالم
قرش نادر ومسالم

وأصدرت محافظة البحر الأحمر المصري مؤخرا قرارا بتنظيم رحلات الغوص إلى الجزيرتين، وحددت توقيتات الغوص من السادسة صباحا وحتى الرابعة عصرا، وتم حظر مبيت أي مراكب في الجزيرتين مع اقتصار تواجد 12 مركبا سياحيا في منطقة جزيرة الأخ الأكبر و4 مراكب بجزيرة الأخ الأصغر، والتشديد على منع إلقاء المخلفات العضوية أو الأغذية بالقرب من الجزيرتين، أو على مسافة 5 أميال بحرية أو في المياه المفتوحة.

وأضاف جبر أن الغرفة تركز في الفترة المقبلة على زيادة حجم التوعية للحفاظ على الموارد الطبيعية الفردية من نوعها في تلك المنطقة وغيرها من المناطق، عبر تنفيذ برنامج تدريبي شامل لزيادة الوعي والمعرفة البيئية للعاملين بالمراكب السياحية وطرق التعامل الآمن مع موارد البيئة البحرية.

وأوضح أن الاهتمام يشمل على الجانب الآخر الترويج للسياحة الشاطئية والتي مثلت 80 بالمئة من إجمالي إيرادات السياحة المصرية العام الماضي، ومن بينها سياحة الغوص، ويكون ذلك من خلال المشاركة في معارض دولية متخصصة لجذب الغواصين، ويتركز ذلك في البلدان الأوروبية التي يتواجد فيها أكبر عدد من الغواصين على مستوى العالم.

وأشار جبر إلى أن هناك خططا بيئية أخرى يقوم بها باحثو المحميات الطبيعية والذين يقومون بين حين وآخر بعمل دراسات علمية على مجموعات القرش الموجودة في جزيرتي الأخوين، ودراسة سلوكها وعوامل التغيرات البيئية بالمنطقة التي قد تدفعها لتغيير سلوكها.

وبدأت سياحة الغوص تلقى رواجا كبيرا في بعض الشواطئ المصرية، وتحولت شرم الشيخ في جنوب سيناء إلى واحدة من الأماكن المفضلة لدى السائحين الأجانب لما تحويه من شعب مرجانية، تمثل لوحات سوريالية، لفتت انتباه قطاعات غربية كثيرة، وتعتمد شركات السياحة على تعلق الأجانب بها، ما جعل الحكومة توفر لها حصانة بيئية تبعدها عن التخريب.

16