جائحة كورونا تربك قيمة الانتقالات الصيفية في أوروبا

لن يقلق الانخفاض المحتمل في أسعار سوق انتقالات كرة القدم المقبلة اللاعبين الكبار رغم أنه يشكك في حدوث صفقات انتقال من العيار الثقيل هذا الصيف. رغم ذلك سيكون السباق عند الجميع محموما جدا في إنجلترا، ولا يمكنهم ترك الآخرين يبتعدون عنهم.
باريس – باتت أندية كرة القدم لاسيما في أوروبا أمام صعوبات مالية جمّة في الفترة الراهنة، مع توقف المنافسات بسبب فايروس كورونا المستجد، في خطوة يحذّر خبراء من أنها قد تؤدّي إلى إنهاء فقاعة الأسعار الخيالية التي صرفت على انتقالات اللاعبين في الأعوام الأخيرة.
توقّع المركز الدولي للدراسات الرياضية في مدينة نوشاتيل السويسرية، أن تؤدي الأزمة الصحية التي علقت المنافسات، إلى خفض قيمة اللاعبين في البطولات الوطنية الكبرى في أوروبا (إسبانيا، إنجلترا، ألمانيا، فرنسا، وإيطاليا) بنسبة 28 في المئة (من 32.7 مليار يورو إلى 23.4 مليار). وعلى سبيل المثال، سيؤدي ذلك إلى تراجع القيمة الإجمالية للاعبي سان جرمان بنحو 300 مليون يورو، وللاعبي ريال مدريد الإسباني بنحو 350 مليونا، ولمواطنه برشلونة بنحو 366 مليونا، حسب التقديرات.
تراجع لافت
يرى خبراء في انتقالات كرة القدم أن هذا التراجع في القيمة السوقية للاعبين يهدّد بتجميد انتقالات البارزين منهم، ويتوقّع أيضا أن يتسبّب بتأثير قوي على اللاعبين الأقل شأنا حتى. أيّ تأثير من هذا النوع (بشأن الأقلّ شأنا أو الناشئين) سيكون وقعه أكبر خارج البطولات الكبرى، لاسيما في دول مثل بلجيكا وهولندا والبرتغال، حيث باتت العديد من الأندية بمثابة حاضنة للمواهب، تعمل على تنشئتها وتطويرها قبل بيعها بسعر مرتفع لناد من الكبار.
حتى الأندية “الصغيرة” في فرنسا قد لا تسلم من هذه التبعات. وبحسب أرقام رسمية في الدوري الفرنسي، حققت بعض أندية “ليغ 1” أرباحا بأكثر من 20 مليون يورو على لاعبين باعتهم خلال موسم 2018-2019. وحسب نائب رئيس موناكو الروسي أوليغ بتروف، فإن “فايروس كورونا لا يساعدنا في مسعى كهذا بسبب الوضع العالمي، ستكون الأندية أقلّ ميلا لتسديد المبلغ الذي نطلبه”. لكن الخبراء يعتبرون أن الأمد الزمني لهذا التأثير قد يكون محدودا.
شكّل صيف العام 2017 نقطة تحوّل في أسعار سوق الانتقالات، وأبرمت في أعقابه صفقات حطمت أرقاما قياسية في مختلف خطوط اللعب، مثل الدفاع مع الهولندي فيرجيل فان دايك (من ساوثمبتون إلى ليفربول الإنجليزيين) وهاري ماغواير (من ليستر سيتي إلى مانشستر يونايتد)، وحراسة المرمى (الإسباني كيبا أريسابالاغا من أتلتيك بلباو إلى تشيلسي الإنجليزي).
وبحسب أرقام رسمية للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ارتفعت القيمة الإجمالية للانتقالات من 2.66 مليار دولار في العام 2012، إلى 7.35 مليار في 2019. وحذّر أولي هونيس، الرئيس السابق لنادي بايرن ميونخ الألماني الذي عرف بمقاربته المتعقلّة في الانتقالات، من أن “الأرقام لا يمكن أن تبقى على المستوى الحالي في العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة”.
ويرى غايان أنه “عندما تستعيد كرة القدم مكانها الطبيعي، سنعود إلى هذا التضخم مع رواتب مرتفعة لا أعتقد أن هذا الأمر (الأزمة الراهنة) سيؤدّي إلى تغيير ملموس في النظام القائم”. ويضيف “أحد الأسباب باعتقادي هو عدم وجود إمكانية لتنظيم عالمي أو فوق-وطني للقيام بأمر مختلف. بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) قلّل أيضا من هذا الاحتمال في أوروبا”.
وتشير التقارير إلى أن الاتحادين الدولي (فيفا) والأوروبي (ويفا) يدرسان سلسلة إجراءات للحد من التضخم، مثل فرض “ضريبة” على الأندية التي تنفق بشكل كبير، خفض عمولات وكلاء اللاعبين… لكن أي خطوة لم تبصر النور حتى الآن، على رغم الاعتقاد بأن أزمة كورونا قد تسرّع في ذلك.
وكان رئيس الفيفا السويسري جاني إنفانتينو صريحا بشأن مستقبل اللعبة بعد الوباء، بدعوته الشهر الماضي للنظر “إلى الفرص (المتاحة). يمكننا ربما إصلاح كرة القدم العالمية من خلال التراجع خطوة إلى الخلف”.
رقم قياسي
حطم نادي باريس سان جرمان الفرنسي الرقم القياسي في صيف العام 2017، بدفعه 222 مليون يورو للتعاقد مع البرازيلي نيمار مهاجم برشلونة الإسباني. وفي الفترة الزمنية عينها، أبرم النادي الباريسي، صفقة ضخمة أخرى من خلال التعاقد مع النجم الشاب لموناكو، كيليان مبابي، في تعاقد قدّرت كلفته بنحو 180 مليون يورو.
ولم يكن نادي ملعب بارك دي برانس الوحيد الذي أنفق مبالغ طائلة على ضم لاعبين. في الأعوام الماضية، بات دفع 100 مليون يورو أو أكثر أمرا غير مفاجئ. حتى الـ222 مليون يورو التي دفعها سان جرمان لفسخ تعاقد نيمار مع النادي الكتالوني، كانت مرشحة للسقوط تحت مقصلة الصفقات المتضخمة المتزايدة في عالم اللعبة الشعبية، في ظل العقود الرعائية الضخمة للأندية والعائدات الهائلة التي توفرها حقوق البث التلفزيوني.
لكن، كما توقفت عجلة المباريات منذ أكثر من شهر، توقفت مناجم المداخيل الهائلة للأندية. وبدلا من الإنفاق دون حساب على ضم نجوم برواتب خيالية، تضطر الأندية للاقتصاد في ميزانياتها: تبرم اتفاقات لخفض رواتب اللاعبين، وتلجأ للبطالة الجزئية والدعم الحكومي لتسديد رواتب الموظفين. في ظل هذا الواقع غير واضح المعالم، ستضطر الأندية إلى أن تضع على الرف حاليا ميلها إلى الإنفاق غير المضبوط على استقدام اللاعبين الذين أثبتوا نجوميتهم، أو أولئك الذين يعدون بمستقبل باهر.
ويقول المتخصص في الاقتصاد الرياضي جان-باسكال غايان إن ذلك يعود “لسبب بسيط: الأندية ستعاني من مشاكل كبيرة على صعيد السيولة. في ظل عدم اليقين بشأن إيرادات البث التلفزيوني وعائدات العقود الرعائية، سيصبح إبرام تعاقدات كبيرة أمرا معقدا، لاسيما في إنجلترا وإسبانيا”.