ثلاثون عاما على فتوى الخميني ضد الروائي سلمان رشدي

سلمان رشدي الذي يعيش وضعية المحكوم عليه بالإعدام دقيقة دقيقة، منذ ثلاثين عاما، ولكنه يقاوم مقاومة الأديب، هي المقاومة بالسرد، فالسرد هو أهم سلاح ضد الموت.
الاثنين 2019/03/04
سلمان رشدي لا يزال يبدع دون توقف

في الرابع عشر من فبراير العام 1989، وقبل وفاته بخمسة أشهر، أصدر آية الله الخميني على أمواج إذاعة طهران فتوى تبيح دم الروائي البريطاني ذي الأصول الهندية سلمان رشدي بعد صدور روايته “آيات شيطانية” العام 1988، التي قرئت وتم تأويلها على أنها استهزاء بالنص القرآني، وبمقدسات المسلمين.

ككرة الثلج تعرف الرواية تضخما ورواجا إعلاميا كبيرا يقابله رفض ومنع في العالم الإسلامي والعربي والمغاربي. تتحرك الأمواج البشرية في مظاهرات في شوارع المدن الإسلامية مصحوبة  بأعمال التخريب التي لحقت ببعض المراكز التجارية والفضاءات الثقافية، ففي بريطانيا تم حرق كثير من نسخ “آيات شيطانية” في احتفال غضب نظمه مسلمون بريطانيون، وعقب ذلك  تم سحب الكتاب من على رفوف البيع في بريطانيا نفسها بعد تهديدات للمكتبيين، وفي باكستان بإسلام آباد حاول المتطرفون الإسلاميون حرق المركز الثقافي الأميركي.

وبعد وصول علي خامنئي إلى السلطة الدينية المطلقة خلفا للخميني، ومحاولة منه لتخفيف الحصار الاقتصادي والسياسي المضروب على إيران من قبل الغرب، يطلب هذا الأخير من الروائي سلمان رشدي أن يعتذر للمسلمين كي ترفع عنه فتوى “إهدار الدم”، واستجابة لهذا الطلب ينشر سلمان رشدي اعتذارا قصيرا جاء فيه “أنا متأسف لما أكون قد تسببت فيه من إزعاج لكثير من المؤمنين الصادقين”، إلا أن المرشد الأعلى خامنئي يرفض الاعتذار، وتظل الفتوى سارية المفعول.

وترتفع جراء ذلك وتيرة العنف العالمي، فيغتال مترجم الرواية إلى اليابانية هيتوشي إيغارشي بطعنات سكين العام 1991، ويصاب المترجم الإيطالي إيطور كابريولو بجروح خطيرة جراء اعتداء إجرامي، وفي العام 1993 ينجو المترجم التركي عزيز نسين من محاولة اغتيال، وقد تم إضرام نار في فندقه فتوفي 37 مقيما جراء هذا الحريق. وتم إطلاق ثلاث رصاصات في الظهر على المترجم النرويجي وليام نيغار.

وأمام الغضب العارم في البلاد الإسلامية وفي أوساط الجالية الإسلامية في أوروبا وأميركا وتفعيل الفتوى، بل والرفع من قيمتها المالية التي وصلت إلى ثلاثة ملايين دولار أميركي ظل سلمان رشدي متخفيا عن الأنظار حتى العام 2002، يعيش حياة تحت حراسة أربعة من رجال الشرطة ليل نهار، حتى في المطبخ!! قد سجل هذه الحياة في سيرته الذاتية استعرض فيها بعض تفاصيل “حياة المحكوم عليه بالإعدام”.

بعد ثلاثين عاما من عمر الفتوى، ومع أن ظهوره في الفضاءات العمومية يعد نادرا إلا أن سلمان رشدي لا يزال يقود حملة ثقافية وأدبية وسياسية من أجل حرية التعبير والدفاع عن حقوق الإنسان في العالم وضد الظلامية الإسلامية.

ثلاثون سنة تمر على فتوى آية الله الخميني على سلمان رشدي ولا يزال الروائي يبدع دون توقف وآخر رواية نشرها هي بعنوان “عامان، ثمانية أشهر وثمانية وعشرون ليلة” 2016 والتي عاد فيها مرة أخرى إلى التراث العربي الإسلامي الذي ظل هاجسه وملهمه في الإبداع، حيث وقف في جزء من هذه الرواية على البعد الفلسفي والحضاري للمحاورة التي وقعت ما بين ابن رشد والغزالي في القرن الثاني عشر الميلادي، بين الفلسفة والشريعة، بين العقل والإيمان، وفي الرواية استحضار جمالي واضح لبنية كتاب “ألف ليلة وليلة”.

إن الخوف من الموت، بقدر ما هو مكبل للحياة اليومية، ولكنه في الوقت نفسه قوة محركة للكتابة، فالخوف من الموت طاقة إيجابية للكتابة السردية، وهو حال سلمان رشدي الذي يعيش وضعية المحكوم عليه بالإعدام دقيقة دقيقة، منذ ثلاثين عاما، ولكنه يقاوم مقاومة الأديب، هي المقاومة بالسرد، فالسرد هو أهم سلاح ضد الموت، وهذا ما علمتنا إياه شهرزاد في مواجهة شهريار، فهل يعد سلمان رشدي هو شهرزاد العصر؟ ربما.

14