"تيارات خضراء" معرض فرنسي يحتفي بالفن الإيكولوجي

"تيارات خضراء، الخلق لأجل البيئة" معرض نظمته المؤسسة الفرنسية للكهرباء والغاز بمشاركة عدد من الفنانين، ولم يكتب له الاستمرار بسبب الحظر المتواصل على شتى العروض الفنية والمسرحية، فاكتفى المنظمون بعروض افتراضية عبر الإنترنت.
“تيارات خضراء، الخلق لأجل البيئة” هو معرض فريد جمع لأول مرة فنانين فرنسيين وعالميين يجمعهم التزامهم بالدفاع عن البيئة، وسلطت الضوء على التزامات المؤسسة الفرنسية للكهرباء والغاز في مجال احترام البيئة، هذه المؤسسة العريقة التي تعتزم بعث فضاء خاص يكون فضاء للثقافة والتوعية التربوية وإيقاظ الوعي النقدي، خاصة لدى الأجيال الجديدة، واحتضان مبادرات ومشاريع تعمل على مقاومة التغيّر المناخي والمحافظة على التنوّع البيولوجي في فرنسا وخارجها.
واختيار عنوان المعرض “تيارات خضراء” يحيل من جهة إلى التيار الكهربائي الذي تشرف على إنتاجه وتوزيعه المؤسسة الراعية، ومن جهة أخرى إلى اللون الأخضر شعار حماة البيئة، وفي الجمع بينهما تأكيد على أن المؤسسة تطوّر مقارباتها التقنية منذ سنوات حتى توفّر طاقة نظيفة تحترم البيئة، وتلتقي في هذا الغرض بأنصار الفن الإيكولوجي.
بُني المعرض على ثلاثة محاور يلخّصها المفوّض ومؤرّخ الفن بول أردين، في التحذير والفعل والحلم، التحذير بمعنى لفت انتباه الناس إلى ما يتهدّد بيئتهم من مخاطر ولّدتها الحضارة المادية والليبرالية الاقتصادية الشرسة التي لا تلتزم بحدود، والفعل أي عدم الاكتفاء بالتنبيه والتحذير وإعلاء الصوت بل المرور إلى العمل الجدّي الذي يمكن أن يأتي بما يُرجى من نتائج، أولها حماية البيئة والحفاظ على توازنها.
25
فنانا من فرنسا وخارجها يلتقون في حب الطبيعة والعمل على صيانتها عبر أعمال فنية مبتكرة
وثالث المحاور، أي الحلم، هو ما يحدو كل محبّ للطبيعة، وأولهم الفنان، الذي يحلم بواقع أجمل وغد أفضل، يمكن أن تجد فيه الأجيال القادمة ما يعينها على العيش عيشة خالية من الدمار والأوبئة وكل ما يسيء إلى البيئة.
والمشاركون ينتمون إلى ما صار يعرف الآن بالفن الإيكولوجي، هذا الفن الذي لا يهدف إلى إحداث تغيير جذري على مستوى العالم، وإنما يعمل في نطاق تعاون دائم، ولو غير مباشر في الغالب، مع العلماء والمواطنين والمجموعات البشرية للتحسيس والتوعية، فأنصاره ليسوا مناضلين داخل أحزاب وكتل وجمعيات بل هم فنانون قبل كل شيء، لا غاية لهم سوى الدفاع عن البيئة التي تتعرّض منذ عقود من السنين إلى تدمير لا يتوقّف.
وهم لا يزعمون إنقاذ العالم عن طريق أعمال ولّدها خيالهم، وإنما يحدوهم أمل بأن تكون لمسعاهم عدوى، تنتقل من فرد إلى فرد، ومن مجموعة إلى مجموعة، ومن شعب إلى شعب، حتى يدرك الجميع أن مصيرهم واحد على هذا الكوكب الأزرق.
وقد أثبتت الجائحة الحالية ألاّ أحد في مَنجى من الأخطار، فما يصيب فئة في مشرق الأرض ينتقل حتما إلى مغربها في لمح البصر. فما يشتركون فيه إذن هو الحثّ على جعل حسن التعامل مع البيئة مبدأ في الحياة، من ثمّ كان البراديغم الذين يرفعونه هو “لنا الفن لخلق واقع آخر”.
خمسة وعشرون فنانا، منهم الفرنسيون أمثال سارا تروش ونيكول ديكسترا وجيريمي غوبي وناتان غريم، ومنهم الأجانب كالألمانيين جوزيف يويس، وبربرا وميكائيل لايزغن، والأرجنتينيين لوسي وخورخي أورتا، والأميركية جانيت بيغز.. يلتقون في حب الطبيعة والعمل على صيانتها، يتجلى ذلك في أعمالهم المتنوّعة التي تروم التحفيز على سلوكيات جديدة وعلاقات مغايرة بالمحيط وعقلية تتلاءم مع ما تشهده الأرض من مستجدات.

ليس ثمة ما يوحّد الأعمال المعروضة غير البيئة، فلكل فنان أسلوبه ومواده وأدواته. فنيكول ديكسترا مثلا تعمل على استعمال النباتات، متأثرة بالميثولوجيا الإغريقية وسرديات تأسيسها، وقد عرضت لوحات تظهر فيها مكسوّة بألوان من النبات والأعشاب والأزهار، وكأنها تلتحم بالخضرة، خضرة الطبيعة الغنّاء. وقد حازت شهرتها عبر العالم بفساتينها النباتية تلك.
ففي رأيها أن الثوب الذي يناسب البشر يحيل إلى فنون الألبسة البدائية، حيث كان الإنسان القديم، ذكرا أم أنثى، يعقد خيوط النباتات ليقدّ ثوبه، قبل أن يبتكر النسيج.
كذلك جيريمي غوبي الذي غالبا مع يشتغل مع محترفي النسيج ومصمّمي الأدوات والعلماء، فهو يجمع في إبداعاته بين الحرف القديمة وعلاقتها بالطبيعة، وقد توصّل بالتعاون مع بعض العلماء إلى صنع شبكات قابلة للتلف الذاتي للحفاظ على المرجان الموجود في أعماق البحار، ما يسمح في رأيه بإمكانية تنامي حياة جديدة تحت البحر.
ومسألة نهب الثروات الطبيعية تقع في صميم الكمبودي خفاي سامناغ، وخاصة في سلسلة “الإنسان المطاط” حيث يتبدّى في هيئة شجرة من المطاط التي ازدادت غراستها كثافة منذ القرن التاسع عشر تحت ضغط أرباب الصنائع الغربيين والصينيين واليابانيين، بشكل أخلّ بالتوازن البيئي لبلاده.
بينما تسلّقت سارا تروش هيكل سفينة مهملة وقد طلت جسدها العاري باللون الأزرق، لون الماء الذي جفّفته سنوات من زراعة القطن بغير حساب، رافعة راية خضراء وصفراء.
وجملة القول إن “تيارات خضراء” معرض يذكر بأن الفن يؤدّي دوره في هذا التحوّل الجوهري الذي يميّز التغير المناخي الحالي، باقتراح سرديات جديدة تغذي الخيال وتدفعه إلى التطلع إلى المستقبل بعيون حالمة. وقد تنوّعت المساهمات بين اللوحات الفنية والصور الشمسية والفيديوهات والمنحوتات والأنصاب والأداء.