تونس والعراق يرسمان بصمة جديدة للعرب بمونديال الشباب

حظيت بطولات كأس العالم للشباب منذ نشأتها بمتابعة أكبر من الأندية وكشافي النجوم وأيضا من الجماهير التي تحرص على معرفة نجوم المستقبل. وعلى مدار أكثر من أربعة عقود، حظي مونديال الشباب بشعبية متزايدة من خلال ما قدمه للعالم من منافسة قوية اتسمت بالإثارة وعدد هائل من النجوم الذين سطعوا في المستطيل الأخضر لسنوات طويلة تالية. وستحظى الكرة العربية بمقعدين في هذه النسخة من البطولة يمثلهما منتخبا تونس والعراق.
القاهرة - تتطلع الكرة العربية إلى بصمة جديدة في تاريخ البطولة وذلك مع مشاركة منتخبين عربيين في النسخة الثانية على التوالي من بطولات كأس العالم للشباب (تحت 20 عاما). وتأهل المنتخبان العراقي “أسود الرافدين” والتونسي “نسور قرطاج” إلى البطولة العالمية، لتحظى الكرة العربية بمقعدين في هذه النسخة من البطولة، والتي تستضيفها الأرجنتين.
ووضعت القرعة المنتخبين العربيين في مجموعة واحدة، وفي مواجهة صعبة مع منتخبي أوروغواي وإنجلترا، ولكنهما يستطيعان من خلال مهارة وقدرات اللاعبين العبور إلى الأدوار الإقصائية، خاصة وأن نظام البطولة يسمح لأفضل أربعة منتخبات تحتل المركز الثالث في المجموعات بالتأهل مع صاحبي المركزين الأول والثاني في كل مجموعة.
وتعتبر هذه المجموعة قوية للغاية في ظل تواجد إنجلترا، بطلة النسخة الماضية من اليورو، والعراق، صاحب المركز الثاني في النسخة الأخيرة من كأس آسيا للشباب، وأيضا أوروغواي وصيفة منتخب البرازيل بطل كوبا أميركا لفئة الشباب.
يشارك منتخب تونس تحت 20 عاما للمرة الثالثة في تاريخه بنهائيات كأس العالم للشباب. وتدور المسابقة الأبرز لفئة الشباب خلال الفترة الممتدة ما بين العشرين من مايو والحادي عشر من يونيو بمشاركة 24 منتخبا وقع تقسيمها إلى 6 مجموعات. وكان منتخب “صغار النسور” حل رابعا في نهائيات كأس أمم أفريقيا الأخيرة للشباب التي احتضنتها مصر وراء نيجيريا وغامبيا والسنغال.
ويلاحق منتخب تونس للشباب حلم التأهل للدور الثاني من كأس العالم بعد أن فشل في ذلك خلال مشاركتيه السابقتين عامي 1977 و1985. لم يجد منتخب تونس للشباب الوقت الكافي لتجهيز نفسه كأفضل ما يكون لمسابقة بمثل قوة كأس العالم، وذلك بحكم التزامات الأندية بمباريات الدوري المحلي.
وينشط معظم اللاعبين أساسيين في صفوف فرقهم، وهو ما منع منتخب “صغار النسور” من خوض مباريات دولية تحضيرية للمسابقة. واكتفى منتخب “صغار النسور” بخوض مباراتين وديتين أمام فريقين محليين وهما الأولمبي الباجي واتحاد بن قردان، استغلهما المدرب الجديد منتصر الوحيشي من أجل تجربة بعض طرق اللعب.
منافسة قوية
يعاني منتخب تونس للشباب من نقائص فنية كبيرة بدت جلية خلال مشاركته الأخيرة في نهائيات كأس أمم أفريقيا “مصر 2023”. ويشكل خط الدفاع نقطة ضعف فادحة في صفوف تونس، حيث تلقى مرماه 12 هدفا خلال أمم أفريقيا الأخيرة بمعدل هدفين في المباراة الوحيدة. كما يفتقد خط الهجوم للفاعلية، إذ سجل 5 أهداف في أمم أفريقيا الشباب الأخيرة، بمعدل يقل عن هدف في المباراة الواحدة.
وشهدت النسخ الـ22 السابقة لمونديال الشباب أكثر من بصمة عربية سواء على مستوى النتائج أو الاستضافة. وكانت البصمة الأولى من خلال استضافة تونس لأول نسخة في تاريخ البطولة وذلك عام 1977، لتكون الأولى بين خمس نسخ أقيمت على الملاعب العربية.
وبعد هذه النسخة، أقيمت أربع بطولات أخرى لكأس العالم للشباب في دول عربية، وهي نسخ 1989 بالسعودية و1995 في قطر و2003 بالإمارات و2009 في مصر. وعلى مستوى النتائج، كان للمنتخب القطري الإنجاز العربي الأبرز في تاريخ البطولة حتى الآن من خلال وصوله إلى المباراة النهائية في نسخة 1981 بأستراليا.
كما حقق المنتخب المصري إنجازا آخر في نسخة 2001 بالأرجنتين، حيث أحرز المركز الثالث، فيما أحرز المنتخب المغربي المركز الرابع في نسخة 2005 بهولندا، وكرر المنتخب العراقي إنجاز المركز الرابع أيضا في نسخة 2013 بتركيا.
من ناحية أخرى، توجه رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم عدنان درجال، وبصحبته مدرب منتخب العراق الأول الإسباني خيسوس كاساس، إلى العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، ومنها إلى مدينة لابلاتا، للاتحاق بوفد منتخب شباب العراق المشارك في نهائيات كأس العالم، وذلك من أجل المتابعة ومراقبة اللاعبين عن قرب، والتعرف إلى مستوياتهم الحقيقية، حيث سبق أن تواجد المدرب الإسباني أثناء معسكر منتخب شباب العراق الأخير الذي أقيم في إسبانيا. وتعد هذه الخطوة لتحفيز منتخب الشباب قبل انطلاق مشوارهم بمونديال الأرجنتين.
◙ المنتخب المصري حقق إنجازا في نسخة 2001 بالأرجنتين حين أحرز المركز الثالث فيما أحرز المنتخب المغربي المركز الرابع في نسخة 2005
وطالب رئيس وفد منتخب الشباب محمد ناصر اللاعبين بالالتزام التام، والتقيد بالتعليمات الصادرة من إدارة الوفد والجهاز التدريبي. وحث ناصر الجميع على تمثيل العراق بالشكل اللائق، وترك انطباع مؤثر في المونديال، لكونه فرصة تاريخيّة لجميع المتواجدين لحفر أسمائهم في تاريخ تلك البطولة.
وكشف أن “بذل جهد مضاعف وتقديم مستوى فني عال في المونديال هو مطلبنا، والاستمرار على الصورة الجميلة التي قدمها لاعبونا في نهائيات كأس آسيا، رغم اختلاف المدارس الكرويّة التي واجهها فريقنا في تلك البطولة عن المدارس الكروية التي سيواجهها في الأرجنتين”.
وأضاف “يجب على جميع اللاعبين أن يضعوا في أذهانهم أنهم يمثلون أحلام وتطلعات كل العراقيين وكذلك العرب، لكون العراق هو الممثل الوحيد لعرب آسيا في نهائيات كأس العالم”. وأتم “نعدكم بمكافأة مالية مجزية سيقدمها لكم المكتب التنفيذي لاتحاد الكرة، تختلف عن تلك التي حصلتم عليها في نهائيات كأس آسيا في حال تقديم نتائج جيدة في المونديال”.
معرض النجوم
يذكر أن منتخب شباب العراق سيستهل مشواره في مونديال الأرجنتين، بمواجهة الأورغواي في الثاني والعشرين من مايو الحالي، ثم يواجه منتخب شباب تونس في الخامس والعشرين منه، وبعدها يختتم مبارياته في المجموعة الرابعة بمواجهة إنجلترا في الثامن والعشرين من مايو.
على مدار أكثر من أربعة عقود أقيمت خلالها 22 نسخة من بطولات كأس العالم للشباب، كانت البطولة “مصنعا ومعرضا” لنجوم المستقبل، ما جعلها محط أنظار العديد من الأندية بل ومدربي المنتخبات الأولى في البلدان التي تشارك بهذه البطولة العالمية.
وتحولت البطولة من مجرد غاية وهدف للمنتخبات المشاركة فيها وكذلك للاعبين الذين يبحثون عن الانتصارات للصعود إلى منصة التتويج، إلى وسيلة وطريقة لاستكشاف مواهب المستقبل، بل إن العديد من نسخ هذه البطولة كانت بمثابة ضربة البداية الحقيقية في مسيرة نجوم صنعوا مجدا كرويا كبيرا على مدار مسيرتهم في الملاعب خلال السنوات التالية لظهورهم في مونديال الشباب.
مارادونا.. ميسي.. تشافي.. بيبيتو.. بوغبا.. هالاند، هؤلاء النجوم وغيرهم تركوا بصمة واضحة في عالم الساحرة المستديرة من خلال مونديال الشباب، وكانت البطولة العالمية نقطة انطلاق أو محطة مهمة في السنوات الأولى من مسيرتهم الكروية البارزة والمثمرة. ويبرز النجم الأرجنتيني الراحل دييغو أرماندو مارادونا في مقدمة اللاعبين الذين تركوا بصمة واضحة من خلال بطولات كأس العالم للشباب.
وقاد مارادونا منتخب بلاده إلى الفوز بلقب النسخة الثانية، التي استضافتها اليابان في 1979، لتكون هذه البطولة من بين العوامل التي ساهمت في صناعة أسطورة هذا النجم الشهير، الذي توج بعدها بسنوات مع المنتخب الأول بلقب كأس العالم 1986 في المكسيك. وأحرز مارادونا جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في مونديال الشباب 1979 كما حل ثانيا في قائمة هدافي نفس النسخة من البطولة، بعدما سجل ستة أهداف مقابل 8 أهداف لزميله رامون دياز.
وعلى مدار تاريخ البطولة، فاز 3 لاعبين آخرين من الأرجنتين بجائزة الكرة الذهبية في مونديال الشباب وهم خافيير سافيولا في 2001 وليونيل ميسي في 2005 وسيرخيو أغويرو في 2007، وكان لقب الهداف من نصيب كل منهم بنفس النسخة، كما كان لقب البطولة من نصيب شباب التانغو في كل من النسخ الثلاثة.
وصنع كل من ميسي وسافيولا وأغويرو تاريخا رائعا على مدار مسيرتهم الكروية بعد بزوغ نجمهم خلال مونديال الشباب، الذي كان من أسباب شهرتهم في السنوات الأولى من مسيرتهم الكروية. ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لنجوم البرازيل، الذين أفرزت بطولة كأس العالم للشباب العديد منهم وقدمتهم إلى عالم الشهرة في ساحة كرة القدم العالمية، ومن بينهم أدريانو في نسخة 1993 وكايو في 1995 وباولو سيلاس في 1985 وهنريكي ألميدا في 2011، وفاز كل منهم بالكرة الذهبية في نفس النسخة.
كما برز من نجوم السامبا عبر تاريخ مونديال الشباب لاعبون آخرون مثل داني ألفيش الذي حل ثالثا في قائمة أفضل اللاعبين بنسخة 2003 في الإمارات، ليكتب في السنوات التالية تاريخا رائعا في صفوف برشلونة الإسباني والمنتخب البرازيلي الأول. وهناك أيضا جيوفاني إيلبر، الفائز بالمركز الثاني في قائمة أفضل اللاعبين بمونديال الشباب عام 1991، والذي يعتبر من أبرز الهدافين على مدار تاريخ الدوري الألماني.
وكان لنجوم الكرة العربية نصيب جيد من الشهرة عبر مونديال الشباب، حيث قدمت البطولة عددا من المواهب العربية الفذة إلى العالم، مثل الإماراتي إسماعيل مطر، المتوج بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في نسخة 2003، والذي صال وجال في ملاعب الساحرة المستديرة لسنوات طويلة بعد هذه النسخة.
◙ المسابقة الأبرز للشباب تدور خلال الفترة الممتدة ما بين 20 مايو و11 يونيو بمشاركة 24 منتخبا وقع تقسيمها إلى 6 مجموعات
وشهدت النسخة الأولى من البطولة بزوغ نجم اللاعب العراقي السابق حسين سعيد، الذي حل ثانيا في قائمة هدافي تلك النسخة، التي استضافتها تونس عام 1977، وحقق المصري طاهر أبوزيد نفس الإنجاز في نسخة 1981 بأستراليا، علما بأنه تقاسم صدارة قائمة هدافي البطولة مع الأسترالي مارك كوساس ولاعبين آخرين من ألمانيا الغربية برصيد أربعة أهداف لكل منهم.
كما شهدت النسخ الـ22 الماضية سطوع العديد من نجوم الكرة الأوروبية مثل اليوغسلافي زفونومير بوبان والفرنسيين جبريل سيسيه وبول بوغبا وديفيد تريزيجيه وألكسندر لاكازيت والصربي سيرجي ميلينكوفيتش سافيتش والكرواتي دافور سوكر والإسباني فيرناندو يورنتي وأخيرا النرويجي إيرلنغ هالاند، المتوج بجائزة الحذاء الذهبي لهداف النسخة الماضية عام 2019 في بولندا.
ولم يخل تاريخ البطولة من بصمات نجوم أفريقيا وآسيا، وفي مقدمتهم المالي سيدو كيتا الفائز بالكرة الذهبية لأفضل لاعب في نسخة 1999 بنيجيريا، ودومينيك أدياه نجم غانا الفائز بنفس الجائزة وبلقب الهداف في نسخة 2009 بمصر، والمالي أداما تراوري الفائز بالكرة الذهبية أيضا في نسخة 2015 بنيوزيلندا، إضافة إلى نجمي نيجيريا جون أوبي ميكيل وتايي تايو، اللذين سطعا في مونديال 2005 بهولندا. كما حل الياباني دايسوكي ساكاتا ثانيا في قائمة هدافي البطولة بنسخة 2003 في الإمارات، وفاز الكوري الجنوبي لي كانغ إن بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في النسخة الماضية عام 2019.
إنجاز نادر
يطمح المنتخب الأرجنتيني إلى تكرار إنجاز حققه قبل أكثر من عقدين، وأن يتوج باللقب على أرضه وبين جماهيره. وكان المنتخب الأرجنتيني توج باللقب في نسخة 2001 عندما استضافت بلاده البطولة، ليكون اللقب الرابع له من بين ستة ألقاب توج بها على مدار تاريخ مونديال الشباب. ويتطلع الفريق إلى أن يصبح أول منتخب يتوج باللقب سبع مرات من خلال الفوز باللقب في النسخة المقبلة، التي تستضيفها بلاده.
كما يسعى إلى أن يكون أول منتخب يتوج باللقب على ملعبه في نسختين. وعلى مدار 22 نسخة ماضية من مونديال الشباب، كان اللقب من نصيب أصحاب الأرض في نسختين فقط، هما 1991 عندما استضافت البرتغال البطولة، وأحرز منتخبها اللقب للنسخة الثانية على التوالي، و2001 عندما توج المنتخب الأرجنتيني باللقب على أرضه.
وبخلاف هذا، كان أفضل إنجاز آخر لأصحاب الأرض في هذه النسخ الماضية هو احتلال المركز الرابع في 3 نسخ، وكان ذلك من نصيب منتخب الاتحاد السوفيتي السابق عام 1985 وتشيلي في 1987 وأستراليا في 1993. وبخلاف ما كانت عليه النسخ الأولى في العديد من البطولات العالمية والقارية، من عدم الانتظام سواء في عدد الفرق المشاركة أو إقامة البطولة بشكل دوري منتظم، تركت بطولات العالم للشباب بصمة جيدة مبكرة من خلال إقامتها بشكل منتظم كل عامين، إضافة إلى أنها بدأت بمشاركة 16 منتخبا في كل نسخة وانتظمت على ذلك لفترة طويلة قبل زيادة عدد المشاركين إلى 24 منتخبا.