تونس خضراء مجددا: حملات تشجير يقودها الشباب

أربعون متطوع تونسي يغرسون الصنوبر الحلبي لإحياء الغابات المحترقة، و يتعهدون بزراعة حوالي 12 مليون شجرة جديدة بحلول نهاية 2020.
الأربعاء 2020/01/29
الشجر كالماء رمز الحياة

يسعى الشباب لتحقيق جودة الحياة في مختلف جوانبها، لذلك نراهم يتطوعون لتنظيف الشوارع وتجميل الجدران، وهم اليوم في تونس يسعون لتعود بلاده خضراء كما كانت عليه، فيتطوعون لغراسة الأشجار في الساحات والحدائق، ويزداد اهتمامهم بتشجير الغابات خاصة تلك التي أتت عليها النيران في السنوات الأخيرة واتسعت رقعتها، لذلك قرر الشباب زراعة الملايين من الأشجار ليتنفس التونسيون هواء نقيا.

سليانة (تونس) – يتجمّع نحو أربعين شابا تونسيا في عطلة نهاية الأسبوع، ويتوجهون حاملين حقائب على ظهورهم، إلى غابة أتى عليها حريق قبل سنوات في مهمة لإعادة غرس أشجار الصنوبر الحلبي.

تبنّى هؤلاء الشباب المتطوعون توجها حكوميا من أجل إحياء الغابات وزيادة عدد الأشجار في البلاد بزراعة حوالي 12 مليون شجرة جديدة بحلول نهاية 2020 لتعويض ما أتت عليه الحرائق في السنوات الماضية.

توضح بيّة خلف الله وهي المسؤولة في منظمة “صولي وغرين” التي أطلقت الحملة في نوفمبر الماضي، “لا يمكن بلوغ الهدف، إلّا معا”، وتتابع “نعتمد على كل المنظمات وعلى شراكتنا مع الحكومة لبلوغ هدفنا… وإعادة تشجير تونس”.

ويقول الشاب حمدي “هي مناسبة للمرح وللقيام بشيء مفيد معا جميعا”.

يشرع حمدي في مهمته بعدما وصل من مدينة صفاقس (جنوب) في رحلة استمرت ست ساعات إلى منطقة سليانة (شمال غرب) المهمّشة.

يمارس هذا الشاب هواية التخييم مع مجموعة من الشباب الآخرين في عطل نهاية الأسبوع وقد علم بحملة التشجير عبر شبكة “فيسبوك” للتواصل الاجتماعي وانطلق منذ الفجر من مدينة صفاقس ليلتحق بباقي المتطوعين.

ويؤكد الناشط ضمن الجمعية أمين فرحات “نقوم بهذا من أجل المستقبل، وليس من أجلنا… نريد طبيعة جميلة وأن نحمي موارد بلادنا”.

يتوافد غالبية المتطوعين من المدن الكبرى والساحلية على غرار العاصمة تونس وصفاقس وسوسة.

شباب يتطوعون لزرع نحو 12 مليون شجرة بحلول نهاية 2020 لتعويض ما أتت عليه الحرائق في السنوات الماضية

أسّست مجموعة من الشباب المولعين بالبيئة والذين لا يتجاوز معدل أعمارهم الثلاثين عاما جمعية “صولي وغرين” وهم ينظمون خلال عطل نهاية الأسبوع حملات تشجير على امتداد فصل الشتاء ويقدمون استشارات إلى الجمعيات الأخرى التي تشترك معهم في الأهداف.

وتقدّم الحكومة من خلال المندوبية الجهوية للفلاحة الدعم للجمعيات عبر تدريب المتطوعين ومدّهم بالآلات اللازمة والمشاتل وشاحنة تنقل الماء للريّ.

وتعوّل السلطات المحلية كثيرا على إسهامات الجمعيات ونشاطها في هذا المجال.

يقول نزار خليّف المسؤول في المندوبية الجهوية للفلاحة في محافظة سليانة، “عندما نتعاون مع العمّال يمكن لنا أن نغرس ألف شجرة كل يوم، ولكن مع المتطوعين نصل الى أربعة آلاف أو حتى خمسة آلاف في اليوم، هم كُثر ولهم نجاعة ويعملون دون أي مقابل”.

ويتابع، “كذلك يقومون بإشراك السكان المحليين وتشجيعهم”.

تمثل عملية غرس الأشجار حلّا جذريا لمقاومة التصحّر والحد من ظاهرة الانحباس الحراري، كما تشكل مورد رزق للسكان المحليين.

نتسلى بزراعة الصنوبر
نتسلى بزراعة الصنوبر

وتوضح الدراسات أن أفضل طريقة لمكافحة ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض هي غراسة تريليون شجرة وربما أكثر، لأن هذه الأشجار الجديدة يمكنها أن تمتص من تلوث الكربون ما يعادل ما أفرزه البشر خلال الـ25 عاما الماضية.

وقد وقعت تونس على “اتفاق باريس العالمي” كأول اتفاق دولي ملزم يهدف إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والتصدي لظاهرة تغير المناخ، علما وأن تونس تواجه فقدان مواردها الطبيعية بفعل هذه التغيّرات المتمثلة في الجفاف والفيضانات وارتفاع مستوى البحر.

وأفاد منسق اللجنة القطاعية للتغيّرات المناخية بوزارة الفلاحة، رفيق العيني أن تونس تعد “إحدى الدول الأفريقية المتضررة من الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية”.

يقول الدليل المحلي خليفة الجعيدي (46 عاما) وهو من سكان منطقة كسرى المجاورة مشيرا إلى الهضبة المقابلة “قبل الحريق كانت هناك غابة كثيفة يجمع منها السكان حبات الزقوقو من شجر الصنوبر الحلبي (يستعمل في تحضير حلويات) بالإضافة إلى نبتة الإكليل التي يبيعونها وتستخرج منها الزيوت الطبيعية”.

وسبقت هذه الحملة حملات أخرى في السنوات الماضية في جبال كسرى وذلك في إطار مواصلة نشاط التشجير الذي انطلق فيه عدد من ناشطي المجتمع المدني. كذلك تمثل الغابات ملجأ لحيوانات برية مثل الخنازير والأرانب والحجل وغيرها.

ونشب في العام 2017 حريق أتى على أربعين هكتارا وكان بمثابة “فقدان فرد من العائلة” على ما يتذكر المراهق خيري الجعيدي (14 عاما) الذي ينحدر من قرية متاخمة للغابة وقد أتى للمشاركة في حملة التشجير.

ويقول “لديّ الكثير من الذكريات الجميلة في الغابة وهذا أمر جيد أن نرى الناس يتعاونون من أجل منطقتنا”.

زراعة حب الطبيعة لدى الأطفال
زراعة حب الطبيعة لدى الأطفال

لا تزرع الأشجار لتدارك التلف الذي تخلفه الحرائق فقط، بل يتم غرس شجر النخيل والزيتون في الكثير من مناطق تونس لمقاومة التصحر.

وتتعرض المساحات الحرجية في تونس لخطر الحرائق كل سنة خصوصا في فصل الصيف. وتأتي الحرائق العرضية والمتعمدة على المئات من الهكتارات منها وتسعى السلطات بالتعاون مع المزارعين والسكان إلى تدارك نقص الأشجار بزرع أخرى سنويا.وذكر مدير الغابات في تونس سالم الطريقي، أن عدد الحرائق في البلاد بلغ إلى حدود التاسع من أغسطس الماضي، 190 حريقا أتت على قرابة 1850 هكتارا في بلد يفقد، في المعدل، سنويا 3 آلاف هكتار من مساحاته الخضراء جرّاء الحرائق.

وتمتدّ الغابات التونسية على حوالي 1.3 مليون هكتار أي ما يناهز 8.5 في المئة من مساحة البلاد (في العام 2011 كانت في حدود 7.4 في المئة)، وفقا لمعطيات الإدارة العامة للغابات التي تعمل على بلوغ نسبة 10 في المئة بحلول العام 2024.

ويؤكد المقاول نسيم الزواري (26 عاما)، الناشط في جمعية “كلين آب” البيئية، “أمضي غالبية أوقات فراغي في تنظيف الشواطئ وغرس الأشجار”.

ويتابع، “أحيانا نشعر بالإحباط لأن الكثير من العمل ينتظرنا، ولكن حين نذهب لرؤية الجزء المتاخم والذي عملنا فيه منذ مدة، ندرك أننا غرسنا غابة… حقا إنه لأمر مشجع”. مبادرة التشجير في محافظة سليانة، ليست الأولى في البلاد التونسية إذ سبقتها حملات أخرى في كل من محافظة بنزرت ونابل وصفاقس، بهدف مكافحة التغيّرات المناخية وتطوير العلاقة بين الفلاحين عبر تركيز منظومة الزراعة الحرجية وهي طريقة متكاملة تجمع بين الأشجار والشجيرات مع المحاصيل وتربية الماشية.

20