تونس تعرض مجموعة من الأفلام المرجعية للمخرج اللبناني برهان علوية

سينما برهان علوية تقول بالشكل والمضمون ما يعتمل داخل المجتمع في لبنان والعالم العربي، من غليان في الثقافة والسياسة.
الثلاثاء 2021/04/06
أول عرض جماهيري لفيلم "بيروت: اللقاء" في نسخته المرممة

تونس – ضمن برنامجها الشهري تحتفي المكتبة السينمائية التونسية بمدينة الثقافة في تونس العاصمة، انطلاقا من الأربعاء وحتى العاشر من أبريل الجاري بالمخرج السينمائي اللبناني برهان علوية، عبر عرض مجموعة من أفلامه التي تتناول في غالبيتها ثيمتي الشتات والمنفى، ليكون الحدث الأبرز للبرنامج العرض ما قبل الأول للنسخة المرممة من فيلمه “بيروت: اللقاء” (1982).

وهو فيلم من تسعين دقيقة يروي قصة حيدر وزينة الطالبين في الجامعة، واللذين فرقتهما الحرب الأهلية اللبنانية بعدما جمعت بينهما علاقة حب قوية. والعمل من بطولة هيثم الأمين، نادين عاقوري، رينيه ديك ورفيق نجم، عن سيناريو وحوار لأحمد بيضون.

كما تتضمّن عروض الاحتفاء بعلوية الموسوم بـ”شاعر الهوامش والمنفى” عرض فيلمه الأبرز “كفر قاسم” عن قصة عاصم الجندي، والذي يسرد في ساعة ونصف الساعة عشية الهجوم الإسرائيلي على مصر في العام 1956، حيث تعلن السلطات الإسرائيلية حظر تجول في المناطق العربية في فلسطين المحتلة دون سابق إنذار للسكان. فيتفاجأ سكان كفر قاسم لدى عودتهم من أعمالهم بحصار من قبل الجيش الإسرائيلي، والذي سيرتكب لاحقا ما يُعرف تاريخيا بمجزرة كفر قاسم. وتحصل هذا الفيلم على التانيت الذهبي في أيام قرطاج السينمائية سنة 1974.

وإلى جانب الفيلمين السابقين، سيتم عرض فيلم “رسالة من زمن الحرب” في 52 دقيقة، وهو الذي يسرد تمزّق لبنان بدماء الحرب الأهلية واعتداءات القوات الغازية في العام 1984، مستعرضا مذكّرات الناجين وموثّقا عواقب الحرب على أفراد من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة، كما يسّلط الضوء على الاجتياح الإسرائيلي الذي حرم اللبنانيين أمنهم وعرّض مستقبل بلادهم للخطر. كما سيتم عرض فيلمين قصيرين لعلوية هما “رسالة من زمن المنفى” و“اللقاء”.

طارق بن شعبان: "السينماتاك" ترمّم المدونة السينمائية وتقدّمها للجمهور

وضمن محور عملية حفظ وأرشفة الأفلام، سيكون للمختصين والمهنيين لقاء مع المنتج المنفذ اللبناني نجا الأشقر مدير نادي لكل الناس، والذي سيتحدّث فيه عن عمل النادي في أرشفة ورقمنة أفلام المخرجين المعاصرين في السينما اللبنانية والفلسطينية في سبيل إنقاذ هذه الأفلام التراثية والتاريخية، على غرار مارون بغدادي وبرهان علوية وجان شمعون وكريستيان غازي وهيني سرور، وعدد من المخرجين الذين وثّقت عدستهم موادّ قيّمة للسينما الفلسطينية.

وتهدف هذه البادرة كما يؤكّد على ذلك مدير المكتبة السينمائية التونسية (السينماتاك) طارق بن شعبان “إلى إعطاء قيمة للمدوّنة السينمائية التونسية والعربية على حدّ السواء بترميمها وتقديمها للجمهور وبصفتها موقعا للتواصل والمقاومة والذاكرة، توفّر للأجيال المتعاقبة إرثا من الصور قصد التقاسم”.

وولد برهان علوية في قرية أرنون (جنوب لبنان) في العام 1941، واستقرت عائلته في بيروت منتصف خمسينات القرن الماضي بعد العديد من الرحلات في التراب اللبناني بحكم عمل والده في الجيش. أنهى دراسته الثانوية مع أحداث 1958 التي يعدّها بروفة للحرب الأهلية لاحقا، ثم دخل الحزب الشيوعي لفترة قصيرة، حيث كان في الخلايا الطلابية مع الراحل جورج حاوي. واختار علوية دراسة السينما بالمصادفة، وساعده في ذلك أنه عمل سنتين مساعد مصوّر في تلفزيون لبنان، من أجل تأمين جزء من أعباء دراسته، لكن قبل أن يلتحق بمعهد “إنساس” (المعهد العالي الوطني للفنون المسرحية في بروكسل)، ذهب في رحلات تسكّع طويلة ومتقطعة إلى أفريقيا وفرنسا.

أجواء هزيمة يونيو 1967، والثورة الطلابية في باريس 1968 كانت خاتمة تسكّعه، ومدخلا إلى دراسة الإخراج السينمائي في بلجيكا. وفي المرحلة الأخيرة من دراسته، أنجز فيلما قصيرا بعنوان “ملصق ضد ملصق” (1971)، ثم قدّم فيلمه الروائي الأول “كفر قاسم” بعد تخرّجه مباشرة، وهو العمل الذي قدّمه إلى الجمهور والنقاد كمخرج ومؤلف.

وما بدا أنه استهلال قوي ومدهش لمسيرة مخرج لبناني منشغل بالهموم العربية والقومية، ارتطم في العام التالي مباشرة بالحرب الأهلية التي أصابت مشروعه السينمائي في الصميم، ليقضي معظم وقته في منفاه الاختياري بين فرنسا وبلجيكا.

شاعر الهوامش والمنفى

وفي العام 1978 أنجز فيلمه التسجيلي الأول “لا يكفي أن يكون الله مع الفقراء” عن العمارة الشعبية في مصر، من خلال تجربة المعماري المصري الراحل حسن فتحي (1900 - 1989) صاحب كتاب “البناء مع الشعب”.

ومن هناك انتظر علوية حتى 1982 كي يُنجز فيلمه الروائي الثاني “بيروت: اللقاء”، وهو فيلم قال عنه علوية “هو عن هوامش الحرب، لكنه كان بمثابة اعتراف بأننا جميعا صرنا هوامش”. وهو ما سيظهر بطريقة أكثر إيلاما في فيلمه الروائي الثالث “خلص” (2007) الذي أتى بمثابة تصفية حساب قاسية مع بيروت التي أعاقت تجربته السينمائية بحربها العبثية وسلمها الزائف، وحوّلت أحلام جيله إلى كوابيس.

وبين فيلميه الروائيين الثاني والثالث، حضرت الهزيمة أيضا بطرق مختلفة، حيث اختلطت بالحرب في فيلم “رسالة من زمن الحرب” (1985)، وبالمنفى الباريسي في فيلم “رسالة من زمن المنفى” (1990)، ثم بمذاق مقلوب للمنفى في “إليك أينما تكون” (2001) الذي أنجزه بعد عودته إلى بيروت.

وعلى امتداد مشواره السينمائي الطويل استطاع علوية أن يقدّم سينما رافضة الانصياع لتركيبة الأعمال التي أنجزها العديد من السينمائيين العرب، في المرحلة الممتدة بين أربعينات القرن العشرين وستيناته.

سينما غير خاضعة للشروط الاستهلاكية التجارية البحتة، وتقول بالشكل والمضمون ما يعتمل داخل المجتمع في لبنان والعالم العربي، من غليان في الثقافة والاجتماع والسياسة والاقتصاد. وهو غليان إنساني أولا وأخيرا، يمنح السينما مادة درامية زاخرة بالتساؤلات والعناوين المختلفة.

سينما تحاول أن تجعل من الشكل المتجدّد، تصويرا وتوليفا وتركيبا بصريا ومعالجة درامية وإدارة ممثلين وبناء شخصيات مخاتلة أحيانا ومخالفة دائما عن شخصيات السينما التجارية السائدة حينها.

16