تونس تعالج أزمة الشعب العلمية بإجراءات جديدة للتوجيه الجامعي

تونس – تزايد الجدل في تونس مؤخرا، بعد الكشف عن نتائج امتحانات الباكالوريا (الثانوية العامة)، حول مسألة التوجيه الجامعي والطريقة التي سيتم من خلالها اختيار الشعب بالنسبة للطلاب. وكانت وزارة التعليم العالي أعلنت أنه لا توجد شعب علمية جديدة سيقع تضمينها في دليل التوجيه الجامعي لهذا العام.
وفي المقابل كشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي سليم خلبوس عن اعتماد إجراءات جديدة في التوجيه الجامعي للناجحين في الباكالوريا بالنسبة للعام الدراسي القادم.
وزاد الجدل حدة في وقت كثر فيه الحديث مؤخرا في تونس عن تلكؤ برنامج إصلاح التعليم العالي الذي سبق وكشفت عنه وزارة الإشراف. ويصر القائمون على الوزارة على أن أشواطا كبيرة تم قطعها في تطبيق هذا البرنامج، فيما يتزايد توجس الأسر التونسية من مغبة الوعود الزائفة، خصوصا بعد إقرار وزير التعليم العالي مؤخرا أن لا تغيير جديدا على منظومة تعليم "إمد" التي يطالب العديد من الخبراء والأكاديميين بإلغائها، لأنها من وجهة نظرهم أثبتت فشلها وعجزها عن الإيفاء بوعودها في تخريج طلاب قادرين على المنافسة في سوق العمل.
ويتساءل مراقبون عن الإجراءات التي تخطط لها وزارة التعليم العالي في تونس للقيام والرد على التساؤلات المتواصلة عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية، في ظل ما شهده العام الدراسي لهذا العام من تعطل الدروس وعمليات شد وجذب بين الوزارة والأساتذة الباحثين لدرجة تعطلت معها روزنامة الامتحانات بمختلف الجامعات.
وتتمثل هذه التغييرات الجديدة في ثلاثة إجراءات رئيسية سيتم إدخالها على عملية قبول الطلاب بدءا من الموسم الدراسي القادم.
أولا تغيير صيغ احتساب مجموع النقاط الخاص بكل شعبة جامعية باحتساب أعداد الطالب في المواد المميزة للشعبة الجامعية. ويرى خلبوس أن هذا الإجراء سيساعد في ضمان نجاح الطالب في دراسته الجامعية التي ستكون بهذا الشكل أكثر ملاءمة لقدراته.
ثانيا تمكين الطلاب الموهوبين من الترشح لاجتياز الاختبارات الخاصة ببعض الشعب التي يتم القبول فيها عبر اختبارات (موسيقى، مسرح، فنون أخرى) حتى وإن لم يسمح لهم مجموع نقاطهم بالحصول عليها.
ثالثا التمييز الإيجابي لطلاب المناطق الداخلية وذلك بمنحهم قسطا من المقاعد في المؤسسات الجامعية المرموقة، وذلك من خلال التناظر على مجموعتي مقاعد منفصلتين لكلّ من الشعب المرموقة (طب، هندسة..) بشكل يفسح المجال للناجحين من المناطق الداخلية لدخول هذه المؤسسات حتى لو لم يكن ترتيبهم متقدّما.
وهكذا فإن عملية إسناد المقاعد في الشعب المرموقة ستتم على قاعدة تميز الطالب في مجموعة خاصة بالمناطق الداخلية إن كان من ساكنيها أو التميّز في مجموعة خاصة بالمناطق الساحلية غير المشمولة بالتمييز الإيجابي إن لم يكن من سكان المناطق الداخلية.
وأكّد وزير التعليم العالي أن القرار الخاص بالنقطة الأخيرة قد اتخذ على مستوى الحكومة وسبق أن أعلن عنه رئيس الحكومة يوسف الشاهد ويأتي تنفيذا لمبدأ التمييز الإيجابي للمناطق الداخلية الذي أقره دستور البلاد.
وقال الأستاذ بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس مراد بن جلول لـ”العرب” “شخصيا أرى أن المسألة يجب أن تعالج من الأساس وليس في الخواتم”، ويعني بن جلول بذلك أن الوزارة كان الأجدر بها التفكير في شعب جديدة تكون مواكبة لسوق الشغل وتخدم مستقبل الطلاب أكثر من اقتصارها على ترتيبات روتينية لا فائدة من ورائها.
وعلق الطاهر الذهبي الأستاذ الباحث بمعهد العلوم الإنسانية بجندوبة، في تصريح لـ”العرب” بقوله إن “المحتوى العام لهذه الإجراءات لا يضيف شيئا بالنسبة للطالب من حيث القيمة العلمية والاجتهاد للحصول على شعبة".
وبرر الذهبي ذلك بقوله “كان الأجدر عوض اللجوء إلى صيغة التمييز الإيجابي توفير نفس ظروف النجاح للطلاب سواء في المناطق الداخلية أو الساحلية لا التمييز بينهم".
وأشارت فاتن معتوق، وهي أم لطالبين واحد في التعليم العالي والثاني بصدد التحضير لاجتياز مناظرة الثانوية العامة، إلى أن الإجراءات الجديدة التي تعمل وزارة التربية على تطبيقها خلال السنة الدراسية المقبلة هدفها مصلحة الطالب قبل كل شيء، لكنها غير كافية من وجهة نظرها.
وقالت معتوق لـ”العرب” إن الوزارة مطالبة بالنظر أكثر إلى عدة ملفات أخرى عالقة وذات أهمية كالزمن المدرسي وتقليص المواد التي لا تنفع الطالب مستقبلا.
وأثارت الإجراءات الجديدة التي تم الكشف عنها ردود فعل متباينة في تونس، خصوصا في النقطة المتعلقة بالتمييز الإيجابي وأبانت عن خلل بنيوي في مستوى الفوارق الاجتماعية بين الجهات انعكس على عملية توجيه الطلاب في هذه المناطق طيلة عقود والطريقة السلبية التي تتم من خلالها معالجة هذه الظاهرة.
وقال الاتحاد العام لطلبة تونس في بيان له إن القرار “يعدّ محاولة واضحة لضرب الكفاءة ومصداقية الشهادات العلمية والإنقاص من قيمة البعض من الشعب (الاختصاصات) وبالتالي المزيد من تخريب الجامعة التونسية عموما”.