تواصل زووم نموذج اجتماعي وجد ليبقى

اتصالات الفيديو ستكون مكونا دائما في التواصل الاجتماعي بين البشر.
السبت 2021/05/22
التواصل وجها لوجه لم يعد القاعدة

عادة ما تُتهم التكنولوجيا بالإساءة إلى التواصل المباشر بين الناس، إلا أنها تمكنت من تلميع صورتها بفضل الحجر الصحي، لما توفره من نشاطات واجتماعات عن بعد للبشر الذين تعودوا على تكوين علاقات اجتماعية وإهمالها أثناء تقدمهم في الزمن.

 لندن - افترض روبن دنبار عالم النفس التطوري وعالم الأنثروبولوجيا في جامعة أكسفورد، في كتابه “كم عدد الأصدقاء الذين يحتاجهم شخص واحد؟”، أنه من الناحية المعرفية لا يستطيع البشر سوى الحفاظ على 150 علاقة اجتماعية مستقرة، وهو ما يعرف الآن بـ”رقم دنبار”. ويقول إنه في المتوسط لدينا جميعا خمس علاقات حميمة (هؤلاء الأشخاص الذين يمكن أن نبكي على أكتافهم) و15 صديقا مقربا وأفراد عائلة، و50 صديقا جيدا (الأشخاص الذين يمكن أن تدعوهم إلى حفلة زواجك مثلا) و150 صديقا عاما (أشخاص قد يحضرون إلى جنازة الشخص بعد وفاته).

وجاءت هذه الأرقام من خلال دراسة تتعلق بحجم أدمغة الرئيسيات المختلفة، بما في ذلك أدمغة البشر، ومقارنتها بحجم المجموعة الاجتماعية المرتبطة بها. الخلاصة كانت أن أدمغتنا ليست كبيرة بما يكفي للحفاظ على المزيد من العلاقات الاجتماعية. وإذا كان هذا صحيحا، فربما يأتي هنا دور هذه التطبيقات الجديدة.. زووم مثلا.

مسرح مغامر

جلست هناء (60 عاما) التي تعيش في لندن منذ 35 عاما قبل الساعة السابعة والنصف مساء ببضع دقائق هي وزوجها أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به مع العشاء وقاما بالضغط على رابط زووم الذي تم إرساله إليهما في وقت مبكر. ثم سرعان ما ظهر أصدقاؤهما الذين دعوهم للانضمام إلينا. تقول هناء “نعيش جميعا على بعد أميال من بعضنا البعض، لكننا لم نر بعضنا البعض لمدة عام إلا على الشاشة. ونحن على وشك الذهاب في مغامرة”.

يستخدم الزوجان اتصالات الفيديو عادة للحديث مع ابنتهما التي تعيش في الولايات المتحدة لكن اليوم باتا يتواصلان مع جيرانهما بزووم.

تضيف هناء أنه “سرعان ما ظهرت شخصية غامضة في نافذة على تطبيق زووم، امرأة بلكنة بريطانية أخبرتنا قصة غريبة عن امرأة شابة اختفت فجأة. ظهرت التعليمات في مربع الدردشة. كان علينا اتباع بعض القرائن. كانت مهمتنا هي العثور على الشابة المفقودة. من هناك غادرنا. كنا مسلحين ومجهزين. كانت لدينا متصفحاتنا مفتوحة، ودفاترنا جاهزة لإجراء أبحاثنا الخاصة”.

وتؤكد هناء ”غطسنا بشكل دوار في حفرة الأرانب. بحثنا في صفحات فيسبوك العامة بحثا عن أدلة. استمعنا إلى تسجيلات سربها مصدر غامض. اخترقنا مواقع الإنترنت الخاصة بالشركات وشاهدنا مقاطع فيديو لممارسات بدت غريبة. وانتهى الأمر في أقل من ساعة. ضحكنا على بعض طرقنا المسدودة. لكن لفترة وجيزة، شعرنا وكأننا نسير في جميع أنحاء لندن لحل لغز”.

من المرجح أن يصبح الفيديو مكونا دائما في التواصل الاجتماعي بين البشر، إن لم يصبح ضرورة ماسة

وتشرح هناء أن ما كانوا يفعلونه في الواقع هو تجربة تسمى “نقطة بليموث” (Plymouth Point)، قائلة “مازلت لا أعرف تماما ماذا أسميها. مسرح مغامر؟ غرفة اروب الافتراضية؟ مربع لغز؟ مزيج من الثلاثة؟”.

و”نقطة بليموث” هي من بنات أفكار “سوامب موتال” Swamp Motel، وهي شركة مسرحية مغمورة يديرها أولي جونز وكليم غاريتي، وهما شريكان مبدعان. وقد تم تصميم “نقطة بليموث” لتتم تجربتها بالكامل على زووم، ولهذا السبب يمكن لمجموعة من سكان نيويورك المشاركة في “عرض” في المملكة المتحدة، باستخدام مواد مسجلة مسبقا ومجموعة من القرائن المصممة بمهارة منتشرة عبر الإنترنت عبر مجموعة من المواقع العامة والخاصة.

وتؤكد هناء “أفضل أن أرى أصدقائي شخصيا بدلا من أن أراهم في صندوق على شاشة الكمبيوتر، خاصة وأنني تعبت من التحديق في تلك الشاشة وسئمت من كلمة تكبير.لكن مع اقترابنا من نقطة عودة معينة، فكرت في بعض الأشياء التي قد يكون من الممتع الاستمرار فيها حتى بعد أن يكون لدينا خيار الخروج وإحدى الإجابات المحتملة، بالنسبة إلي، هي المسرح القائم على زووم”. ويقول باتريك مورهيد المحلل لدى مور إنسايتس أند استراتيجي “للمفارقة أصبحت الكثير من التكنولوجيات التي تتعرض عادة للانتقاد الشديد، ملجأ نشعر فيه بالأمان في زمن فايروس كورونا”. 

ويرى أن التكنولوجيات التي تسمح بمواصلة الروابط الاجتماعية ستخرج معززة من هذه الأزمة “لأن الإنسان يبقى كائنا اجتماعيا بامتياز وغير مستعد للعيش منقطعا عن الآخرين”.

حماية من الخرف

تطبيق زووم قادر على أن يكون مركزا لنظام اتصالات أكثر إنسانية، إذ يريد تمكين الأشخاص من مصافحة ومعانقة بعضهم
تطبيق زووم قادر على أن يكون مركزا لنظام اتصالات أكثر إنسانية، إذ يريد تمكين الأشخاص من مصافحة ومعانقة بعضهم

أكدت دراسة بريطانية أن التحدث على زووم يمكن أن يساعد كبار السن على تجنب الخرف. ووجد الباحثون أن التواصل المنتظم يساعد في الحفاظ على الذاكرة طويلة المدى، وأن كبار السن الذين يستخدمون أدوات الإنترنت غالبا أظهروا انخفاضا أقل في الذاكرة من أولئك الذين لا يفعلون ذلك.

وأفادت الدراسة التي أجراها معهد جيلر للشيخوخة والذاكرة بجامعة غرب لندن، بين 11418 رجلا وامرأة فوق سن الخمسين أن المشاركين الذين استخدموا التواصل “التقليدي” وجها لوجه أظهروا علامات تدهور معرفي أكثر من أولئك الذين استخدموا التكنولوجيا للبقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة.

ومع تزايد عدد كبار السن الذين يستخدمون الآن الاتصال عبر الإنترنت بشكل متكرر، لاسيما خلال العام الماضي من عمليات الإغلاق العالمية، فإنه يطرح سؤال حول إلى أي مدى يمكن أن تساعد التكنولوجيا في الحفاظ على العلاقات والتغلب على العزلة الاجتماعية؟

واستفادت شركة “زوم” خلال عام 2020 من جائحة فايروس كورونا؛ لتحقيق نجاح باهر على الصعيد العالمي ليتحول التطبيق من برنامج شائع بين شركات التكنولوجيا إلى تطبيق يعتمد عليه الناس في جميع اتصالاتهم.

وبالنسبة إلى الكثيرين، أصبح تطبيق “زوم” بمثابة شريان حياة أساسيا للتواصل مع العالم الخارجي، مع توفيره خيار المكالمات المجانية، التي تصل مدتها إلى 40 دقيقة، وخيار المكالمات غير المحدودة باشتراك مدفوع، يتيح للأشخاص القيام بالعديد من المهام التي اعتادوا القيام بها وجها لوجه. ورغم أن تطبيق “زوم” كان أحد خيارات مؤتمرات الفيديو العديدة المتاحة بالفعل، إلا أنه استحوذ على أكبر حصة في السوق مقارنة بباقي التطبيقات، لكن مع مع بدء توزيع لقاحات فايروس كورونا في العالم، قد لا يحتاج البشر إلى إجراء الكثير من محادثات الفيديو في الفترة القادمة. وصرحت المديرة التنفيذية في الشركة أبارنا باوا لموقع “ريكود” “آمل أن نقدم خدمة جيدة بما يكفي، حتى يرغب الناس في استخدامها، سواء بوجود أزمة أو عدمها”.

إن نهاية الوباء لا تعني نهاية مكالمات الفيديو، وإنما استخداما أقل للفيديو، لكن من المرجح أن يصبح الفيديو مكونا دائما في التواصل الاجتماعي بين البشر، إن لم يصبح ضرورة ماسة.

مكون دائم

التكنولوجيا لمعت صورتها
التكنولوجيا لمعت صورتها 

يرى مؤسس “زوم” إريك يوان أن التطبيق قادر على أن يكون مركزا لنظام اتصالات أكثر إنسانية، وهو يرغب في أن يجعل التطبيق قادرا على تمكين الأشخاص من مصافحة ومعانقة بعضهم. وأضاف “نحن نرى أنفسنا وسيلة تواصل بين البشر في أي سياق بطريقة شخصية وحميمة للغاية”.

وفي وقت يفترض فيه أن التكنولوجيا جعلت من العالم قرية صغيرة، وتطورت تكنولوجيا الاتصالات بشكل غير مسبوق لجعل عملية التواصل بين البشر أكثر سهولة وبلا أي جهد تقريبا، حدث تراجع كبير وواضح في العلاقات الاجتماعية بين الناس، بل ربما بين العائلة الواحدة.

فرضت علينا طبيعة الحياة والعمل وكثرة المسؤوليات والانشغالات في العصر الحديث، الذي طغى عليه الأسلوب الفرداني في الحياة، نمطا اجتماعيا جعل علاقاتنا الاجتماعية تتراجع بشكل واضح. الآن أصبحنا ننسى أعياد ميلاد أصدقائنا، وإذا تذكرناها من خلال فيسبوك فربما تكون التهنئة التي نرسلها لهم تمثل عملية التواصل الوحيدة التي لا تتكرر، إلا من العام للعام. ربما يتهمك البعض بأنك لست صديقا جيدا، لكن يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تساعدك لتغير من هذه النظرة على الأقل بدرجة ما، وتحولك إلى صديق أفضل يتواصل مع الآخرين بانتظام واهتمام واضح.

وأظهرت الأبحاث أنه يتعين علينا عادة رؤية شخص ما مرة واحدة على الأقل في الأسبوع لإبقائه في قائمة أفضل خمسة أصدقاء لدينا، بينما يكفي رؤيته مرة واحدة في الشهر لينضم إلى طبقة الأصدقاء الخمسة عشر المقربين.

بكلمات أخرى عليك أن ترى أعين أصدقائك.

إدارة العلاقات

طوال التاريخ كانت الاجتماعات وجها لوجه، ومشاركة الطعام والشراب، كلها تفاعلات شخصية ضرورية للحفاظ على الصداقات. ومع ذلك في سياق أزمة وباء كورونا، يمكن اختبار مدى نجاحنا في إعادة إنشاء هذه الأمور باستخدام التكنولوجيا، وتحديدًا تطبيقات الدردشة المرئية مثل زووم، وهانج أوت، وماسنجر فيديو، وسكايب.

وعلى الرغم من الصعوبات التي ذكرناها سابقا، هناك من وجد فوائد جمة في مثل هذه التطبيقات. البعض يستخدمه لمتابعة البعض من الناس المهمين في محيطه الاجتماعي أو الحي الذي يسكن به. وتظهر أهمية هذه البرامج في كونها تناسب الاحتياجات المتخصصة. من السهل أيضا رؤية كيف يمكن أن تكون برامج إدارة علاقات الأشخاص الشخصية "PRMs" مفيدة للأشخاص الذين يعانون من النسيان المستمر أو الذين قد يعانون من التواصل الاجتماعي. يبدو أن التطبيقات في الوقت الحالي مفضلة من قبل الأشخاص الذين تعتمد حياتهم المهنية على تشابك الحياة الشخصية والمهنية.

نظريا، لا يمكن لتطبيقات وبرامج إدارة علاقات المستخدمين الشخصية (PRMs) مساعدتنا في الحصول على أصدقاء أكثر، لكنها قادرة على مساعدتنا في الحفاظ على العلاقات التي لدينا بشكل أفضل.

ويمكن للتنبيهات التي تصل على هواتفنا الذكية أن تجعلنا أصدقاء أفضل بالفعل وتقوي العلاقات الاجتماعية خاصتنا.

20