تهمة التهميش تلاحق المؤسسات الموحّدة في ليبيا

خلاف علني بين الرئاسي والخارجية حول التعيينات الدبلوماسية.
الجمعة 2021/07/16
الخلافات المناطقية عقبة في طريق الحكومة

تونس - طفت الخلافات على سطح العلاقات بين إقليمي برقة وطرابلس من جديد على الرغم من الخطوات المتقدمة ظاهريا والتي قطعت في مجال توحيد المؤسسات الليبية تحت غطاء حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.

ويتهم فاعلون سياسيون في إقليمي برقة وفزان حكومة الدبيبة بفتح المجال أمام إقليم طرابلس للاستئثار بالسلطة عبر التعيينات أو تهميش المسؤولين المحسوبين على الإقليمين الشرقي والجنوبي.

ودفعت تلك التطورات برئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إلى توجيه رسالة إلى الدبيبة يطالبه فيها بمنح الصلاحيات الكاملة لنائبي رئيس الوزراء والوزراء (عن إقليمي برقة وفزان)، والتأكيد على أن يكون العمل مؤسساتيا. كما دعا صالح إلى إعادة الإدارات والأجهزة التي كانت تتبعها قبل إلحاقها برئاسة الحكومة الجديدة.

وتصاعدت الانتقادات بشأن محاولات تهميش الوزراء المحسوبين على المنطقة الشرقية والموظفين الذين كانوا يعملون في إطار الحكومة المؤقتة التابعة للبرلمان قبل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في منتصف مارس الماضي، بالإضافة إلى حالة الجدل التي وصلت إلى مستوى الخلاف الصريح بين المجلس الرئاسي ووزارة الخارجية حول التعيينات في البعثات الدبلوماسية بالخارج.

نجلاء المنقوش: حريصون على الانسجام مع كافة الأطراف بشأن البعثات الدبلوماسية
نجلاء المنقوش: حريصون على الانسجام مع كافة الأطراف بشأن البعثات الدبلوماسية

وفي بيان، استنكرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب القرار الحكومي القاضي بتشكيل لجنة لحصر وتصنيف موظفي وزارة الخارجية، الذي اقتصر فقط على حصر موظفي وزارة الخارجية في الحكومة المؤقتة ومقرها مدينة البيضاء (شرق)، ولم يشمل موظفي وزارة الخارجية بما كانت تسمى “حكومة الوفاق” ومقرها مدينة طرابلس (غرب).

واعتبرت اللجنة البرلمانية القرار انحيازا إلى جانب دون الآخر وتجاوزا لمخرجات اتفاق جنيف، معبرة في الوقت نفسه عن بالغ قلقها من أن تكون لهذا القرار عواقب وخيمة على مسار التوافق الوطني وتوحيد مؤسسات الحكومة المؤقتة وحكومة الوفاق.

ووفق ما جاء في نص البيان، رأت اللجنة أن القرار الحكومي “يبدو كتصفية حسابات مع السلطات السابقة” وأنه “سيغذي المشاعر بالإقصاء والظلم في الوقت الذي يجري طي صفحة الماضي الأليم”. وأوضحت اللجنة أن “موظفي الحكومة المؤقتة من كافة أبناء ليبيا وليسوا من جهة واحدة”.

وفي الثالث من يوليو الجاري قرر الدبيبة تشكيل لجنة تتولى حصر وفرز ملفات الموظفين بوزارة الخارجية التابعة للحكومة المؤقتة، وتحديد من تنطبق بشأنهم ضوابط العمل وشروطها في الخارجية من عدمه. وجاء في القرار أن اللجنة شكلت وفقا للقانون (2) لسنة 2001 بشأن تنظيم العمل السياسي والقنصلي ولائحته التنفيذية وتعديلاتها.

ولم تخف اللجنة البرلمانية استغرابها مما وصفته بـ”التجاوز القانوني” لوزيرة الخارجية نجلاء المنقوش بمراسلتها لرئاسة الوزراء لتشكيل اللجنة على الرغم من أن الأمر يقع ضمن دائرة اختصاص الوزارة، داعية الدبيبة إلى “سحب القرار فورا واعتباره في حكم العدم وإعادة صياغته ليشمل تصنيف الموظفين في كلتا الوزارتين بالحكومة المؤقتة وحكومة الوفاق وأي حكومات سابقة”.

الانتقادات تتصاعد على وقع محاولات تهميش الوزراء المحسوبين على المنطقة الشرقية وموظفي الحكومة المؤقتة

وتعرض قرار الدبيبة إلى انتقادات واسعة واعتبره معارضوه بأنه محاولة للانقلاب على الاتفاق السياسي وتصفية حسابات مع الحكومة المؤقتة، التي كان يرأسها عبدالله الثني وحظيت بثقة البرلمان في 22 سبتمبر 2014، حيث مارست مهامها من مدينة البيضاء بعد سيطرة منظومة فجر ليبيا على العاصمة طرابلس في إطار انقلاب تيار الإسلام السياسي والميليشيات الجهوية على نتائج الانتخابات آنذاك.

ورأت الجهات المعارضة للقرار الحكومي بأنه كان يمكن أن يحظى بالقبول لو أنه شمل الموظفين المعينين في وزارة الخارجية التابعة لحكومة الثني أو في نظيرتها التابعة لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، المتهمة بدفع العشرات من أمراء الحرب ومسلحي الميليشيات والمقربين من جماعة الإخوان إلى وظائف مهمة في وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية الخارجية، بالإضافة إلى ملفات الفساد الذي كان مستشريا داخلها وتم الكشف عنه من قبل ديوان المحاسبات في عدد من التقارير المعروضة أغلبها على مكتب النائب العام.

ولا تقف الخلافات بين شرق ليبيا وغربها عند هذا الحدّ، بل وصلت إلى ملفات التعيينات الدبلوماسية وهو ما جعل المتحدثة باسم المجلس الرئاسي نجوى وهيبة تعلن أن “المجلس أصدر قرارا بإلغاء تعيينات في بعثات دبلوماسية في الخارج حفاظا على الوحدة الوطنية والأسس والمعايير المهنية في التعيينات من هذا المستوى”.

ويعد الحديث عن الحفاظ على الوحدة الوطنية إشارة إلى الخلافات الجهوية والمناطقية حول التعيينات أو الإعفاءات المثيرة للجدل سواء كانت لفائدة هذا الطرف أو ذاك.

وكان المجلس الرئاسي وجه في مايو الماضي تحذيرات إلى وزيرة الخارجية بشأن “ضرورة التريّث في اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بإعفاء وتعيين موظفين وسفراء في البعثات الدبلوماسية”.

Thumbnail

واعتبر رئيس المجلس محمد المنفي أن وزيرة الخارجية ارتكبت مخالفة صريحة بإعفاء ثلاثة سفراء ومندوبين، والإسراع في تعيين آخرين مكانهم. كما طلب عدم اتخاذ أي إجراء يتعلق بتسمية أو إعفاء أو سحب السفراء وممثلي الدولة الليبية إلا عن طريق اقتراح من رئيس الحكومة موجه إلى المجلس الرئاسي.

وتتعلق تصريحات المنفي بقرار إعفاء وفاء بوقعيقيص سفيرة ليبيا في الولايات المتحدة، وصالح الشماخي مندوب ليبيا لدى جامعة الدول العربية، وسنية غومة سفيرة ليبيا في سلطنة عمان من مناصبهم.

ودافعت المنقوش عن نفسها بشأن قرارات الإعفاء، وأكدت أنها مارست اختصاصاتها وفق صحيح القانون والاتفاق السياسي في ما يخص إبلاغ السفراء والمندوبين بانتهاء فترة إيفادهم إلى الخارج وعدم رغبة الوزارة بالتمديد لأي منهم، بالإضافة إلى تكليف أقدم الدبلوماسيين بمهام تسيير تلك السفارات والبعثات.

وأكدت وزيرة الخارجية أن الوزارة حريصة على أن تسود روح الانسجام بين مختلف الأطراف المعنية بإدارة ملف البعثات الدبلوماسية والسفارات، وألا تتورط في خلافات وقعت فيها السلطات السابقة، والذي أدى إلى إرباك التمثيل الدبلوماسي الليبي.

ويرى مراقبون أن الخلافات الحادة سواء بين شرق البلاد وغربها أو بين المجلس الرئاسي ووزارة الخارجية أدى إلى ظهور بوادر فوضى معلومات، اضطر وزارة الخارجية إلى التحذير مما وصفته بانتشار العديد من الشائعات المغرضة والمنافية للحقيقة، داعية إلى عدم الانسياق وراء مثل هذه الادعاءات.

ونبهت وزارة الخارجية إلى ما قالت إنها “لاحظته في الآونة الأخيرة من انتشار شائعات عارية عن الصحة على مواقع التواصل الاجتماعي حول صدور قرارات تعيين مستشارين في السفارات الليبية”، إضافة إلى تقديم وزيرة الخارجية لاستقالتها.

واعتبرت الوزارة أن هذه الأخبار لا تمّت للحقيقة بصلة، وهي تهدف إلى التشويش على عمل الوزارة، ومطالبة وسائل الإعلام كافة بتحري المصداقية والموضوعية والتأكد من المصادر الرسمية المعتمدة قبل نشر الأخبار أو تداولها.

ولا يبدو توضيح الوزارة كافيا أمام المواقف الصادرة عن المجلس الرئاسي أو مجلس النواب، لاسيما في ظل تكريس مبدأ المحاصصة المناطقية والجهوية والحزبية الذي بات يطغى على التعيينات والانتدابات ليهدد عملية توحيد المؤسسات ولاسيما في غياب مشروع المصالحة الوطنية الذي قد يفرض الاعتماد على الكفاءات بدل التركيز على الولاءات والانتماءات بمختلف أشكالها.

6