تنظيم داعش.. تلمّس سبل الخروج من الأزمة من باب القضية الفلسطينية

لا توجد قضية أيسر استغلالا وتوظيفا من القضية الفلسطينية لما تمثله من ثقل في الوجدان العربي، ولما تكتسيه من شرعية لدى المناصرين للحقوق الفلسطينية. لكن الانسداد السياسي الذي تعرفه القضية منذ عقود، إضافة إلى المستجدات الدولية الأخيرة من قبيل القرار الأميركي الجديد باعتماد القدس عاصمة لإسرائيل، قدما طوق نجاة للتنظيمات الإرهابية المحاصرة عسكريا وسياسيا وماليا. تنظيم داعش عاد إلى العزف على وتر القضية الفلسطينية من خلال إصداره المرئي الجديد “لهيب النار إلى قيام الساعة”، وقدم ما يقيم الدليل على أنه يبحث عن كوة تخرجه من عنق الزجاجة.
الاثنين 2017/12/18
هل تكون سيناء المنصة القادمة لداعش

منذ تكبده خسائر ميدانية كبيرة هددت بتفتيت أيديولوجيته الفكرية، يبحث تنظيم داعش عن منفذ لإعادة تقديم نفسه كجيش خلافة يدافع عن الإسلام والمسلمين، ويحاول توظيف الغضب العربي ضد القرار الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ليبرز نفسه كقوة مقاومة يمكن أن تنطلق من قطاع غزة بزعم تحرير المسجد الأقصى، عبر نشر إشاعات حول إرسال مقاتلين لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

تستغل التنظيمات التكفيرية مستجدات الأحداث على الساحة لتجد متنفسا لأزماتها، وفي مقدمتها داعش الذي يخطط لفرض نفسه في ملفات تهم قوى إقليمية ودولية كملف الصراع العربي الإسرائيلي ومحاولة تعويض انهياره الواضح في كل من العراق وسوريا.

ويروج التنظيم ومنصات دعائية قريبة منه شائعات هدفها التلويح لأطراف بعينها بأنه شريك ومساهم أصيل في ملفات تهمها وبإمكانه الضغط والتأثير من خلالها.

ورجح خبراء وقوف التنظيم وراء شائعة وجود مفاوضات بين حركة حماس وأطراف متداخلة في الملف السوري لاستقبال 1600 مقاتل من داعش نازحين من الرقة السورية، بالنظر إلى أنه المستفيد الوحيد منها.

ويعي تنظيم داعش حساسية المرحلة التي تروج خلالها هذه الدعاية، بعد الإعلان الأميركي الأخير بشأن القدس، وتصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن انتقال مقاتلين من الرقة إلى سيناء. ولأن التنظيمات الإرهابية المسلحة في سياق السعي لخلق حواضن جديدة لها ترغب في تهيئة واقع جديد يتمتع بنفس مستويات جذب فكرة الخلافة المنهارة، لا يجد داعش أكثر جذبا من مزاعم توجهه للجهاد ضد إسرائيل.

تبلورت استراتيجية داعش منذ بدء تلقيه خسائر كبيرة في العراق بتحرير الموصل في يوليو الماضي ووضعه تحت الحصار في محافظة دير الزور بسوريا وتلاها إعلان العراق محددا بالكامل من عناصر داعش الأسبوع الماضي.

منذ ذلك الحين يسعى قادة داعش إلى البحث عن منفذ للحفاظ على أيديولوجيا الخلافة الإسلامية، فتارة يتجه إلى ليبيا وسيناء للتأكيد على بقائه ميدانيا في تلك المناطق، وتارة أخرى يتجه إلى مناطق بشرق آسيا وأفريقيا مختبئا خلف التنظيمات الإرهابية هناك كتنظيم الشباب الصومالي وبوكو حرام بنيجريا.

ويجد التنظيم ملاذا في الصراعات والقضايا الإقليمية بتقديم نفسه المقاوم والمدافع الأول عن الإسلام والمسلمين، سواء مع إيران التي تحاول فرض نفوذها في دول عربية عدة، مستغلا الصراعات في اليمن وسوريا، أو الاحتكاك اللفظي مع إسرائيل مؤخرا بسبب الحراك العربي ضد القرار الأميركي الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمةً لإسرائيل.

العلاقة بين حماس وداعش حافلة بوقائع التربص والعداء، كما شهدت تطورا أقلق قادة حماس في العامين الأخيرين بعد انشقاق قادة عسكريين في الحركة وانضمامهم إلى القتال مع داعش في سيناء.

التجاذبات الإقليمية ووصول الملف السوري إلى مرحلة الحديث الجدي عن التسوية السياسية ورغبة بعض القوى الإقليمية في التقليل من حجم الدور المصري، دفعت البعض من المراقبين إلى عدم استبعاد قيام داعش بمناورات هدفها إفشال التفاهمات الجديدة.

ويسعى الجانب المصري ضمن مخرجات التفاهمات الأخيرة مع حماس لأن تقوم الحركة بإجراءات صارمة ضد عناصر السلفية الجهادية في غزة وضد المنشقين الذين انضموا إلى داعش وشاركوا في تنفيذ عمليات ضد الجيش في سيناء.

وهدفت استراتيجية الحكومة المصرية الجديدة للتعاون مع حماس إلى تشديد الحصار على تنظيم ولاية سيناء وتضييق الخناق على قادته وأعضائه، وقطع أي خطوط إمداد بشري له. وأظهرت حماس التزامها بضمانات التفاهمات مع مصر من جهة إحكام الرقابة على الحدود وإقامة منطقة عازلة وتركيب كاميرات مراقبة متحركة.

ومنذ عام 2014، كشفت تقارير أمنية مصرية عن سلفيين جهاديين بقطاع غزة تمكنوا من التسلل عبر الأنفاق واجتياز الجدار الإسمنتي الفاصل بين غزة وسيناء، وشاركوا في تنفيذ عمليات ضد الجيش المصري، وآخرها الهجوم على كمين البرث في يوليو 2017.

وانضم حوالي 130 تكفيريا من غزة إلى تنظيم ولاية سيناء منذ عام 2013 حتى 2016، بعضهم كانوا أعضاء بارزين في كتائب القسام، منهم محمد حسن أبوشاويش، أحد كبار قادة حماس في رفح الفلسطينية، الذي انضم إلى ولاية سيناء في العام الماضي.

وهو العام نفسه الذي شهد تطورا نوعيا في قدرات داعش العسكرية مكنته من مباشرة حرب مدن موسعة في مواجهة قوات الجيش والدخول في عمق مدينة العريش التي تضم المقرات الرئيسية للدولة، وفي مقدمتها مبنى محافظة شمال سيناء ومقرات المخابرات الحربية والعامة والكتيبة 101 التي تنطلق منها جميع العمليات العسكرية.

يرى متابعون أن التطور الذي طرأ على أداء داعش خلال العامين الأخيرين ليس مرتبطا بقدوم مقاتلين من سوريا أو العراق أو ليبيا، إنما يعود لانتقال مقاتلين من غزة إلى سيناء، بخبراتهم القتالية التي اكتسبوها من مواجهاتهم ضد الجيش الإسرائيلي.

ويتيح أي حضور لداعش في غزة التمكن من إدارة مناوراته على ثلاث جبهات، وهي إسرائيل ومصر وغزة، سواء من جهة الحدود بين إسرائيل وغزة أو من ناحية الحدود بين غزة وسيناء، وهو ما يمنحه فرص الإفلات من الحصار الذي سعت مصر لإحكامه عليه عبر تفاهماتها مع حماس. وأعلن التنظيم عبر إصداره الأخير “لهيب النار إلى قيام الساعة 2″، اعتماد هذه الاستراتيجية في عدة ساحات ذكر منها سيناء ولبنان وسوريا والعراق.

سيناء هي ساحة أساسية بالنسبة للتنظيم في المرحلة المقبلة، حيث يعمل على إثبات حضوره في المنطقة الصحراوية الممتدة من مدينة العريش حتى مدينة بئر العبد.

13