تنظيم القاعدة يشكل حلفا جهاديا جديدا بعد انهيار تحالفه مع طالبان

الظواهري يعيد ترتيب أوراقه لتمتين علاقاته مع الإخوان والجماعات المتطرفة.
الأربعاء 2022/03/02
تحالفات بديلة حول العالم

لم يثن فك الترابط مع حركة طالبان زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري على محاولة البحث عن سبل لتوسيع نفوذ الجماعات الجهادية المسلحة، بل أخذ يحاول خلق تحالفات بديلة مع تيارات وحركات أخرى، من بينها جماعة الإخوان المسلمين، مستغلا فشلها في فرض حضورها السياسي لإحياء عقيدة الجهاد المسلح والاتحاد في تنظيم واحد ينهي محن الإخوان ويقيم الخلافة العالمية.

تنطوي التحولات الأخيرة في العلاقات بين تنظيم القاعدة المركزي وحركة طالبان الأفغانية على مؤشرات تدل على حدوث تغييرات كبيرة في الحالة الجهادية بالعالم من جهة تعديل التحالفات ومناطق تمركز قادتها.

وكشفت بعض المعطيات أن قادة تنظيم القاعدة يئسوا من إمكانية استمالة قادة طالبان عقب سيطرة الحركة على الحكم في أفغانستان لبلورة صيغة توافق تسمح باستمرار التعاون بينهما، وهو ما اضطرهم أخيرًا بعد ستة أشهر من المحاولات إلى الاعتراف بفك الارتباط مع طالبان وطرح أفكار ترشّح وجود حلفاء جدد يواجهون معهم تحديات المرحلة المقبلة.

واعترف قادة في تنظيم القاعدة مؤخرا بأن مستقبل تنظيمهم ليس في أفغانستان ولن يكون ضمن شراكة مع حليفتهم القديمة حركة طالبان، وذلك في افتتاحية العدد السادس من مجلة “أمة واحدة” المعبّرة عن موقف القاعدة المركزي، وأعلن أن “الجهاد توقف في أرض أفغانستان”، وتعهدوا في الوقت ذاته بمواصلته في مناطق أخرى لاستكمال برنامجهم العالمي من دون الاستعانة بأحد.

وركزت افتتاحية المجلة على غير العادة على أفغانية الإنجاز الذي تحقق بانسحاب القوات الأميركية وصعود طالبان إلى السلطة كونه يخص الحالة الأفغانية ولم يتطرق للمرة الأولى إلى مسألة مبايعة القاعدة لزعيم طالبان كأمير للمؤمنين، وكأن قادة القاعدة وفي مقدمتهم أيمن الظواهري أحبطوا من أن يقبل هبة الله أخوند زاده هذه البيعة التي تجاهلها مرارًا، وبعد أن أنكر قادة طالبان وجود هذه البيعة من أساسه.

براغماتية الحركة

الظواهري قدم مغريات لقادة الإخوان والجماعة الإسلامية لدفعهم لاعتناق فكرته والموافقة على مبادرته

 بعد أن تصور قادة القاعدة أن انتصار حركة طالبان في أفغانستان في أغسطس الماضي عقب إبرام الولايات المتحدة صفقة مع طالبان عام 2020 لسحب القوات الأميركية من الأراضي الأفغانية سيعطي أكبر دفعة للتنظيم، صار هذا التحول وبالًا على القاعدة لحاجة طالبان إلى تكريس سلطتها وهو ما لن يتحقق إلا بكسب ثقة المجتمع الدولي أولا، والذي اشترط نظير مساعدته حكومة طالبان حرمان جماعات مثل القاعدة من الملاذ الآمن وإبداء تطورات لافتة في ملفات حقوق الإنسان والحريات والمرأة.

وخيب سلوك طالبان منذ سيطرتها على كابول أمل قادة القاعدة الذين بذلوا جهودًا كبيرة لإثناء الحركة الأفغانية عن إنهاء العلاقات بينهما عبر أسلوب المغازلة وإصدار بيانات التهنئة التي تزخر بعبارات التأييد والثناء أو عبر تكتيك الضغط والابتزاز وشق صف طالبان بإثارة قضايا فقهية جدلية.

وحاول قادة القاعدة خلق انقسامات داخل طالبان من خلال بث دعايات تصف مواقف حركة طالبان في التعامل مع القوى الدولية والإقليمية ومنظمة الأمم المتحدة بأنه حرام شرعًا، أملًا في تشكيل جبهة تعارض التوجه الذي يقوده زعيم الحركة الذي عزم على وضع نهاية للعلاقة مع القاعدة.

ولم تثن محاولات القاعدة التي امتدت منذ إبرام اتفاق الدوحة في فبراير 2020 قادة طالبان عن المضي في تعديل تحالفاتهم وعلاقاتهم بالدول والجماعات وفق وضعيتهم الجديدة كمسؤولين عن إدارة دولة، لذلك لم يتوانوا عن نفي أيّ علاقة بتنظيم القاعدة ورفض بيعات يعلنها قادته لزعيمهم، وتكريس نهج براغماتي من شأنه استعادة ثقة المجتمع الدولي لضمان انخراط فعال فيه.

وحرصت حركة طالبان على ألا يورّطها تنظيم القاعدة في صراعه المعولم وعلى عدم السماح بإعاقة خطط وبرامج إدارتها للدولة، وعدم الوقوع مجددًا في أخطاء الماضي عندما فشل الملا محمد عمر في تحجيم نشاط زعيم التنظيم الراحل أسامة بن لادن، وهو ما أدى في النهاية إلى غزو أفغانستان عام 2001 وإسقاط حكم طالبان الأول الذي بدأ عام 1996.

وعكس تمسك القاعدة بمنهجه التقليدي الذي يشكل أيديولوجية الجهاد العولمي مستوى الشقاق بين تنظيم عولمي وحركة دينية قومية، والذي تزايد مع انتقاد التنظيم لإقامة طالبان علاقات مع العديد من الدول، حيث شن أيمن الظواهري هجومًا على الحركة لسعيها للانضمام إلى الأمم المتحدة مؤكدًا أن الحصول على مقعد بها يتناقض مع الشريعة الإسلامية، وبدت هذه التطورات مؤشرا على قرب فض العلاقة وإنهاء التعاون لتعارض الأيديولوجيات والمصالح.

تفكيك الروابط الوثيقة

السلطة أهم من التحالف مع طالبان
السلطة أهم من التحالف مع طالبان

 لعبت طالبان بورقة القاعدة إلى حين أن تتمكن من السلطة لأنها لم تقطع علاقتها مع حليفها الجهادي ولم تحدّ من أنشطته قبيل الانسحاب الأميركي، ودلت تقارير الأمم المتحدة التي كشفت سقوط عناصر من القاعدة في معارك داخل أفغانستان على استمرار الروابط الوثيقة بين الجماعتين.

وشهدت هذه المرحلة مناورات وحيلا لفظية من قبل قادة طالبان بشأن علاقتها بالقاعدة، مثل رفض المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد الادعاء الأميركي بأن الاتفاق ألزم طالبان بتقليص علاقاتها مع القاعدة، قائلًا “إنه لم يذكر في أيّ موضع في الاتفاق أنه تربطنا أو لا تربطنا علاقات مع أحد فمسألة العلاقات لم تنظر في الاتفاق، وما تم الاتفاق عليه هو أنه لا يجوز توجيه أيّ تهديد من الأراضي الأفغانية للولايات المتحدة وحلفائها”.

كان هذا هو نهج طالبان التي لم تتأثر أيديولوجيًا بمناهج السلفية الحركية وقت احتياجها لتنظيم القاعدة في ميادين المعارك، حيث الاستفادة من خبرات مقاتليه الميدانية والعسكرية والتمويل والقدرة على تجميع واستخدام الأسلحة والمتفجرات، وهو ما اختلف بعد أن صعدت طالبان إلى السلطة حيث أبدى قادتها رفضًا لمواصلة التحالف مع تنظيم القاعدة وإيواء مقاتليه بالنظر إلى مقتضيات المرحلة الجديدة التي لا تتطلب الاحتياج إلى خدمات القاعدة، الأمر الذي انتهى إلى إعلان فك الارتباط.

تشكيل تحالف إسلامي موسع هو السبيل الوحيد – وفق الظواهري – لإنهاء محنة قيادات الإخوان والجماعات الجهادية

وتطمح طالبان في جني الكثير من الأرباح بعد هذا التطور، منها الاعتراف القانوني بها من قبل المجتمع الدولي، وهو ما ظل يعوقه وصمة العار التي خلفتها تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي نفذها تنظيم القاعدة انطلاقًا من تمركزه في أفغانستان، ما كرّس صورة طالبان ككيان تربطه علاقات وثيقة بالإرهاب الدولي، وعدم تجاهل سياسات الحركة التي كانت تطبقها أثناء حكمها الأول لأفغانستان.

وتحرص الحركة على تحسين الوضع الاقتصادي المنهار في أفغانستان حاليا، وهذا لن يتحقق مع استمرار عزلتها الدولية لدرجة عدم اعتراف أيّ دولة بها حتى الآن، في حين اعترفت بحكمها الأول ثلاث دول، وهو الوضع الذي تسعى الحركة لتغييره عبر تفكيك علاقتها مع حركات الإرهاب المعولم وتقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية والحيلولة دون إعادة تموضعها بالتوازي مع الانفتاح على المجتمع الدولي.

وبناء على ذلك، لا يُعد إعلان فك الارتباط مع طالبان بمثابة نهاية لتنظيم القاعدة الذي لا يزال يمتلك أكثر فروعه نشاطًا في أفريقيا التي تعتبر أكثر مسارح تطوره الواعدة خاصة في منطقة الساحل والصومال، علاوة على حضوره في باكستان وشبه القارة الهندية وسوريا واليمن وشرق أفريقيا.

وكان زعيم التنظيم أيمن الظواهري قد رسم معالم مسار استراتيجيته الجديدة بعد إعلان فك الارتباط بطالبان، داعيًا إلى إعادة هيكلة القيادة سريعًا وفتح الطريق أمام صعود قيادات جديدة تنهض بالتنظيم، ما عكس استشعار القيادة الحالية الخطر نتيجة رفع طالبان لغطاء الحماية عنها.

حلف جهادي جديد

تحالف إسلامي

صاغ الظواهري تصورات مختلفة بهدف استعادة نشاط التنظيم من خلال قيادات جديدة تجتهد في بلورة رؤية مع شركاء جدد حول العالم وفق الأيديولوجية الرئيسية للقاعدة المتمثلة في الجهاد المعولم العابر للحدود.

وظهر ذلك فيما ذكره الظاهري مؤخرا ضمن الحلقة الرابعة في سلسلة “صفقة القرن أم حملات القرون” عندما أقر بفشل قيادته للقاعدة وأن تنظيمه في حاجة إلى قيادات جديدة تنهض به وتطوره وتبعثه من جديد.

وحدد الظواهري نوعية القيادة التي يحتاجها تنظيمه، وأنه من الضروري أن تكون شبيهة بعبدالله عزام أو أسامة بن لادن أو سيد قطب أو عمر عبدالرحمن الذين لعبوا الدور الأكبر في بعث الجهاد العالمي وتجنيد الشباب في التنظيمات المتطرفة العابرة للحدود، فضلًا عن وضع الأسس الفكرية التي قامت عليها فكرة الجهاد العالمي، مثل أفكار الحاكمية والجاهلية والطاغوت والخلافة العالمية.

وتؤكد الرؤية الجديدة لأيمن الظواهري بعد فك ارتباط تنظيمه بطالبان حرصه على خلق تحالفات بديلة مع تيارات مؤدلجة حول العالم، وهذا ما عكسته دعوته للإخوان والجماعات الجهادية التي أعلنت مبادرات وقف العنف وأصدرت مراجعات فكرية، مثل الجماعة الإسلامية المصرية، للعودة إلى العمل المسلح والاتحاد تحت قيادة واحدة دون الالتزام بالقطرية في العمل.

وحاول الظواهري إقناع قيادات الإخوان والجماعة الإسلامية والجهاد بفكرته تلك من منطلق حديثه عن فشل ما عُرف بثورات الربيع العربي وسقوط حكم الإخوان في معظم الدول العربية نتيجة انتهاجها السلمية، زاعمًا أن الطريق الوحيد لإنقاذ مجمل تيار الإسلام السياسي في العالم من التشتت والانهيار والتشرذم هو التوحد حول مشروع واحد بقيادة موحدة والعودة لأيديولوجية التغيير بالقوة وفرض الأمر الواقع والانفراد بالسلطة.

وعمد الظواهري لتقديم مغريات لقادة الإخوان والجماعة الإسلامية لدفعهم لاعتناق فكرته والموافقة على مبادرته، حيث تحدث عن قيادات العمل الإسلامي الموجودة في السجون والمنافي داعيًا إلى الالتفاف حولها كنواة صلبة يعول عليها لإخراج الحركة الإسلامية من أزمتها.

وضرب على وتر عجز قيادات الإخوان والجماعات الأخرى عن حل أزمتها بوضعيتها الحالية في ظل استقلال كل جماعة بنفسها وانفراد الأنظمة بها، وأن الحل لإخراج المسجونين منهم وإعادة المنفيين يكمن في تشكيل تحالف إسلامي موسع بين القاعدة والإخوان والجماعة الإسلامية والدفع باتجاه المواجهة الشاملة، وهو السبيل الوحيد – وفق مزاعم قائد القاعدة – لإنهاء محنة قيادات الإخوان والجماعات الجهادية الأخرى.

6