تنامي مساهمة النساء في العمل غير المنظم في تونس يعكس غياب سياسات اقتصادية عادلة

تنعكس السياسات التنموية في البلدان العربية على طبيعة العمل ونوعيته وتزيد من التمييز بين فئات المجتمع على أساس الجندر أو الأجور. وأدى غياب سياسات اقتصادية عادلة في تونس إلى تنامي مساهمة النساء في العمل غير المنظم وتزيد النسب خارج القطاع الحكومي وفي الزراعة. وتعد النساء العاملات في القطاع غير المنظم الحلقة الأضعف حيث لا ينتفعن بالتغطية الاجتماعية ولا بعقود العمل.
تونس ـ تبلغ نسبة مساهمة المرأة التونسية في العمل غير المنظم 30 في المئة. ورغم أن هذه النسبة هي الأدنى مقارنة بباقي البلدان العربية والأدنى من مساهمة الرجال في هذا القطاع، إلا أن تناميها في السنوات الأخيرة يعكس غياب سياسات اقتصادية عادلة.
وحسب التقرير السابع لتنمية المرأة العربية لسنة 2019 الصادر عن مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث تحت عنوان “المساواة بين الجنسين في أجندة 2030: دور المجتمع المدني”، فإن العمل غير المنظم الذي يتميز بتدني الأجور وانعدام الحماية وغياب الظروف الصحية للعمل يشكل نسبة 50 في المئة من العمل الإجمالي بالبلدان العربية مع مساهمة أكبر للنساء فيه.
وتبلغ نسبة العاملات في القطاع غير المنظم بتونس والجزائر من إجمالي النساء العاملات على التوالي 30 و49 في المئة، في حين تسجل موريتانيا أعلى نسبة بـ87 في المئة يليها المغرب بـ83 في المئة.
كما تبلغ نسبة العاملات في القطاع غير المنظم بالسودان 77 في المئة، في حين تسجل مصر نسبة 59 في المئة فالعراق 52 في المئة، طبقا لما جاء في ذات التقرير الذي اعتبر أن المنطقة العربية تعد أكثر المناطق لا مساواة في العالم.
وأشار التقرير إلى أن مختلف هذه النسب تزيد خارج القطاع الحكومي وفي الزراعة.
وتعمل النساء الريفيات في تونس كمعينات دون أجر في الزراعة الأسرية، أو كعاملات موسميات بأجور متدنية، وفي إطار غير منظم ودون تغطية ضمان اجتماعي. وبينما يستوعب القطاع الزراعي الذي يوفر 9 في المئة من الناتج المحلي حوالي نصف مليون امرأة عاملة، 33 في المئة فقط منهن منخرطات في منظومة الضمان الاجتماعي.
وقالت سوسن الجعدي رئيسة فرع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمحافظة القيروان (وسط) “إننا نعيش وسط بلد لا توجد فيه سياسة اقتصادية عادلة بين الجهات (المناطق الداخلية) وبين المواطنين… وإن نسبة كبيرة من التونسيين يعملون في قطاعات هشة وغير منظمة أي خارج إطار القانون وخارج تشريعات العمل المعترف بها دوليا”.
وأضافت في ندوة افتراضية بعنوان “النساء العاملات في القطاعات الهشة: إلى متى الإقصاء والمعاناة؟” أن هذا النمط من العمل يأخذ حيزا كبيرا في الاقتصاد التونسي وأن النساء العاملات فيه هن الحلقة الأضعف حيث لا ينتفعن بالتغطية الاجتماعية ولا بعقود العمل.
وأشارت الجعيدي إلى أن هؤلاء النساء هن ضحايا العمل في القطاع غير المنظم، وضحايا الممارسات التمييزية ولا أدل على ذلك من أن النساء يمثلن نسبة 70 في المئة من العاملين في قطاع الزراعة ونسبة 75 في المئة من العاملين في قطاع النسيج.
وتعاني النساء الريفيات في تونس حالة من التهميش والدونية شكلت حياتهن اليومية. فنظرا لقلة الفرص المتاحة تتجه النساء الريفيات للعمل في قطاع غير منظم ويمكن أن يُعرّض حياتهن للخطر، ولكنه يدخلهن في نمط من العلاقات يجعلهن يصنعن نظاما من التبريرات السلوكية التي يفسرن من خلالها قبولهن لهذا النوع من العمل الذي يزيد من حالة التهميش التي يعشنها، والذي يجعلهن ضمن قائمة الفقراء الجدد بصيغة المؤنث.
وأوصى التقرير بضرورة أن تتمحور السياسات التنموية حول تمكين المرأة التي مثلت شريحة تتأثر بشدة بقصور وغياب أنظمة الحماية الاجتماعية أو التمييز الذي تتعرض له لاسيما عند الجمع بين متطلبات العمل بأجر في سوق العمل وبين انفرادها بالمسؤوليات المنزلية.
وجاء في التقرير في سياق متعلق بمنظور المساواة بين الجنسين في تونس، أن التقدم التشريعي في المجال لم يحصل تلقائيا بل كان يمثل موضع صراع سياسي وثقافي صريح، وأن تونس تعد المثال الأبرز لما أسماها بـ”حالة التوجه المتسق بين المستويين الحكومي والشعبي (منظمات المجتمع المدني والحركة النسوية والأحزاب السياسية) في مجال ترسيخ تحول نحو الحفاظ على حقوق المرأة المكتسبة”.
الحقوق الإنسانية
تسعى السلطات في تونس لمزيد ترسيخ حقوق المرأة، وخصوصا النساء الناشطات في قطاعات هشة وغير منظمة.
ومؤخرا وقعت إيمان الزهواني هويمل وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن، بمقر الوزارة، رفقة أسماء بن حسن رئيسة المعهد التونسي للعمل الشامل اتفاقية شراكة بين الوزارة والمعهد في مجال التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء الناشطات في قطاعات هشة وغير منظمة.
وتنصّ الاتفاقية على التعاون بين الطرفين بتفعيل الحقوق الإنسانية للمرأة بما يراعي المساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص تماشيا مع مقتضيات دستور 2014 والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية، ودعم حقوق المرأة وظروف العمل اللائق، ومناصرة حقوق النساء العاملات في القطاع غير المنظم في عدة قطاعات في مناطق التدخل.
الاتفاقية المبرمة بين وزارة المرأة والمعهد التونسي للعمل الشامل تنص على التعاون بين الطرفين بتفعيل الحقوق الإنسانية للمرأة بما يراعي المساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص
وتتعهد الوزارة بمقتضى الاتفاقية بالمشاركة في إعداد وتنفيذ الحملات التحسيسية حول ظروف العمل اللائق، والمساهمة في تحديد الحاجيات للتكوين والتدريب للنساء في القطاع غير المنظم، وتسهيل انتفاع النساء المنتفعات ببرامج الوزارة في مجال التمكين الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب تبادل المعلومات والمعطيات الإحصائية المستحدثة عن تطورات أوضاع النساء في القطاع غير المهيكل ونتائج البحوث والدراسات.
ويتعهّد المعهد بإعداد دراسة حول احتياجات النساء في القطاع غير المنظم حسب القطاعات والجهات، والقيام بحوارات محلية مع السلطات المحلية لتقديم مقترحات لتحسين وضعيات النساء، وتقديم التكوين والتدريب في مجالات اختصاصات المعهد وبالتنسيق مع مكاتب التشغيل، والقيام بحملات تحسيسية حول تحسين وضعيات المرأة العاملة في القطاع غير المنظم، بالإضافة إلى تنظيم وحسن تمثيل النساء المهمشات على غرار العملة غير المهيكلين واللاجئين والمهاجرين، وتسهيل سبل الحصول على قروض صغرى عن طريق الشراكة مع المؤسسات المعنية.
ويعد القطاع غير المنظم من أكثر القطاعات الاقتصادية هشاشة، فإلى جانب غياب الحماية الاجتماعية والتشريعية للعاملين في هذا القطاع وكثافة العمالة النسائية به، التي تتسم في غالبيتها بضعف المهارات، أتت جائحة كورونا لتشكل تحديا إضافيا للعاملات في هذا القطاع خاصة مع تدابير الإغلاق الشامل والجزئي التي اتبعتها الحكومات خلال هذا العام، الأمر الذي يدفع إلى اعتبار هذا القطاع هو الأكثر تضررا من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والصحية لجائحة كوفيد – 19 في العالم عموما وفي الدول العربية خصوصا.
وإذ يتسم القطاع غير المنظم بارتفاع الوزن النسبي للعمالة النسائية من القوة العاملة، خاصة في الأرياف، وحيث لعب تدني المستوى التعليمي للعاملات بهذا القطاع دورا في قلة إدراكهن بحقوقهن الاقتصادية والاجتماعية، يأتي الاهتمام بهذه الفئة الأكثر عرضة للتداعيات السلبية لجائحة كوفيد – 19، وما يتبع ذلك من إدخال التعديلات التشريعية الضرورية والالتزام بالمعايير التي تضمن للنساء العاملات في القطاع غير المنظم حقوقهن وتعزز مكاسبهن، إذ يمثل النهوض بعمل النساء وتحسين شروط عملهن هدفا مرجوا، تعمل أطراف الإنتاج في الدول العربية على بلوغه لإيمانها العميق بأهميتهن ودورهن الفاعل في بناء مجتمعاتنا العربية.
الاقتصاد غير المنظم
ورغم عدم وجود تعريف دقيق أو متفق عليه عالميا لمصطلح “الاقتصاد غير المنظم”، إلا أن هناك فهما واسعا يستوعب تنوعا في خصائص هذا الاقتصاد ومكوناته من عمال ومنشآت تتنوع وتختلف ظروفهم ومشاكلهم باختلاف السياقات الوطنية والريفية والحضرية.
ويمكننا الاستناد إلى تعريفات منظمتي العمل العربية والدولية باعتبار تخصصهما في شؤون العمل والعمال، حيث عرفت منظمة العمل العربية في المادة الأولى من التوصية العربية رقم 9 لعام 2014 “القطاع الاقتصادي غير المنظم” أنه “مجموعة الأفراد والوحدات التي تمارس أنشطة مشروعة وتنتج سلعا أو تقدم خدمات أو تقوم بتوزيعها، وتعمل لحسابها أو لحساب الغير دون تراخيص من الجهات المختصة ولا تشملها الحماية التشريعية أو الاجتماعية”.
كما عرفت نفس التوصية العمال غير النظاميين في مادتها الثانية بأنهم “من لا يخضعون لتشريعات العمل والتأمينات الاجتماعية النافذة”.
ويعود نمو الاقتصاد غير المنظم في المنطقة العربية إلى أسباب عديدة منها ماهو مرتبط بالتغيرات الاقتصادية العالمية وتأثيراتها على الاقتصاديات العربية ومنها ماهو مرتبط بطبيعة النمط التنموي المتبع في كل بلد. وكثيرا ما يرجع نمو الاقتصاد غير المنظم إلى اتباع سياسات التكيف الهيكلي وما فرضته من إعادة هيكلة القطاع العام أو ما سمي بالخصخصة واتخاذ تدابير اجتماعية غير ملائمة باعتبارها لم تركز على العمالة بشكل كاف، مما نتج عنه تسريح الآلاف من العمال وإخفاق في استعادة أعداد كافية من الوظائف الجديدة في الاقتصاد المنظم.
كما أن الهجرة الداخلية والنزوح من الأرياف إلى المدن في العديد من البلدان العربية بسبب نقص أو غياب الاستثمار في مشاريع تنموية مستحدثة للوظائف في الأرياف النائية تفسر كثافة العمالة النسائية في القطاع الزراعي.
وتجد العديد من الدراسات أن تمتع المرأة بقدر كاف من التعليم والانخراط في سوق العمل لهما مردود إيجابي كبير على مستوى النمو الاقتصادي. كما أن زيادة مشاركتها في سوق العمل تساعد على ترجمة النمو الاقتصادي إلى المزيد من المساواة بين الجنسين في العديد من مناحي الحياة.
وعلى الرغم من التقدم الحاصل خلال السنوات العشرين الماضية، لا تزال المشاركة الاقتصادية للنساء محدودة في كثير من بلدان العالم وخاصة النامية منها، كما لا تزال العديد من أسواق العمل تتعامل بتفاضلية فى مستوى الوظائف المعروضة، حيث اتسمت هذه الأسواق بصعوبة تحقيق المساواة بين الجنسين وضمان شروط العمل اللائق للنساء. ولا تزال مشاركة النساء في أسواق العمل العربية متفاوتة من بلد عربي إلى آخر، حيث سجلت نسبة البطالة بالنسبة إلى الإناث 7.16 في المئة كما ارتفعت نسب البطالة في صفوف الشابات في عام 2017 ليصل متوسطها إلى 13.39 في المئة، وهو ما يبين أن الشابات والنساء العربيات عامة عندما يبدين رغبة في الخروج إلى سوق العمل يواجھن صعوبات كبيرة في الحصول على فرص العمل سواء على ضوء الأوضاع الاقتصادية وما تفرضھا من ارتفاع لمعدلات البطالة أو لتنميط بعض الوظائف المعروضة في أسواق العمل، مما ينعكس بدوره على مستويات البطالة التي تعتبر مرتفعة بالقياس بالمعدلات العالمية.