تمكين الشباب رهان موريتانيا نحو المستقبل

المختصون في قطاع التنمية الدولية يجمعون على أن الاستغلال الأمثل للموارد والثروات يشكل خلطة سحرية لجاهزية أي بلد مهما كان لمواجهة الأزمات وتحقيق التنمية والرخاء.
الخميس 2025/01/09
رهان موريتانيا على شبابها خطوة مدروسة

في عالمنا المعاصر، حيث تبرز التحولات الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية بوتيرة متسارعة، يتعاظم دور رأس المال البشري كعامل حاسم في مواجهة الأزمات وتحقيق التنمية المستدامة. وسط هذا السياق، تبرز موريتانيا كدولة تمتلك واحدة من أهم المزايا الديموغرافية بشريحة شبابية تشكل أكثر من 70 في المئة من السكان، أي برأس مال بشري شاب. لذا، فإن تمكين الشباب ليس مجرد أولوية تنموية، بل هو رهان إستراتيجي يُحدد معالم مستقبل البلاد ضمن محيط جغرافي يطبعه عدم الاستقرار الأمني والسياسي ويواجه تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة، رغم كونها حالة استثناء في شبه المنطقة وخصوصا ضمن ما يصطلح على تسميته إلى عهد ليس بالبعيد بدول الساحل الخمس، والتي اكتوت مجتمعة بنار الحركات الإرهابية المتطرفة، ودخلت بعض أقطارها في تحولات وأزمات واضطرابات سياسية عسيرة.

ويجمع المختصون في قطاع التنمية الدولية على أن الاستغلال الأمثل للموارد والثروات يشكل خلطة سحرية لجاهزية أي بلد، مهما كان، لمواجهة الأزمات وتحقيق التنمية والرخاء، ولا يخفى على المتتبعين في هذا السياق الدور المحوري للموارد البشرية عموما وللطاقات الشبابية على وجه الخصوص.

لدينا إجماع على أن الشباب الموريتانيين هم الثروة الوطنية الأكثر أهمية على حد الإطلاق، وسيمكن الاستثمار في هذه الشريحة، سواء من خلال التعليم الجيد أو التدريب المهني وتعزيز ريادة الأعمال، من فتح آفاق جديدة لتحويل الاقتصاد الوطني من اقتصاد ريعي بموارد طبيعية بدائية ومحدودة إلى اقتصاد متنوع وأكثر تنافسية نسبيا. وأود الإشارة هنا إلى أن هذا الاستثمار أو بعبارة أخرى التمكين يجب أن يتجاوز المفهوم التقليدي للدعم الاقتصادي، ليشمل تعزيز دور الشباب في صناعة التنمية وتطوير السياسات العامة التي تؤثر بشكل مباشر على حاضرهم ومستقبلهم.

◄ رهان موريتانيا على شبابها هو خطوة مدروسة نحو مستقبل أفضل، لكن النجاح في تحقيق هذا الهدف يتطلب تضافر جهود الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني، والفاعلين الشباب أنفسهم

رغم المؤشرات الإيجابية على الإمكانات والموارد الطبيعية الهائلة، إلا أنها تصنف بين الدول النامية والأقل نموا، وبذلك تواجه موريتانيا تحديات جمة في مسيرة تمكين الشباب، مثل ارتفاع معدلات البطالة، تفاوت الفرص بين المناطق الحضرية والريفية، وضعف المهارات المتخصصة، إلا أن هذه التحديات يمكن أن تتحول إلى فرص مع الرؤية الجديدة المعلنة لقيادة البلد ومن خلال سياسات صارمة، مبتكرة ومتكاملة.

وتشمل تلك السياسات دعم برامج التدريب المهني المرتبطة بسوق العمل، تحفيز إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز البنية التحتية الرقمية لتوفير فرص متكافئة للشباب في كل مناطق البلاد.

ومع انتشار التكنولوجيا الرقمية، يمتلك الشباب الموريتانيون فرصة استثنائية لولوج الأسواق الإقليمية والعالمية من خلال الابتكار وريادة الأعمال. دون أن ننسى أن المبادرات الهادفة إلى تمويل الشركات الناشئة وتقديم الإرشاد اللازم أصبحت ضرورة لتحقيق هذه الطموحات. فالاقتصاد الرقمي يمثل اليوم المحرك الأساسي للتحولات الاقتصادية العالمية، ويمكن أن يكون أداة فعالة لخلق فرص عمل مستدامة للشباب، وزيادة الاعتماد على اقتصاد المعرفة.

تمكين الشباب في موريتانيا جزء محوري من رؤية وطنية طموحة تستحق الإشادة والدعم، تبناها رئيس الجمهورية المنتخب لفترة رئاسية ثانية محمد ولد الشيخ الغزواني منذ أشهر معدودة، والذي جعل من تمكين الشباب إحدى ركائز برنامجه الوطني. فهذا البرنامج، أو الرؤية الإستراتيجية، يؤكد قناعة القيادة السياسية بأن الشباب ليسوا فقط أمل المستقبل، بل هم القوة الدافعة لتحقيق التنمية والاستقرار في الحاضر.

إن رهان موريتانيا على شبابها هو خطوة مدروسة نحو مستقبل أفضل، لكن النجاح في تحقيق هذا الهدف يتطلب تضافر جهود الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني، والفاعلين الشباب أنفسهم، حيث لا يستقيم لتمكين الشباب أن يكون مشروعا فرديا، بل يجب أن ينظر إليه كتوجه وطني شامل. ومع التزام الجميع بتحقيق هذا الهدف، يمكن لموريتانيا أن تصبح نموذجا تنمويا رائدا باستثمار رأس مالها البشري، وقصة نجاح تستحق أن يُحتذى بها على المستويين الإقليمي والدولي.

8