تمساح وقرد وإمبراطور
لا يوجد ما هو أكثر تعقيدا من دماغ الإنسان، ذلك العضو المركب الذي مازال محاطا بالكثير من الغموض، فبالرغم من اكتشافات عظيمة في السنوات الأخيرة، إلا أن العديد من طرق ووسائل عمله بقيت تحير العلماء إلى يومنا هذا، وتثير اهتمام وفضول الباحثين والدارسين.
ولأن الدماغ هو العضو الذي يمكننا من تكوين صورة عن الكون وعن الآخرين، وإنتاجه الفكري هو وسيلتنا للتفاعل مع كل ما حولنا، نجد كل حقل من حقول المعرفة الإنسانية يستخدم مثالا أو تشبيها لوصفه وتوضيح طريقة عمله.
أكثر التشبيهات والأمثلة التي تعجبني لدماغ الإنسان، هو ذلك الذي يستعمله بعض رواد الأعمال، فهم يشبهون دماغ الإنسان بمركبة لها ثلاث قمرات قيادة مختلفة، بعضها فوق بعض، وفي كل قمرة يوجد سائق مختلف، السائق في القمرة الأولى السفلية تمساح، وفي القمرة الوسطى السائق قرد، والقمرة العليا الثالثة يجلس في مقعد القيادة إمبراطور.
الثلاثة السائقين لا يعملون في نفس الوقت، فقط سائق واحد يعمل ويتعطل الإثنان، أولوية القيادة من الأسفل إلى الأعلى، إن عمل التمساح تعطل القرد والإمبراطور، وإن لاحظنا أن الإمبراطور يتولى القيادة عرفنا أن القرد والتمساح نائمان.
التمساح سائق الدماغ البدائي والفطري، القديم والبسيط، الساذج والجاهل، همه الأساسي النجاة وإبقاء صاحبه على قيد الحياة. مدافع شرس وخطير إن شعر بالخوف أو التهديد، قليل الحركة وكسول، يرى العالم بشكل مشوه، يؤمن بالحظ والفرص التي تهبط من السماء دون عناء، يعتقد أنها تشبه الذباب تطير في الهواء أو كالأسماك تسبح في الماء من حوله، يعتقد أن كل ما يجب فعله هو الحفاظ على السلامة والانتظار دون حركة فاتحا فكيه متحينا لحظة طيران ذبابة أو مرور سمكة من بين فكيه لكي يطبق عليها بسرعة غريزية فائقة.
السائق القرد في الوسط، ما بين التمساح والإمبراطور، كائن وظيفي عملي لعوب، يرى العالم وكل شيء كعقبات وتحديات وحواجز يجب أن يحاول اجتيازها باستمرار. الحياة بالنسبة إليه مدينة ملاه، تثيره الأشياء التي تلمع وتبرق، يعشق أن يقضي وقته صاعدا وهابطا على قطار ملاهي العواطف.
أما السائق الثالث والأخير، والذي لا يعمل إلا إذا تم تأمين احتياجات التمساح فارتاح ونام وتوقف عن القيادة، وكذلك القرد أعطى كل ضمانات اللهو واللعب فنام ورفع يديه عن المقود، الإمبراطور أو الإنساني هو الجزء من الدماغ المعني ببناء الإمبراطوريات. الإمبراطور يتخيل العالم ويراه كشبكة مذهلة متصلة ومتواصلة بعمق هائل، يرى كل شيء مرتبط بالآخر يفسره أو يفسر به. هذا الجزء من الدماغ يمكن الإنسان من التعاطف مع الآخرين، ومن استعمال المنطق في الربط بين الأشياء وتحليلها والوصول إلى وعي عال. عنده القدرة على أن يحب الكون ويعشق العالم بلا حدود.
لا تسمح للتمساح والقرد بتولي القيادة، اجعلهما يشعران بالأمان وينامان بهدوء وأطلق يدي الإمبراطور الإنسان ليرى العالم ويعشقه.