تمر حكومة الجملي أو لا تمر؟ خياران أحلاهما مر

الرجل يحاول أن يبرهن للناس أن قراره مستقل وأنه ذاهب به إلى أبعد الحدود وإن كان الثمن السقوط المدوي لحكومته في مجلس نواب الشعب.
الخميس 2020/01/09
أمام طريقين لا ثالث لهما

باستثناء الطبقة السياسية المعنية بالحكم وهي العارفة ولو نسبيا بالنتيجة مسبقا، فإن الكل في تونس يعدّل عقارب ساعته على موعد عرض الحبيب الجملي لحكومته أمام البرلمان لنيل الثقة ومن ثمة النظر في ما يمكن تعديله من حقائب وزارية في ضوء ما تشترطه الأحزاب التي ستمنحه الثقة وفي مقدمتها حركة النهضة.

لا سؤال في الشارع التونسي سوى عمّا ستؤول إليه نتائج التصويت في البرلمان على حكومة الجملي بعد ماراثون طويل من المشاورات والمناورات التي تحوّلت في غالبها إلى مصدر لتندر يومي بين التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي، ليغزو بعد ذلك سؤال واحد مختلف المحامل الإلكترونية “ستمر أو لا تمر؟”.

إلى آخر الدقائق يتشبث الحبيب الجملي بأنه سيعرض تشكيلة حكومته كماهي بلا نقصان أو زيادة وهذا في حد ذاته لا يعد إنجازا بحكم أن الدستور يمنعه من أي تعديل. يحاول الرجل أن يبرهن للناس أن قراره مستقل وأنه ذاهب به إلى أبعد الحدود وإن كان الثمن السقوط المدوي لحكومته في مجلس نواب الشعب.

على عكس ما تسوقه حركة النهضة التي بدت مواقفها الداخلية مختلفة بين جماعة الغنوشي ومعارضيه أي بين الصقور والحمائم، فإن الجملي يبدو الأكثر انتشاء وهو الذي يقول في سره، إن مرّت الحكومة فسيكون لمواقفي الرافضة لقيادات نهضوية تطالب بتعديلات على تركيبة الحكومة آثار جيّدة ترسّم استقلاليتي خلال فترة حكمي وإن لم تمر فإني سجّلت موقفا ربما يدعم شعبيتي.

يذهب الجملي إلى البرلمان وهو يدرك أنه يدخل قصر باردو بيدين مرتعشتين لم تضمنا بعد بصفة نهائية العدد الكافي من النواب الذين يمنحونه الثقة، إذ يعي الرجل أن خسارته لأصوات حزب قلب تونس، الذي يستعد بعد مفاوضات مع خصم الأمس تحيا تونس الذي يترأسه يوسف الشاهد للانضمام إلى الترويكا السياسية الداعية إلى حكومة الرئيس والمكونة أساسا من أحزاب حركة الشعب والتيار الديمقراطي وتحيا تونس، تعني خروجه نهائيا من قائمة المرشحين للحكم.

تتراكم فرضيات مرور الحكومة وتتزاحم في مشهد سريالي لا يعرف إلى الآن حدوده سوى الأحزاب التي تتقارب حينا وتتباعد حينا آخر، ليبقى مصير حكومة الجملي رهينا بيد حزب قلب تونس الذي تغريه مسألة حكومة الرئيس التي قد تمكنه من دفع النهضة في نهاية المطاف إلى صف المعارضة مثلما وعد بذلك نبيل القروي سابقا في شهر نوفمبر الماضي، حين قال “ليس معناه أن تفوز النهضة أنها التي ستحكم”.

في كل هذا الزحام، سيكون الجملي في طريقين وخيارين أحلاهما مر، فإن حصل على ما يريد وتمت المصادقة على حكومته، فإنه سيلقى حتما في ضوء المشاحنات السياسية نفس المصير الذي آل إليه من قبله رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد الذي كان بدوره نتاجا لزيجة توافق بين نداء تونس والنهضة في عام 2014، توافق لم يكن صلبا بل أملته حاجة الصندوق ورغبة تمرير الحكومة آنذاك ومن بعد ذلك تم النظر في المسألة بطرح موضوع تشكيل حكومة جديدة على طاولة مفاوضات موسعة.

منذ البداية كان رهان أهم الفاعلين المتمرسين بالفعل السياسي كحركة النهضة أو اتحاد الشغل لدى صدور نتائج الانتخابات التشريعية هو تشكيل حكومة مهما كانت الظروف ومن بعدها لكل حادث حديث، تصور زاد في تأكيده الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي الذي قال، الأربعاء، “أخلاقيا ودستوريا يجب تمرير حكومة الجملي أو إرجاع البلاد للشعب”.

حين نجح الحبيب الصيد في 2014 في نيل ثقة البرلمان، هلّل الحزام السياسي المساند له بحكومة يقودها “تكنوقراط”، لكن ما الذي حصل بعد عام فقط؟ الكل تخلى عنه أحزابا ومؤسسات بما في ذلك الراحل الباجي قائد السبسي الذي اختار الذهاب إلى حكومة سياسية مغلفة بحكومة وحدة وطنية يقودها إلى الآن بمنطق تصريف الأعمال يوسف الشاهد.

لو فرضنا أن الجملي سيكذّب كل التكهنات وسينجح في خوض التحدي بخروجه من البرلمان منتصرا ومحيطا نفسه بحزام سياسي لم يكن في الحسبان، ماذا سيحصل؟

إن مهمته ستكون أصعب مما قد يتصور، فأول حرب ستخاض ضده ستكون من أقرب داعميه حركة النهضة التي ستذهب وهي تستعد في هذا العام لعقد مؤتمرها الحادي عشر لإرضاء الغاضبين من قيادة الغنوشي وذلك بالعودة إلى النقطة الصفر عبر الدعوة إلى تشكيل حكومة سياسية تكون قادرة على الصمود أمام معارضة مؤهلة لأن تكون على غير العادة صلبة ومتينة كما ونوعا.

أما في أقصى الحالات، فإنه إن تواصل الوضع على ما عليه وأدار غالبية النواب ظهورهم للجملي في قصر باردو، فإن مسألة المرور إلى حكومة الرئيس لن تكون بدورها مضمونة بل سيعاد، إن تم اللجوء إلى الرئيس قيس سعيد لتكليف من يراه مناسبا بتشكيل الحكومة وعلى الأرجح أنه سيكون في ضوء الكواليس يوسف الشاهد، نفس المشهد الضبابي الباحث عن توافقات سياسية ربما تحضر وربما تغيب.

إن تواصل انعدام الثقة بين الأحزاب السياسية الراقصة على كل الحبال والمنقلبة على مواقفها بين لحظة وأخرى، قد يؤدي إلى القفز على كل المراحل التي ينص عليها الدستور بما في ذلك حكومة الرئيس ليزداد الوضع قتامة وخطورة ستؤدي إلى المزيد من إضاعة الوقت باللجوء إلى انتخابات تشريعية مبكرة غير موثوق بتوافد الناخبين عليها وهم الذين قد يفقدون آخر ما تبقى من قليل ثقتهم في النخبة السياسية إلى الأبد.

7