تلك المطبّات كم أحبذها

اليوم سيخط غاريث ساوثغيت أو زلاتكو داليتش فصلا جديدا من التاريخ المجيد، اليوم سيكون الموعد مع منافسة قوية للغاية ضمن الدور نصف النهائي لكأس العالم بين المنتخبين الإنكليزي والكرواتي من أجل كتابة فصول جديدة من المجد الكروي الذي لن ينسى.
قطعا كل الحديث سيكون مركزا على الأداء الغزير المتوقع من قبل لاعبي المنتخبين، سيكون الكل مندفعا بحماس ولهفة “لالتهام” طبق كروي دسم بين مدرستين أظهرتا براعة لافتة في هذا المونديال، الكل قد ينقسم بين مساند لأسلوب المدرسة الإنكليزية التي استعادت فجأة بريقها القديم وقدمت عروضا مقنعة وقوية إلى حد الآن فتقدم منتخب “الأسود الثلاثة” بخطى واثقة إلى مربع الذهب، وآخر مشجع لطريقة المدرسة الكرواتية المبنية على القدرات البدنية المتميزة والانضباط الفني والتكتيكي الممتع.
سيصطف الجميع خلف نجوم زادت نجوميتهم وتضاعف توهجهم في هذا المونديال، وآخرون سطع نجمهم وباتوا مشاهير بعد تألقهم اللافت في هذه المحفل الكروي الكبير.
اليوم سيتابع العالم الكروي هذه السهرة الواعدة للغاية بين كتيبة إنكليزية يقودها هداف الدورة إلى حد الآن هاري كين بمعية ثلة من اللاعبين الرائعين والواعدين مثل ديلي آلي وإيريك داير وستيرلينغ والاكتشاف الجديد ضمن منتخب إنكلترا ماغوير، و”ترسانة” كرواتية ضمت لاعبين يشكلون جيلا ذهبيا منح السحر والرونق من جديد لكرواتيا، لاعبون من الصف الأول في كوكبة نجوم العالم مثل صاحب القميص رقم 10 مع ريال مدريد لوكا مودريتش ونجم خط وسط ميدان برشلونة إيفان راكيتيتش ومهاجم اليوفي ماندوزيكتش.. والقائمة تطول لكنها تتسع لثلة من اللاعبين الرائعين حملوا لواء الكرة الكرواتية وقدموا عروضا مذهلة طوال منافسات هذه البطولة.
لا أحد يمكن أن يتكهن بنتيجة هذا النزال الحاسم والتاريخي، فعلا هو حوار سيدخل الفائز خلاله بوابة التاريخ المشرف لمنافسات كأس العالم، فالمنتخب الإنكليزي إن كتب له الفوز سيجدد العهد مع نهائي خالد وسرمدي بعد غياب طال انتظاره، غياب دام 52 سنة بالتمام والكمال، أما المنتخب الكرواتي فانتصاره في هذا اللقاء سيجعله يتجاوز منطق التاريخ، وسيمنحه بطاقة حضور شرفية في نهائي أسطوري في البطولة المجيدة، بطاقة لا ينالها سوى قلة قليلة من المحظوظين.
وضع معقّد وصعب ومهمة شبه مستحيلة دفعت القائمين على الكرة الكرواتية إلى إقالة المدرب السابق شاشيتش والاستعانة بخدمات داليتش الذي لا يملك خبرة تدريبية كبيرة
بيد أن هذه المعركة التاريخية لن تكون حكرا على اللاعبين الفاعلين فحسب، بل هي في الأصل “معركة” بين مدربين يتّقدان حماسا وشوقا لتخطي كل المطّبات ونزع كل الأشواك من الطريق الطويل، ذلك الطريق المؤدي إلى مجد ملحمي أسطوري.
ساوثغيت وداليتش وجها لوجه، مدربان غيّرا مسار التاريخ وكتبا إلى حد الآن فصولا من قصص النجاح في استثمار المطبّات فتجاوزا رياح الشكوك بدقة متناهية، مدربان استغلا بكل حكمة وشغف الظروف الصعبة ليكتبا فصلين رائعين في مسيرتيهما التدريبية..
مدربان خدمتهما الظروف والمطبّات ليقدما أوراق اعتمادهما ضمن قائمة المتفوقين والنجباء في عالم الخطط التدريبية والفنية. خطوة صغيرة للوراء ستكشف دون شك هذا الطريق “العظيم” الذي سار على دربه كل من ساوثغيت وداليتش ليتوليا تدريب منتخبي بلديهما في أجواء تسودها الأهوال والمخاطر، لكنهما نجحا وواصلا السير ليصلا إلى روسيا عبر طريق معبدة بل مفروشة بالورود وكل ألوان الأمل والأحلام الجميلة.
قبل سنتين، قادت الأقدار اللاعب الدولي الإنكليزي السابق ساوثغيت لتدريب منتخب بلاده مؤقتا، كان مدربا مساعدا لمواطنه سام ألاردايس، لكن تورط الأخير في فضيحة فساد، لم يكن بالوسع تعيين مدرب جديد فأوكلت المهمة لساوثغيت للإشراف على تدريب المنتخب الأول إلى حين إيجاد مدرب جديد.
غير أن ساوثغيت أظهر براعة غير مسبوقة، نجح في التواصل بشكل لافت مع اللاعبين، فحقق معه منتخب “الأسود الثلاثة” نتائج ممتازة في التصفيات، نتائج دفعت الاتحاد الإنكليزي إلى الكف عن البحث عن مدرب جديد، فما دام ساوثغيت موفقا سيواصل المهمة، ليتم منحه كل الصلاحيات خاصة وأنه يتمتع بثقة الجميع، وهو بدوره وعد بتغيير الواقع الأليم للمنتخب الإنكليزي، تعهد بتجاوز “لعنات” التاريخ ونسيان الصفعات المتتالية التي تلقاها هذا المنتخب عبر السنوات الطويلة.
اليوم أصبح على بعد خطوة بسيطة لنيل الاستحقاق الكامل والشرف الكبير، لقد نجح في الاختبار وأثبت أنه مدرب غير كل المدربين السابقين، لقد طوّع كل الظروف وانتهز المطبات كي يثبت أنه الأفضل والأقدر لقيادة هذا الجيل الذهبي لمنتخب بلاده.
أما ذلك المدرب الكرواتي داليتش، فإنه تقمص دور المنقذ فأثبت بدوره أنه مدرب “انتهازي” يحذق التعامل مع الظروف الصعبة والمطبات، فمنذ أقل من عام كان شبح الخروج من تصفيات كأس العالم يهدد المنتخب الكرواتي، لقد سقط في المراحل الأولى من التصفيات بتعادل مخيب على ملعبه ضد منتخب فلندي متواضع، خسر مركزه الأول قبل جولة وحيدة من نهائيات المنافسات.
وضع معقّد وصعب ومهمة شبه مستحيلة دفعت القائمين على الكرة الكرواتية إلى إقالة المدرب السابق شاشيتش والاستعانة بخدمات داليتش الذي لا يملك خبرة تدريبية كبيرة للغاية باستثناء نجاحه مع أندية خليجية أبرزها العين الإماراتي والهلال والفيصلي السعوديين.
لكن داليتش أجاد الدور، كان متمرسا فقاد منتخب بلاده إلى المرور للنهائيات عبر مباراة الملحق الأوروبي، ثم ينهمك بعد ذلك في إعداد فريق قوي للغاية قدم عروضا رائعة وممتعة في هذا المونديال، لقد استحق هذا المدرب أن ينال العلامة الكاملة، استحق أن يسير على درب ساوثغيت الإنكليزي. لكن اليوم سيكون المطب الأخير محل تنافس بين المدربين، فمن يتجاوزه سيقول بلا شك كم أحبذ هذه المطبات.