تكنولوجيا التعرف إلى الوجه تقنية واعدة لاتخلو من أخطار

مخاوف تحيط باستخدامات تقنية التعرف على ملامح الوجه، وتكييف إنفاذ القوانين لتتأقلم مع أنظمة المراقبة الحديثة بات ضرورة.
الاثنين 2019/11/25
قدرات هائلة للتكنولوجيا على اختراق الحياة الشخصية

يطرح الانتشار المتزايد لتكنولوجيا التعرف على الوجه العديد من الأسئلة المتعلقة أساسا بسياسات الخصوصية وحماية المعطيات الشخصية، إلى جانب التعرض لمناقشة فكرة ما إذا كانت القوانين الحالية كافية لمعالجة المخاوف بشأن انتهاك الحياة الخاصة للأشخاص في ظل الاستعمال المتزايد لأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تساعد على التعرف على الوجه وكشف الهوية.

لندن – أصبحت التكنولوجيا جزءا مهما من الحياة اليومية للأشخاص بالنظر إلى الكيفية المتسارعة التي تتطور بها، ومن بين أبرز الأمثلة على ذلك توفر الكثير من الهواتف الذكية والتطبيقات الإلكترونية على خيار استعمال التعرف على ملامح الوجه كبديل لكلمة العبور وهو ما يوفر طريقة مناسبة وسهلة للتثبت من الهوية الحقيقية للشخص.

لكن هذه الخدمة ورغم ما توفره من راحة للمستخدم، فهي في نفس الوقت مصحوبة بتكلفة قد تكون باهظة في البعض من الأحيان إلى جانب التخوف من كيفية عملها بالضبط وهوية بقية الأطراف الذين يمكنهم الدخول إليها وما الذي يمكن فعله بها.

وبحسب الخبراء تتمثل إحدى أولى استخدامات تقنية التعرف على ملامح الوجه في تكنولوجيا عسكرية استخدمها الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان.

وفي وقت سابق من هذا العام، أجرت شرطة مدينة لندن اختبارات لاستعمال تكنولوجيا التعرف على الوجه في تجربة أثارت جدلا كبيرا.

وتتفرد المملكة المتحدة بوضع غير اعتيادي، مقارنة ببلدان أخرى، حيث يتسامح الناس مع المستويات العالية من المراقبة الأمنية، فهذا البلد لديه أعلى مستوى من كاميرات المراقبة لتحركات كل فرد مقارنة بأي بلد غربي آخر.

حجم الضرر من تآكل الخصوصية غير معروف في حال وقعت تكنولوجيا التعرف على الوجه في الأيدي الخطأ

وكثيرا ما يصاب الزائرون للمملكة المتحدة القادمون من البلدان الأكثر احتراما للخصوصية، مثل ألمانيا، بالصدمة من كون الناس لا يبدون متخوفين أو قلقين من هذا الأمر.

ومن الطبيعي أن تتطور هذه الكاميرات لتصبح أكثر ذكاء وتتمكن من التعرف على ملامح أشخاص في أماكن مختلفة. وفي الصين اشتعل جدل واسع حول الائتمان الاجتماعي وحقيقة أنه مع تطور تقنية التعرف على ملامح الوجه أصبحت السلطات تستغل ذلك لتتبع الناس في أماكن مختلفة إذ يمكن ربطهم بمواقع أو أنشطة معينة ويمكن الحكم عليهم من خلال هذه الأنشطة.

ويقول المنتقدون لتقنية التعرف على الوجه إنه يتم استعمالها في ظل فراغ قانوني، خاصة عندما تصبح الخطوط الفاصلة بين القطاعين العام وشركات القطاع الخاص التي تستعمل هذه التكنولوجيا غير واضحة. ويقترح هؤلاء ضرورة تدارك القوانين والسياسات الحكومية أمرها لتواكب التقدم السريع للذكاء الاصطناعي توفره على خدمة التعرف على ملامح الوجه.

وأقرت هيئة سن قوانين حماية المعطيات العامة في أوروبا إجراءات حماية صارمة للبيانات الشخصية ومعالجة المعطيات الخاصة الحساسة مثل السجلات الطبية وسجلات الأطفال.

وفي هذا الصدد، هناك عقوبات صارمة. ويجب على المنظمات التي تعالج هذه البيانات، سواء كانت خاصة أو عامة، اتخاذ التدابير الأمنية المناسبة والتأكد من أنها تقوم بمعالجة البيانات وفقا لمبادئ الحماية اللازمة.

وبالتالي فإن الأمر لا يتعلق بفراغ قانوني بالفعل، بل نوع من الفراغ الاجتماعي.

وعي مجتمعي

مراقبة متطورة
مراقبة متطورة

عندما يتعلق الأمر بعدد كبير من التقنيات، وليس فقط بتكنولوجيا التعرف على الوجه، نترك للمجتمع فرصة اختبارها، لكن لا يمكن أن يعرف حقا التأثير الناجم عن التعايش مع هذه التكنولوجيات، أو ما الذي يمكن أن يحدث إذا وقعت في الأيدي الخطأ، أو حتى حجم الضرر الناتج عن تآكل الخصوصية بمقدار 360 درجة.

بالإمكان عادة تكييف تطبيق القوانين لتتأقلم مع الأوضاع والمستجدات، لكن ما لم يحدث بالفعل هو إطلاق نقاش مجتمعي واسع لا يقتصر فقط على السياسيين والمحامين والمتخصصين في التكنولوجيا، بل يشمل قاعدة مجتمعية أوسع تنظر في مسألة ما إذا كان هذا الاتجاه اتجاها جيدا لنسير فيه.

ويعتمد هذا الأمر على مدى وعي المواطنين من فئات الشعب المختلفة بأهمية وضرورة طرح النقاش حول تحديات أنظمة التعرف على الوجه وكشف الهوية.

ويملك مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي (أف.بي.آي) واحدة من أكبر قواعد بيانات التعرف على الوجه، تتكون من حوالي 640 مليون صورة من رخص القيادة وجوازات السفر وصور المشتبه بهم. ويعد حوالي واحد من كل ثلاثة أميركيين جزءا من قاعدة البيانات هذه.

ويطرح حجم البيانات التي تتضمنها تكنولوجيا التعرف على الوجه التساؤل حول عواقب هذه التقنية على الخصوصية وعلى حرية التعبير. وأصبح الاعتماد على تكنولوجيا التعرف على الوجه جزءا من نزعة عامة في هذا العصر.

وليست الدولة الوحيدة التي تعمل بهذا النظام بل إن شركات القطاع الخاص بدورها تعرف تقريبا عن الناس أكثر مما يعرفون عن أنفسهم، الجميع يعيشون مع أجهزة مثل ألكسا أو سيري وغيرها وهي أنظمة ذكاء اصطناعي تتنصت عليهم على الدوام.

وبالرجوع إلى عهد الحرب الباردة، كانت “ستازي” في ألمانيا الشرقية إحدى منظمات التجسس الأكثر تنظيما وانتشارا على الإطلاق إذ كانت لديها أطنان من الملفات والوثائق مخزنة تتضمن بيانات كل فرد من السكان تقريبا لكن لم تكن تتوفر لديها المعلومات عن الأشخاص بشكل سهل وبسيط مثلما يتوفر حاليا للديمقراطيات الليبرالية الغربية بفضل التكنولوجيا الحديثة وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي.

تبادل البيانات

بيانات مكشوفة
بيانات مكشوفة

في الولايات المتحدة ليست هناك قاعدة البيانات التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالية فحسب، إذ بالرجوع إلى ما كشفه إدوارد سنودن عميل الاستخبارات الأميركية السابق هناك تبادل للبيانات على نطاق واسع بشكل كبير بين الشركات الخاصة والحكومات.

وذكر تقرير نشره موقع معهد “تشاتام هاوس” البريطاني، وهو مؤسسة بحثية مختصة في الشؤون الدولية تساعد الحكومات والمجتمعات على تعزيز الأمن والاستقرار، “نحن هنا إزاء وضع غريب لأن الناس يعلمون بذلك (مسألة انتهاك الخصوصية) لكن لا يبدو أنهم منزعجون منه”.

وقد تكون المجتمعات بصدد التغير بخصوص ما هم مستعدون لتحمله وبخصوص ثقتهم في الدولة، أو أنهم لم يتخيلوا أو لم تتم مواجهتهم في ما يخص الضرر الذي يلحق الحريات الفردية من جراء استعمال تكنولوجيا التعرف على الوجه.

هؤلاء أيضا واثقون أكثر في نزاهة أنظمة الكمبيوتر وهي ثقة لا تكون دائما في محلها، فضلا عن أن نزاهة المعطيات هي شيء لا يتكلم عنه الناس حقا.

وإذا قررت اختراق منظومة وتأطير أحدهم أو زرع معلومات عنه بطريقة رقمية فلن يشكك في ذلك أحد حيث تبين بعض الدراسات أن الناس يكونون أكثر استعدادا لطاعة كمبيوتر دون تردد من استعدادهم لطاعة أشخاص آخرين، وهو ما يحمل الكثير من التداعيات.

وتعد تقنية التعرف على الوجه أكثر تقدما وانتشارا في الصين، وشركات مثل “علي بابا” و“تينسانت” و“بايدو” تملك كميات كبرى من المعطيات الشخصية من الشعب الصيني البالغ عدده 1.4 مليار نسمة.

وتختلف النظرة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الصين مقارنة بالبلدان الغربية. ولتفسير ذلك، تعتقد أفينا أن هناك معايير اجتماعية مختلفة ونظام حكم مختلف وهو ما يجعل الشيء العادي في الصين يختلف عما قد يكون عاديا في الغرب.

وهناك أيضا الكثير من أوجه الشبه في طريقة تطور التكنولوجيا وفي طريقة استخدامها.

وهناك استحواذ على أكبر قدر من المعطيات في حدود الممكن، وذلك مفهوم بالنظر إلى المطلوب لإخراج الذكاء الاصطناعي من مجرد مطالبته ببلوغ شيء يكون عمليا حقيقة، إذ يستوجب الأمر تدريبه على مجموعات معطيات كبرى لدى الحكومات والجيوش والقطاع الخاص ليكون ذلك حافزا حقيقيا لجمع أكبر قدر من المعلومات من مصادر مختلفة حتى يمكن تطوير هذه التكنولوجيات.

وهناك ردة فعل ثنائية القطب تقريبا من الصحافة والأفراد معا، حيث يخشى كل منهما من أي شيء جديد بصفة آلية، رغم العديد من الاستعمالات للذكاء الاصطناعي والبيانات الكبرى (بيغ داتا) التي يمكن أن تساعد في حل الكثير من مشكلات العالم مثل التغير المناخي وفهم العالم بشكل أفضل والمشكلات الأساسية المتعلقة بالدفاع السيبراني التي يمكن معالجتها بواسطة حلول الذكاء الاصطناعي.

وفي حين يتعامل البعض مع التكنولوجيا بحذر، يقبل البعض الآخر على التقنيات الحديثة دون تفكير تقريبا.

تقنية بوجهين

التقنية تعرف عنك أكثر مما تعرف عن نفسك
التقنية تعرف عنك أكثر مما تعرف عن نفسك

يقول كاتب تقرير معهد “تشاتام هاوس” إن مسألة الخصوصية على الإنترنت تشغله ومع ذلك يتوفر هاتفه المحمول على تقنية التعرف على الوجه، ويعترف بأنها “ملائمة فعلا”. وهو يستشهد بتجربته الشخصية ليبين أن ما يقوله الناس وما يفعلونه لا يتطابقان دائما.

ورغم حالات تخوف من التغيير الرقمي، لا يفقه أغلب الناس تبعات عهد التقدم التكنولوجي فائق السرعة الذي نعيش فيه. وتبدو حوكمة هذه التبعات ضعيفة إلى الحد الأقصى، فيما لا توجد حوكمة دولية لكل التكنولوجيات.

كل هذه المخاوف والتحفظات تجعل الكثيرين يعتبرون أن الوضع الحالي للإنسان، باعتبار القدرات الهائلة للتكنولوجيا على اختراق حياته الشخصية، يبدو بعيدا جدا عن المثالية.

وفي السنوات الأخيرة، أطلقت النقاشات الكبرى المتعلقة بالخصوص بالذكاء الاصطناعي والأخلاق وبدأت ثمار الجهود الفردية والجماعية والسياسات الحكومية تنضج، لكن الخبراء لا يزالون يتساءلون رغم كل الإنجازات التي تحققت عن مدى تأثير هذه النقاشات العامة على طرح الذكاء الاصطناعي وما إذا كان بإمكانها تأجيله.

ويؤكد التقرير أن “الأمر دائما يرتبط بالناس لكن لا يتعامل معه (الذكاء الاصطناعي) جميع الناس بطريقة متوازنة”.

12