تكتيكات جماعة نصرة الإسلام صداع يؤرق دول الساحل الأفريقي

حملات الجهاديين المنسقة في المنطقة قد تفاقم إرباك قوة برخان وتعقد من مهمة محاربتها.
الاثنين 2021/01/11
مكافحة تهديدات الجهاديين بحاجة لرؤية أقوى وأشمل

تفاعلا مع ارتفاع منسوب العمليات الإرهابية في الساحل الأفريقي على القوات الحكومية وقوة برخان، رغم الخطة المتبعة للتصدي للمتطرفين، يجادل الباحثون في أنشطة الحركات الجهادية في الإشارات، التي أرسلتها خلال الفترة الأخيرة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة عبر عمليات مباغتة. إذ يبدو أنها على استعداد لفتح العديد من الجبهات من أجل تشتيت الأنظار حولها، حتى أن الدخول معها في معركة سيكون مجرد استنزاف للقوة ولن تحقق أهدافها.

باريس - يتفق المختصون في الحركات الجهادية على أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية لتنظيم القاعدة المتطرف في الساحل الأفريقي، أصبحت طرفا أساسيا في النزاع الإقليمي في ظل صعوبة تحقيق السلام من دونها أو اجتثاثها بسبب حيازتها على دعم محلي ومراكمتها قدرات ميدانية.

وظهرت هذه الجماعة المتشددة لأول مرة في مارس 2017، حينما أعلنت في شريط فيديو عن اندماج أربع حركات مسلحة في مالي ومنطقة الساحل هي أنصارالدين وكتائب ماسينا وكتيبة المرابطون وإمارة منطقة الصحراء الكبرى، وهي تنظيمات تمتلك خبرات في تنفيذ الضربات الموجعة لخصومها.

وتتبنى الجماعة عقيدة مغايرة لجماعات منافسة تنشط في المنطقة، وقالت عقب هجوم استهدف جنودا فرنسيين في قوة برخان قبل أيام إن “الجهاد الذي تقوم به لم يوجه ضد الشعب”، وتوعدت بالانتقام. ومن الواضح أن المجموعة تشير إلى تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، أكبر منافسيها في المنطقة، والتي خاضت معه اشتباكات عنيفة في الأشهر القليلة الماضية.

الخطر مستمر

جليل لوناس: الجماعة قوية للغاية وذات هيكلية وتهدد منطقة الساحل
جليل لوناس: الجماعة قوية للغاية وذات هيكلية وتهدد منطقة الساحل

في الوقت الذي كان يتعرض فيه داعش، لضربات عنيفة في العراق وسوريا قبل ثلاث سنوات أنذرت بالأسوأ لمستقبل التنظيم وامتداده في الساحة الجهادية، سعى حينها تنظيم القاعدة إلى لملمة أطرافه ودفع نفسه إلى الواجهة، مستغلا الارتباك الذي يعيشه تنظيم أبوبكر البغدادي، الذي قتل في غارة جوية أميركية في أكتوبر 2019.

لكن داعش حاول إيجاد مناطق جهاد جديدة تبعده عن الأنظار، وبدأ في مزاحمة القاعدة في الساحل الأفريقي بشكل واضح، ومنذ ذلك الحين برزت حالة من التنافس بين التنظيمين وتسربت المخاوف بشكل أكبر لحكومات منطقة الساحل والصحراء وحتى داعميهم من البلدان الغربية.

وصنفت القمة بين فرنسا ومجموعة دول الساحل الخمس وهي موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، التي انعقدت في بناير العام الماضي في مدينة بو الفرنسية، تنظيم داعش في الصحراء الكبرى عدوا أول. وبعد عام، تقلص عدد الاعتداءات التي يتبناها هذا التنظيم في ظل الضغط الذي مارسته عليه القوات الفرنسية والجيوش المحلية.

وواجه هذا التنظيم تهديدا أكبر على يد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي تبنت حديثا اعتداءين وقعا في أقل من أسبوع، وأسفرا عن مقتل خمسة جنود من القوة الفرنسية برخان. وقال ضابط فرنسي رفيع لوكالة الصحافة الفرنسية طالبا عدم ذكر اسمه، إنّ الجماعة “اكتسبت نفوذا وتوسعا ميدانيا في الأشهر الأخيرة. صارت تتمتع بقدرات قتالية أكبر وهي أكثر تنظيما”.

وكان قائد قوة برخان الفرنسية الجنرال مارك كونرويت، قال أمام الجمعية الوطنية في نوفمبر الماضي، إنّ هذه الجماعة تمثّل “حاليا العدو الأخطر لقوة برخان وللقوات الدولية ولمالي”.

ويقود جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إياد أغ غالي، المنتمي إلى الطوارق والموجود في مالي منذ تسعينات القرن الماضي، وقد بايعت الجماعة تنظيم القاعدة، وصارت على مدى ثلاث سنوات من بين أكثر أذرعه نشاطا.

ويرى الباحث في مركز كلينغندايل الهولندي رضا الياموري أنّ “أغ غالي يعدّ من بين أكثر قادة تنظيم القاعدة الذين ينالون التقدير، بناء على ما أنجزه وسط الاستمرار في التوسع والقدرة على البقاء رغم عمليات مكافحة الإرهاب”. وأتاح له ذلك تقدّم جماعته على حساب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

ويقول الباحث في جامعة الأخوين في المغرب جليل لوناس، إنّه حين تبنت فرنسا في يونيو الماضي قتل زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي عبدالمالك دروكال، وهو من بين أبرز وجوه الجهاديين الجزائريين في السنوات العشرين الأخيرة، فإنّ الحدث رسّخ تقدّم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نهائيا على حساب القاعدة في المنطقة “في ختام مسار كان قد بدأ قبل سنوات عدة”.

ويؤكد لوناس أنّ الجماعة صارت تشكّل حاليا “تنظيما قويا للغاية ذا هيكلية، ولا توجد منطقة في الساحل بمنأى” عن تأثيرها. ويتحدر قادتها في الغالب من منطقة الساحل، ولم يعودوا عربا، ويحوزون شبكات من المخبرين الموثوق بهم وخلايا موالية.

وأشار مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية في دراسة حديثة إلى أنّ الواردات السنوية للجماعة تقدّر بما “بين 18 و25 مليون دولار، تتأتى بشكل أساسي من عمليات الابتزاز على الطرق التي تسيطر عليها” وبدرجة أقل من “عمليات الخطف مقابل فديات”.

واتخذت الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي من اختطاف الرهائن الغربيين ومطالبة دولهم بدفع فدية، موردا ماليا رئيسيا لشراء الأسلحة وتجنيد المزيد من العناصر، والمساومة على إطلاق سراح سجنائها. وقدرت وزارة الخزانة الأميركية في العام 2014، أن أوروبا دفعت 165 مليون دولار للجماعات الإرهابية ما بين 2008 و2013 فقط.

وبدأت عمليات اختطاف الرهائن الغربيين منذ العام 2003، لكن طريقة التعامل مع الخاطفين اختلفت، فلدى كل بلد غربي أسلوب في التعامل مع الجهاديين بهدف إطلاق سراح الرهائن، وكثيرا ما كانت تواجه هذه الطريقة انتقادات من بعض حكومات المنطقة كالجزائر، لأنها تعتقد أن الجماعات ستواصل في أعمالها مستفيدة من الأموال التي تحصل عليها.

مهمة مستحيلة

رضا الياموري: الجماعة متماسكة والأمل بحدوث شرخ داخلها أمر مستحيل
رضا الياموري: الجماعة متماسكة والأمل بحدوث شرخ داخلها أمر مستحيل

تبدي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي يقدّر عدد مقاتليها بأكثر من ألف، قدرة على الصمود خصوصا عقب اغتيال مسؤولها العسكري باه أغ موسى في نوفمبر الماضي بضربة فرنسية، إلا أن التحديات تزداد مع مرور الوقت إلى درجة أن البعض من المحللين يعتقدون بأن الإرهاب سيتمر في المنطقة رغم كل الاستراتيجيات المتبعة.

وقبل شهرين، نجحت الجماعة في إطلاق نحو 200 سجين في مقابل تحرير رهينتين إيطاليتين، وزعيم المعارضة المالية البارز سومايلا سيسي الذي توفي لاحقا بكوفيد – 19، والفرنسية صوفي بترونين. وتقول فرنسا إنّها لم تشارك في عملية التبادل هذه.

وبينما يبدي لوناس اعتقاده بأنّ ما جرى بمثابة “ضربة معلّم” لأغ غالي يرى رضا الياموري أنّ رسالة غالي لمقاتليه بأنّ تنظيمه سيقوم “بكل شيء لتحرير” أي عنصر يقبض عليه.

ويقول خبراء في الجماعات الجهادية وجنود فرنسيون ضمن قوة برخان، إنّ نصرة الإسلام والمسلمين كسبت معارك عنيفة دارت في الأشهر الأخيرة بينها وبين تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى.

ووقعت العمليتان الدمويتان ضدّ قوة برخان في وقت تدرس باريس تقليص عدد جنودها في المنطقة أكثر من خمسة آلاف الآن، وهي تعوّل بشكل خاص على ارتفاع قدرات الجيوش المحلية وحضور شركاء أوروبيين طُلِب منهم تقاسم عبء الحرب على الإرهاب في جنوب القارة الأوروبية.

وإذا كانت باريس تتجه إلى عدم معارضة مفاوضات بين حكومات دول الساحل وبعض العناصر من الجهاديين ذوي الأجندات المحلية، فمن الواضح أنّ ذلك لا يشمل كبار الوجوه، ومن بينهم أغ غالي.

ولذلك هل يكمن الهدف في استهداف قادة الجماعة عسكريا وسط السعي إلى تقسيمها بين مقاتلين يتطلعون إلى تحقيق أهداف محلية، وزعماء مرتبطين أيديولوجيا بتنظيم القاعدة؟ وهنا يجيب الياموري بالقول إنّ هذه الجماعة “متماسكة جدا وإنّ الأمل بحدوث شرخ داخلها بمثابة مهمة مستحيلة”.

7