تقنين التوكتوك ضرورة أمنية ومجتمعية في مصر

5 ملايين مركبة بانتظار الحصول على رخصة بعد موافقة البرلمان.
الخميس 2024/03/14
سائق التكتوك يجب ألا يقل عمره عن 18 عاما

قررت الحكومة المصرية مواجهة الأزمات التي تسببت فيها عربات التوكتوك من دون تجاهلها، وذلك بإتاحة ترخيص عملها بشكل رسمي ووضع شروط لذلك أهمها ألا يقل عمر سائق هذه الوسيلة عن 18 عاماً، وأن يلتزم صاحب التوكتوك بلون المركبة التي يتم تحديدها حسب كل محافظة. وبات تقنين أوضاع المركبات ضرورة أمنية واجتماعية بعد تزايد معدل الحوادث التي ترتكب من قبل بعض السائقين.

القاهرة - حسمت الحكومة المصرية موقفها أخيراً من شرعنة أوضاع المركبات ذات الثلاث عجلات والمعروفة باسم “التوكتوك” بعد أن أقر البرلمان تعديلات على قانون المرور يتيح ترخيص عملها بشكل رسمي، عقب مطالبات بقرار رسمي حاسم، وتركت الحكومة الأمر للإدارات المحلية لتقنين عمله، ما تسبب في أن تظل غالبية المركبات التي يقدر عددها بحوالي 5 ملايين مركبة بلا سند قانوني.

ووافق البرلمان المصري نهائيًا على مشروع قانون يقضي بترخيص التوكتوك، وتضمن عدة شروط، أبرزها ألا يقل عمر سائق هذه الوسيلة عن 18 عاماً، ويحصل على رخصة قيادة شخصية، ويلتزم صاحب التوكتوك بلون المركبة التي يتم تحديدها حسب كل محافظة/ إقليم تابع له.

وحظرت التعديلات سير المركبات في الشوارع الرئيسية، ومنعت تنقلها بين المدن على أن يتم السماح لها بالسير في الضواحي والمناطق العشوائية مع تحديد خطوط سيرها، واستحداث وسيلة نقل صغيرة الحجم تسير بسرعة متوسطة يمكن استبدالها بمركبة التوكتوك.

ويعبر تحرك البرلمان المصري عن تغير في اتجاه الحكومة نحو التعامل مع المركبات ذات الثلاث عجلات بعد أن ظلت سنوات شبه محظورة رسميا، في محاولة للتخلص منها واستبدالها بأخرى أكثر أمانا ويمكن ترخيصها، وهناك الكثير من القرارات التي اتخذت لاستبدال تلك المركبات ولم يتم تنفيذها، ورفضت غالبية المحافظات منحها التراخيص اللازمة بعد منح هذا الإجراء للجهات المحلية، ما يشي بأن الخطوة تعبر عن رغبة في الترخيص المركزي، فلا بديل عن التقنين ليسري على الجميع.

وأصبح تقنين أوضاع المركبات ضرورة أمنية واجتماعية بعد تزايد معدل الحوادث التي ترتكب من قبل بعض السائقين، أو تعرض من يقودها إلى عمليات نصب وسرقة اعتماداً على أنها غير مرخصة ويمكن إدخال تعديلات لا تسمح بالوصول إليها.

وأفرز اتساع نطاق العاملين على تلك المركبات حاجة إلى القيام بإجراءات تدفع إلى حمايتهم، ولم يعد مقبولا إلغاء سيرها فجأة مع وجود مئات الآلاف من الأسر التي تعتمد عليها في إعاشتها مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة، الأمر الذي كان يهدد بانفجار مشكلات،إذا لم يكن هناك تعامل قانوني يحفظ للسائقين فرص عملهم ويساعد الحكومة على ضبط الاقتصاد غير الرسمي.

إحصائيات مزعجة

حنان أبوسكين: انتشار التوكتوك ظاهرة مزدوجة الآثار في مصر
حنان أبوسكين: انتشار التوكتوك ظاهرة مزدوجة الآثار في مصر

أكدت دراسة أجراها حديثًا المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حكومي) في مصر أن ندرة فرص العمل دفعت نحو 64 في المئة من عينة البحث الذي تم على 989 شخصا، من بينهم سائقون ومالكون للتوكتوك، إلى الدخول في هذا المجال. وينتمي أغلبهم إلى أسر صغيرة ومتوسطة الدخل بنسبة تصل إلى 67.5 في المئة، حيث يبلغ متوسط الدخل الشهري لهم حوالي 2500 جنيه (50 دولارا)، فيما أكد نحو 27 في المئة أنهم يحصلون على دخل شهري يتجاوز هذا الرقم.

وأشارت الدراسة إلى وجود 78 في المئة من مستقلي تلك المركبات، و73 في المئة يرون أنها توفر الوقت ويعتمدون عليها لندرة وسائل التنقل الأخرى، وأكدت الدراسة ذاتها أن التوكتوك من أبرز ظواهر انتشار عمالة الأطفال، ومعظم العاملين عليه دون السن القانونية (18 عاماً)، ونسبتهم 75 في المئة.

وأدّت عمالة الأطفال في قيادة المركبات إلى بروز عدة مشكلات، في مقدمتها: انتهاك قواعد المرور، والسير في الاتجاه المعاكس، وتجاوز السرعات المحددة، والسير بالتوكتوك في الطرق السريعة، واقتحام المناطق السكنية والأحياء المختلفة. وتم استخدام هذه الوسيلة في ارتكاب جرائم خطرة، مثل القتل والخطف والسرقة والتحرش.

وقالت أستاذة العلوم السياسية بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية حنان أبوسكين لـ”العرب” إن “انتشار عربات التوكتوك ظاهرة مزدوجة الآثار، فمن الناحية الإيجابية تحقق بعض المنافع من جهة تحسين دخل الأسر الفقيرة أو أرباب الأسر ممن يفتقرون إلى فرص عمل، وتساهم في حل أزمة اقتصادية مؤقتا”.

وتشير البيئة الجغرافية لمصر إلى وجود أماكن بحاجة لوسائل نقل صغيرة تعمل في مساحات ضيقة، ولذلك فتركيبة العديد من المدن والقرى بحاجة إلى مثل هذه المركبات التي تصل إلى مناطق قد لا تصل إليها المركبات العامة الكبيرة.

وأضافت أبوسكين لـ”العرب” أن “عربات التوكتوك لها سلبيات مثل ترك الحكومة لسيرها بلا تراخيص قانونية فترة طويلة، وصعوبة التوصل إلى المركبات التي يتم استخدامها في ارتكاب جرائم وكسر جميع قواعد المرور، ويتم توظيفها أحيانا في الاتجار بالمخدرات اعتمادا على عدم وجود معلومات تسهل الوصول إلى هذه العربات”.

وطالبت حنان أبوسكين بأن يكون الترخيص مقترنًا بقدرات المواطنين البسطاء ممن يعملون سائقين لهذه العربات ومراعاة البعد الاجتماعي وتحديد معايير سلامة المواطنين الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى استخدام التوكتوك كوسيلة انتقال سهلة وسريعة، وتحديد أماكن معينة في وحدات المرور لترخيصها.

وعلى الرغم من أن دراسة مركز البحوث أشارت إلى أن 31 في المئة من المواطنين يرون أن عربات التوكتوك وسيلة غير آمنة، إلا أن 76 في المئة يرون أن الأفضل استمرار عملها مع وضع إجراءات أكثر أمانا لتقليل الحوادث، ومن بين الإجراءات منع قيادة الأطفال ووضع قاعدة بيانات للمركبات وربطها بأجهزة الدولة عن طريق الترخيص، وتوقيع الكشف الطبي على سائقيها للتأكد من عدم تعاطيهم المخدرات.

انتشار كالنمل في الشوارع

اتساع نطاق العاملين على تلك المركبات أنتج حاجة إلى اتخاذ إجراءات تحميهم، ولم يعد مقبولا إلغاء سيرها فجأة
اتساع نطاق العاملين على تلك المركبات أنتج حاجة إلى اتخاذ إجراءات تحميهم، ولم يعد مقبولا إلغاء سيرها فجأة

دخلت عربات التوكتوك إلى مصر لأول مرة في عام 2005 عندما جرى استيراد أول شحنة من الهند، فيما يبلغ عدد المركبات الموجودة في مصر بعد ما يقرب من 20 عاماً حوالي 5 ملايين مركبة بحسب تقديرات رابطة سائقي التوكتوك.

وفي السنوات الماضية لم تكن لدى الحكومة المصرية رؤية واضحة بشأن التعامل مع التوكتوك، واقتصر التعامل على الحظر وليس الإتاحة، إذ تم حظر استيراد هذه المركبات من الخارج بغرض التجارة عام 2014، وفي سبعة أعوام قررت الحكومة حظر استيرادها بشكل تام، غير أن الكثير من المصانع المصرية التفت على القرار واستوردت قطع غيار وقامت بالتصنيع في الداخل، ما تسبب في زيادة أعداد التوكتوك.

وأكد مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق اللواء محمد نورالدين أن الأخطار الأمنية المتصاعدة جراء بقاء عربات التوكتوك بلا ترخيص ساعدت على توافر إرادة سياسية حاليا لتقنين أوضاعها، وأن الحكومة قررت مواجهة الأزمات التي تسببت فيها هذه المركبات من دون تجاهلها، ومديريات الأمن وإدارات ووحدات المرور في المحافظات المختلفة ستبذل جهودا فاعلة في دفع سائقي المركبات نحو ترخيصها.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “التردد في ترخيص عربات التوكتوك خلال السنوات الماضية يرجع إلى كونها وسيلة غير آمنة وقد يترتب عليها وقوع حوادث وتصبح الدولة مسؤولة عنها إذا أقدمت على خطوة الترخيص في غياب توفير سبل الأمان المطلوبة، ما يجعل هناك توجهات للبحث عن بديل بالتوازي مع خطوة الترخيص”.

وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية استنجدت بالجهات التنفيذية مؤكدة على ضرورة منع استيراد هذه العربات من الخارج، غير أن مصلحة مجموعة من المنتفعين وتأثيرهم على متخذي القرار فاقما الأزمة، وكان عدم ترخيصها السنوات الماضية نتيجة عجز أجهزة الحكومة عن التعامل معها، ويبرهن النجاح في عملية التقنين أن أدوات الدولة أكثر إيجابية في الوقت الحالي.

ارتفاع عدد الجرائم

Thumbnail

حسب دراسة أجراها مركز جسور للدراسات الثقافية والتنموية في مصر، فإن معدلات الجرائم المرتكبة باستخدام التوكتوك شهدت منحنى تصاعديا منذ عام 2016، وتشير الأرقام إلى أن الجرائم يتم ارتكابها على نحو أكبر بحق سائقي التوكتوك أنفسهم الذين يتعرضون للقتل في محاولات لسرقة المركبة، وشهد العام 2022 أعلى معدل ارتكاب جرائم قتل لسائقي التوكتوك بدافع السرقة بعدما تضاعف أكثر من عشرة مرات في الأعوام الثمانية الماضية، من إجمالي 7 جرائم إلى 80 جريمة خلال فترة المقارنة، ما يعكس تأثير الظروف الاقتصادية التي حدثت في ذاك العام على ارتكابها.

وتسعى الحكومة المصرية للاستفادة من العوائد الاقتصادية المنتظرة نتيجة تقنين أوضاع التوكتوك، وتعد عوائدها ضمن الاقتصاد غير الرسمي الذي يشكل نحو 40 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن العائد الاقتصادي للتوكتوك يتراوح ما بين مليار إلى مليار ونصف جنيه سنويًا (نحو 300 مليون دولار)، بحساب أن متوسط العائد اليومي للتوكتوك يتراوح بين 250 إلى 400 جنيه حسب المنطقة التي يعمل بها.

وأوصت دراسات حكومية بضرورة الاستفادة من بعض التجارب الآسيوية الإيجابية في التقنين والحفاظ على البيئة مثل الهند، والإبقاء على استخدام التوكتوك فى الأماكن التي يصعب الوصول إليها والريف، مع تنظيم الأوضاع وفقًا لقانون المرور وتحديد خطوط سيره، وتقديم قروض ميسرة ومساعدات مالية لتشجيع السائقين على الاستبدال للحصول على سيارة “ميني فان”، وهي مركبة صغيرة عادية، والإسراع في إخضاعها للتنظيم القانوني وربط أصحابه بمنظومة التأمين الصحي والاجتماعي وتوفير ضمانات وتقديم حوافز للتشجيع على تسجيل المركبات.

16