تقنيات الذكاء الاصطناعي الراهنة رقيب يثير القلق

دعوات لإعادة تصوّر تكنولوجيا تحترم حقوق الإنسان.
الأحد 2024/05/26
هل هو آمن بما فيه الكفاية؟

تستمر تقنيات الذكاء الاصطناعي في التطور بينما تتأكد يوما بعد يوم المخاوف من أن تكون لها القدرة على توجيه حياة البشر بطريقة تثير القلق. وعلى ضوء “فيفاتك” للتكنولوجيا الحديثة المقام في باريس، حيث كان الذكاء الاصطناعي نجم المعرض، تجددت التحذيرات من توظيفه في المراقبة الجماعية، مع دعوات لإعادة تصوّر تكنولوجيا قادرة على خدمة مجتمعات ديمقراطية أكثر وتحترم حقوق الإنسان بصورة أكبر.

باريس - حذرت رئيسة منصة “سيغنل” للتواصل ميريديث ويتاكر في مقابلة مع وكالة فرانس برس، خلال معرض “فيفاتك” للتكنولوجيات الحديثة في باريس، من أن تقنيات الذكاء الاصطناعي الراهنة تعتمد على المراقبة الجماعية، التي باتت “المحرك الاقتصادي للقطاع التكنولوجي”.

ويتطلب الذكاء الاصطناعي كمية هائلة من البيانات يستخدمها كلما أنشأ محتوى، وفقا لويتاكر التي عملت لأكثر من عشر سنوات على مسألة الأخلاقيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي لدى غوغل قبل ترك الشركة، مضيفة “هذه البيانات التي قد تكون خاطئة بشكل كامل، لها القدرة على توجيه حياتنا بطريقة ينبغي أن تثير قلقنا”.

وترى الخبيرة أن خطر الذكاء الاصطناعي يكمن في تصديق مقولة “الذكاء بقدرات تفوق البشر” غير الحقيقية، وعدم رؤية أن هذه التكنولوجيا موجودة حاليا في “أيادي حفنة من الشركات التكنولوجية الأميركية التي تسيطر على الذكاء الاصطناعي والبنى التحتية التي تنظمه”.

وذهبت إلى أن “هذه نتيجة النموذج الاقتصادي للمراقبة الجماعية الذي نشأ خلال تسعينات القرن العشرين في الولايات المتحدة وبات المحرك الاقتصادي للقطاع التكنولوجي”، متابعة “نستضيف هذه الشركات في حكوماتنا ومؤسساتنا الأساسية وحتى في حياتنا، من دون إدراكها ذلك”.

وأشارت إلى أن الذكاء الاصطناعي هو “أداة لمَن لديهم إمكانية الوصول إلى رأس المال، تُختَبَر عموما على مَن لديهم سلطة أقل”، مضيفة أن “معظمنا لا يستخدم الذكاء الاصطناعي، بل أرباب العمل والسلطات يستخدمونه علينا”.

ميريديث ويتاكر: الذكاء الاصطناعي أداة لمن لديهم إمكانية الوصول إلى رأس المال
ميريديث ويتاكر: الذكاء الاصطناعي أداة لمن لديهم إمكانية الوصول إلى رأس المال

وينتاب عدد كبير من المراقبين والمسؤولين قلق إزاء السرعة الفائقة التي تنشر بها شركات التكنولوجيا الكبرى أدوات ذكاء اصطناعي متطوّرة ومشابهة للبشر بصورة أكبر.

وتحتفي الشركات نفسها بالتقدم المتسارع الذي أحرزته، مؤكّدةً أنّ ما أُنجز حتى اليوم “ليس سوى البداية”.

وحقق تطبيق “سيغنال” الذي أُطلق عام 2014 ومُوّل من تبرعات ولم يعتمد حملة تسويقية، شعبية واسعة بين المبلغين عن المخالفات والصحافيين.

ويُعدّ التطبيق الأميركي مرجعا في ما يخص سلامة البيانات، إذ لا يتطلب من المستخدم سوى مشاركة رقم هاتفه، ويتم تشفير الرسائل عبر بروتوكول جرى ابتكاره داخليا، كما أن كمية بيانات التعريف المُتاحة للتطبيق محدودة.

وزادت شعبية سيغنال في أوائل عام 2021، عندما أعلن منافسه واتساب أنه سيشارك المزيد من البيانات مع شركته الأم فيسبوك. ويبقى سيغنال، الذي يستخدمه بحسب الخبراء 40 مليون شخص، بعيدا جدا عن واتساب الذي يضم أكثر من 2 مليار مستخدم أو مسنجر مع نحو مليار مستخدم.

واتخذت الجهة الأميركية التي ابتكرت تطبيق المراسلة مقرا لها في باريس حتى نهاية العام، بهدف التركيز على السوق الأوروبية.

لكنّ ويتاكر تعتبر أنّ أوروبا لا ينبغي أن تحاول التنافس مع الولايات المتحدة أو الصين في سباق الذكاء الاصطناعي “من خلال خوارزميات تعزز أنظمة عدم المساواة والسيطرة”.

وتدعو المسؤولين الأوروبيين إلى “إعادة تصوّر تكنولوجيا قادرة على خدمة مجتمعات ديمقراطية أكثر وتحترم حقوق الإنسان بصورة أكبر”.

الذكاء الاصطناعي طغى على المواضيع المطروحة في النسخة الثامنة من معرض فيفاتك، أكبر معرض للتكنولوجيا الحديثة في أوروبا

وترى أنّ “سيغنال هو مثال جيد ويظهر أنّ بإمكاننا بناء تقنية مختلفة ترفض النموذج الاقتصادي القائم على المراقبة”.

أما بخصوص الحاجة إلى ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر، وهو ما تدافع عنه الشركتان الفرنسيتان “ميسترال إيه آي” و”هاغينغ فايس” ومجموعة ميتا الأميركية، فلا تؤمن ويتاكر بذلك.

وتقول الخبيرة التي شاركت في كتابة مقالة عن هذا الموضوع، ستُنشر قريبا في مجلة “نيتشر” العلمية، “ما هو المصدر المفتوح في تكنولوجيا تتطلب 100 مليون دولار من الطاقة الحاسوبية لتدريب نموذج واحد؟”.

وتضيف أن “إتاحة الوصول إلى مجموعات من البيانات والسماح باعتماد المزيد من الشفافية في النماذج يبقيان مفيدين، لكن “نحن بحاجة إلى مراجعة التعريف ومساءلة أنفسنا عما نعنيه حقا بالمصدر المفتوح”.

وتأتي تصريحات ميريديث ويتاكر منافية لما قاله سام ألتمان، رئيس “أوبن إيه آي” المُبتكرة لبرنامج تشات جي بي تي مؤخرا، من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي تعتمده شركته في نموذجها “آمن بما فيه الكفاية”، وحضّ الفاعلين في القطاع على تحقيق تقدم سريع في هذه التكنولوجيا.

ومن جهة أخرى دعت ويتاكر إلى التعامل بجدية مع وعود الذكاء الاصطناعي في ما يتعلق بالبيئة.

وأضافت “هناك حديث مستمر عن العلوم البيئية، وعن نوع من التدخل المناخي الذي سينتج من القدرة على تحليل كميات كبيرة من البيانات، وتحديد الأنماط المتكررة واستخدام الذكاء الاصطناعي في المسائل المناخية”.

وأكدت أن “كمية الطاقة اللازمة لإنشاء هذه الأنظمة ونشرها تجعلنا نرغب في البكاء”، لافتة إلى مساوئ “الاستخدام المكثف للوقود الأحفوري والموارد المائية”.

مارينا فيراري: مع تسارع الذكاء الاصطناعي نشهد ثورة حقيقية
مارينا فيراري: مع تسارع الذكاء الاصطناعي نشهد ثورة حقيقية

وكان بحث أجرته جامعة ماساتشوستس أمهرست الأميركية وجد أن عملية تدريب نموذج واحد للذكاء الاصطناعي يمكن أن تتسبب في انبعاث 320 طنًا من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل انبعاثات 5 سيارات طوال عمرها.

ويواجه الذكاء الاصطناعي تحديًا رئيسيًا يتمثل في استهلاكه المكثف للطاقة؛ فعلى سبيل المثال أدى دمج الذكاء الاصطناعي في محركات البحث إلى زيادة الطاقة المستهلكة في كل عملية بحث بمعدل 5 مرات، وفق بيانات حديثة لوكالة حماية البيئة الأميركية.

ويشار إلى أن الذكاء الاصطناعي طغى على المواضيع المطروحة في النسخة الثامنة من معرض فيفاتك، أكبر معرض للتكنولوجيا الحديثة في أوروبا، والذي انطلق الأربعاء الماضي في باريس مع حضور ممثلين عن شركات عالمية متخصصة في القطاع.

وقدم الآلاف من الزوار إلى المعرض الذي أسدل ستاره أمس السبت في بورت دو فرساي، سعيا إلى استكشاف أحدث الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي عرضها أكثر من 11 ألف ممثل عن شركات ناشئة مثل “أوبن إيه آي” ومجموعات كبيرة من أمثال أورانج الفرنسية وهواوي الصينية.

وكانت وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الرقمية مارينا فيراري قالت على هامش المعرض “مع تسارع الذكاء الاصطناعي، نشهد ثورة حقيقية تُمكن مقارنتها باختراع المطبعة أو اكتشاف الكهرباء”.

وأضافت “لكن لا تخافوا. خلال العقد المقبل سيساعد الذكاء الاصطناعي على تحقيق نمو في مجالات مختلفة في فرنسا، يعادل ما بين 250 و430 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي الإضافي”، مستندة في هذه الأرقام إلى تقرير حديث للجنة المعنية بالذكاء الاصطناعي رُفع إلى قصر الإليزيه.

وأفادت رئيسة إسبر بايونيكس، التي تأسست قبل خمس سنوات، ديما غازدا في حديث إلى وكالة فرانس برس بـ”أننا نستخدم التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي لتحسين رصد النشاط وجعل استخدام الأطراف حدسيا بشكل أكبر لكل مستخدم”.

13