تقسيم العراق.. مديات التقسيم واللاعبون الأساسيون

بالرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بنفوذ كاف للضغط على الحكومة العراقية وتوسيع شروط الاتفاقية بين البلدين إلا أن بغداد منحت بكين الأفضلية في جميع عقود النفط والغاز وبسعر مخفض.
الثلاثاء 2024/09/17
هل يؤدي الصراع على النفط والغاز إلى سايكس بيكو جديدة

تظهر وتعلو بين الفينة والأخرى أصوات داعمة لضرورة إنشاء الأقاليم على أساس المذهب والقومية، وهو الأمر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام حول النية والمبتغى من هذا الإعلان. فالملاحظ أن المحافظات العراقية جميعها تعيش حالة من الاستقرار السياسي والأمني، وهي في طور تحقيق نقلة نوعية في مجال الاستثمار والإعمار، وهناك خطوات لا بأس بها في مجال الخدمات. أما في ما يخص التجربة الكردية، والتي بدأت وتأسست في سبعينات القرن الماضي، فهي تختلف لأنها عبّرت عن مكون قومي واحد له خصوصيته التي تعبّر عن عاداته وتقاليده الموروثة.

أدوات التقسيم لا تبدو سياسية فقط، بل يمكن النظر إلى أبعد من ذلك، فربما الموارد النفطية تكون عاملاً مساعداً في عملية تقسيم البلاد، خصوصاً وأن العالم في تنافس من أجل السيطرة على القطاع النفطي في العراق. وهرولت الشركات الصينية للسيطرة على هذا القطاع الحيوي، والذي يعد المصدر الوحيد لمعيشة الفرد العراقي، فلقد فازت معظم هذه الشركات بالعقود النفطية، ما يؤكد هيمنة الصين على قطاع النفط والغاز في العراق، وهو ما جعل واشنطن تقف عند هذا الأمر وتبدأ بالإسراع بشراكة مستدامة مع العراق عبر تأمين صفقة مع شركة توتال إنيرجي بقيمة 27 مليار دولار من أجل إيقاف التمدد الصيني باتجاه الشرق الأوسط وتحديدا العراق.

◄ الوضع الاقتصادي دخل على الخط في تقسيم العراق بين القوى الدولية على أسس المصالح الاقتصادية، وهذا ما يفسر التنافس المحتدم من أجل السيطرة على قطاع الطاقة في البلاد

خلال الأيام الماضية شهد العراق حملة إعلانية في مجال النفط والغاز، من خلال جولة التراخيص، إذ فازت الشركات الصينية بمعظم العقود الـ13 لحقول النفط والمواقع الاستكشافية التي منحتها وزارة النفط في أحدث جولة من التراخيص، ما يعني أن تطوير هذه الحقول سيضيف حوالي 850 مليون متر مكعب من الغاز إلى إنتاج البلاد، وهذا ما يتماشى مع طموحات الصين بالسيطرة على كافة العقود القادمة ومسك الأرض العراقية لعقود، وهو أمر سيشكل جزءا كبيراً من مستقبل الصين السياسي والاقتصادي. وبالمقابل، سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إيقاف هذا التمدد على الأرض العراقية من خلال إبرام صفقات أخرى للنفط والغاز، ولعل أبرز ما في هذا الأمر هو الصفقة رباعية الأطراف التي ذكرناها وذلك من خلال شركة توتال إنيرجي الفرنسية.

امتدت عقود النفط والغاز الصينية في العراق لتسيطر على ما يقارب ثلث احتياطات النفط والغاز العراقي المؤكدة بالإضافة إلى ثلثي إنتاجه الحالي، وهي خطة أعدتها بكين منذ فترة طويلة وتعمل بهدوء على تحقيقها. وبمجرد أن أنهت القوات القتالية للتحالف الدولي في العراق مهمتها عام 2021، سارعت الشركات الصينية بعقد صفقة لاستيراد النفط العراقي بقيمة 2 مليار دولار ولمدة خمس سنوات، وهذا ما يعكس دقة العمل والسياسة الصينية في العراق. وتأتي بدقة العقود التي أبرمتها الشركات الروسية مع إقليم كردستان منذ عام 2017، والذي أعطى موسكو سيطرة فعالة على جميع منشآت النفط والغاز في الإقليم.

بالرغم من أن الولايات المتحدة ما تزال تتمتع بنفوذ كافٍ للضغط على الحكومة العراقية في توسيع شروط الاتفاقية الإستراتيجية بين البلدين، إلا أن بغداد منحت بكين الأفضلية في جميع عقود النفط والغاز وبسعر مخفض. وفي عام 2021، توسعت الصين في العراق وذهبت إلى أبعد من الغاز والنفط من خلال منح عقود للشركات الصينية في بناء البنية التحتية في جميع أنحاء البلاد. وخير مثال على ذلك عقد بناء مطار ذي قار الدولي، والذي حل محل قاعدة الإمام علي العسكرية، حيث سيستخدم جزء من هذا المطار لعمليات النقل الجوي بين العراق والصين.

الوضع الاقتصادي دخل على الخط في تقسيم العراق بين القوى الدولية على أسس المصالح الاقتصادية، وهذا ما يفسر التنافس المحتدم من أجل السيطرة على قطاع الطاقة في البلاد. كما أن ظاهرة التقسيم لا تعني بالضرورة تقسيماً طائفياً أو قومياً، بل ربما تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية تكون أخطر من الأهداف الطائفية، في مسعى جديد لتقسيم جديد مبني على أساس دوافع ظاهرية مبناها الاقتصاد، ولكن في العمق يحمل راية سايكس بيكو جديد.

9