تغيرات المناخ تأتي على آثار نجت من يدي طالبان في أفغانستان

بعد أن نجا بعض الكنوز الأثرية في أفغانستان من يد اللصوص وسطوة طالبان لسنوات عديدة وخاصة تلك المتعلقة بالآثار البوذية في إقليم باميان، تواجه هذه الآثار المتهالكة اليوم تهديدات العوامل المناخية كالرياح والأمطار الغزيرة ومواسم ذوبان ثلوج أطول من المعتاد، وهي تحتاج اليوم إلى المزيد من العناية والترميم قبل أن تندثر من الوجود.
باميان (أفغانستان)- بعد تعرّضها لعدد كبير من تفجيرات الإسلاميين المتشددين وعمليات السرقة المتكررة، تواجه الكنوز الأثرية في إقليم باميان في أفغانستان تهديدا جديدا وقد يكون أكثر خطورة وهو تغير المناخ.
وتحتضن جبال هندوكش وادي باميان الخلّاب، الذي يضمّ شبكة كهوف تحتوي على معابد وأديرة ولوحات بوذية تعود إلى قرون خلت، وتعرّضت خلال حكم طالبان في العام 2001 إلى حملات مُمنهجة أدّت إلى هدم الكثير من التماثيل يرجع تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي، عندما كان كثير من الأفغان يدينون بالبوذية.
وتؤمن طالبان أن تحطيم التماثيل من الأمور الدينية، وترى أن نحت التماثيل على شكل الإنسان حرام لأنه يجعل الإنسان في مرتبة الخالق. وتريد بهذا التحطيم أيضا محو آثار التراث غير الإسلامي، أي ما قبل الإسلام في أفغانستان.
وكانت في وادي باميان ستة تماثيل لبوذا، ثلاثة منها كبيرة والأخرى صغيرة، وكان بعضها داخل مغارات. وكان تمثال بوذا الأكبر الذي يبلغ ارتفاعه خمسا وخمسين مترا موجودا في الغرب، وفي وسط المجموعة تمثال لبوذا وهو جالس يبلغ ارتفاعه ثمانية أمتار، وفي شرق الجدار الصخري تمثال آخر يبلغ ارتفاعه ثمانية وثلاثين مترا.
هذه التماثيل كانت في الأصل مطلية باللون الأزرق، ووجوهها مرصعة بصفائح من الذهب. وكان كل من التمثالين الكبيرين يلبس جلبابا، أحدهما على تقليد الثوب الروماني – الإغريقي المسمى “توجة”، علاوة على ذلك تشير التماثيل في قياساتها إلى رمزية رقمية باهرة تدل على ارتفاع مستوى التطور الحضاري آنذاك.
ويرجع الفضل في تشييد هذه التماثيل إلى رواج التجارة على طريق الحرير، حيث عم المنطقة الرخاء واستطاعت توفير السبل التي لولاها لما كان في المستطاع تشييد هذا البناء المقدس الضخم. ويضمّ الوادي أيضا قلعة شهر غلغله التي تعود إلى زمن طريق الحرير التاريخي وحصن شهر ضحاك في الشرق.
ووفقا للخبراء، حاليا، تعدّ هذه العمارة التاريخية عرضة للتدمير، بسبب موجات من الجفاف تليها أمطار غزيرة ومواسم تشهد ذوبان ثلوج أطول من المعتاد. وهو ما حذّر منه المسؤولون الأفغان في تقرير صادر عن الأمم المتّحدة في العام 2016، يشير إلى أن “هذه الهياكل قد تنهار وتعاني من تآكل شديد” بسبب عوامل مرتبطة مباشرة بالتغيّر المناخي.
ويقول فيليب ماركيز مدير بعثة الآثار الفرنسية في أفغانستان “عمليّات التآكل تتسارع بشدّة، بحيث باتت الأمطار والرياح أكثر تدميرا، وهو ما ينطوي على تأثيرات حادّة على المواقع”.
ويشرح ماركيز الذي استكشف هذه المنطقة وعمل فيها لعقود عدّة بأن “أفغانستان هشّة للغاية من الناحية الجيولوجية، لاسيّما بعد تقلّص الغطاء النباتي بشكل كبير” نتيجة إزالة الغابات.
وهو ما توافق عليه شركة “إيكونيم” الفرنسية للتصوير، مؤكّدة أن “حصن شهر ضحاك هشّ للغاية” نتيجة تآكله خلال السنوات الثلاثين الماضية.
ويقول باقي غلامي (21 عاما) من سايخاند شمال باميان “لطالما كان التغيّر المناخي واقعة حقيقية على المقيمين التعامل معها”. ويضيف وهو ينظر إلى المساحات الفارغة التي كانت تضمّ سابقا تمثالين لبوذا “المناخ يتغيّر. لقد أصبح الصيف أكثر حرّا والشتاء أشدّ بردا”.
وتعود القطع الأثرية في هذه المنطقة إلى ما قبل وصول الإسلام، أي إلى ديانة مختلفة، إلّا أن السكان يدافعون بفخر عن تاريخ المنطقة باعتباره تاريخهم الخاص.
ومن الكهوف الفارغة، يمكن للزوّار رؤية المركز الثقافي الذي بدأ بناؤه في العام 2015 لكن لم تنتهِ أعماله بعد، ويهدف إلى تعريف الزوّار بالأحداث الطارئة للحفاظ على تراث المنطقة.
ويقول مدير قسم الآثار في جامعة باميان، علي رضا مشفق (26 عاما)، “لا فائدة من رؤية الناس لهذه المواقع من دون تقديم أي معلومة لهم”، مبديا امتعاضه من ضعف التمويل الذي يُقصي العديد من الأشخاص عن المعرفة، بمن فيهم تلاميذه الذين يعانون نقصا في الوصول إلى الكتب. ويقرّ عالم الآثار بأن “عمليات التآكل تزداد”، إلا أنه مقتنع بأن الخطر الحقيقي يأتي من “الأثر البشري على الموقع”.
وتسببت حروب على مدى 40 عاما، كانت آخرها الحرب على طالبان، في تدمير الكثير من الأعمال الفنية والأثرية والمعمارية في أفغانستان، وسرق زعماء حرب قطعا أخرى وباعوها في الخارج.
مسؤولون أفغان يحذرون من أن الهياكل البوذية قد تنهار لما تعانيه من تآكل شديد بسبب عوامل مرتبطة بالتغير المناخي
وحاليا، تخضع قلعة شهر غلغله وغيرها من المواقع الرئيسية للحراسة لحمايتها من عمليات مماثلة. وبعد إزالة الألغام، شهدت المنطقة تدفّق الآلاف من الزوّار خلال السنوات الأخيرة، إلّا أن هذا الأمر لم يغيّر الكثير من الواقع على الأرض.
ويقول مشفق “علينا أن نبدأ بتدريب السكّان المحلّيين حول كيفية المحافظة على الموقع وعدم تدميره، لاسيّما أن بعضهم يعمدون إلى تربية المواشي وتخزين الأعلاف في هذه المواقع التاريخية”.
وعلى مرمى حجر من كهف بوذا العظيم، يقول أمان الله (37 عاما) إنه انتقل مع عائلته إلى أحد هذه الكهوف حيث بنى منزلا من الخردة والصفائح البلاستيكية.
وليس أمان الله الوحيد، فالكثير من الأسر الفقيرة بنت مأوى لها بالقرب من القطع الأثرية والهياكل القديمة. ويتابع أمان الله “تعيش 18 أسرة حاليا هنا… لم يكن لدينا خيار آخر، ولكن قد ننتقل من هنا إذا توفر لنا البديل”.
لكن بالنسبة لماركيز “لا يأتي التهديد الأكبر من السكّان المحلّيين أو السارقين الذين يتعدّون على المواقع، لأن الأضرار الناجمة عنهم هي أقل بكثير من الدمار الذي يسبّبه التآكل”.
في الواقع، تبلغ كلفة تخفيف آثار التآكل والتغيّر المناخي المليارات من الدولارات، إلّا أن الدولة الأفغانية التي مزّقتها الحرب لديها قدرة محدودة على تحمّل هذا العبء، خصوصا وأن مبادرة التكيّف العالمي التي أطلقتها جامعة نوتردام في الولايات المتحدة، تصنّف أفغانستان في المرتبة الـ173 من بين 181 بلدا لناحية قدرتها على مواجهة التغيّر المناخي والتكيّف معه.