تعويذة الدينار العراقي وتغريدة رومانوسكي

العراقيون استيقظوا فجأة ليكتشفوا أن ذريعة الأميركان بالحفاظ على ثروة العراق المنهوبة كانت نكتة أقل ما يقال عنها إنها سخيفة لأن العراقيين يدركون أن وطنهم منهوب ومستباح في وضح النهار.
السبت 2023/08/05
في مهب الريح

تقول “شاركت في مكالمة  بين وزارة الخزانة والبنك المركزي العراقي حول الإجراءات الأميركية الأخيرة بحظر 14 بنكاً عراقياً من خدمات الدولار بعد مخاوف تتعلق بغسيل الأموال”، التغريدة كانت كافية لكبح جماح ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار.

تغريدة السفيرة الأميركية إلينا رومانوسكي التي كانت في حقيقتها “جَرّة إذن” لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني فيما يبدو، أو رسالة مبطّنة لحكومة الإطار من أن الدعم وغض النظر لن يستمرا ما لم يتم اتخاذ إجراءات فاعلة للحد من عمليات تهريب الدولار إلى إيران.

تحسن ملحوظ في سعر الدينار بعد وساطة السفيرة الأميركية، مما يؤشر أن السيادة العراقية تعيش في أعلى مراتبها.

استيقظ العراقيون فجأة ودون سابق إنذار ليكتشفوا أن ذريعة الأميركان بالحفاظ على ثروة العراق المنهوبة كانت نكتة أقل ما يقال عنها إنها سخيفة، لأن العراقيين يدركون أن وطنهم منهوب ومستباح في وضح النهار وتحت مسمع ومرأى الأميركان منذ عام 2003، فما الذي استجدّ في الموضوع؟ ولماذا دقّت أميركا أجراس الحرب ضد تهريب العملة الصعبة إلى خارج الحدود في هذا الوقت بالتحديد؟

من حيث الحقيقة الكامنة في اختيار ساعة الصفر للعمليات الأميركية يكمن في التوقيت المتزامن مع وجود مؤشرات خطيرة تهدد مصلحة الأمن القومي الأميركي.

تحسن ملحوظ في سعر الدينار بعد وساطة السفيرة الأميركية، مما يؤشر أن السيادة العراقية تعيش في أعلى مراتبها

المسألة ببساطة أن إيران دخلت على خط الحرب بين أوكرانيا وروسيا عبر تزويد الأخيرة بطائرات مسيّرة أثبتت فاعليتها في الحرب، حيث اتضح لساسة البيت الأبيض الخرق الإيراني الذي ساهم باتّساعه حجم تدفق الدولار الأميركي عبر منافذ بيع العملة إلى المصانع الإيرانية للمسيّرات.

كانت صحوة لصانع القرار الأميركي بضرورة اتخاذ إجراءات صارمة، عبر امتثال النظام المصرفي العراقي للائحة القوانين المصرفية للبنك الفيدرالي الأميركي، ومنع تهريب العملة الذي كان يجري تحت أنظار المحتل منذ سنوات دون ردع أو عقوبة.

اعتراف محمد نوري عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي يعطينا تصورا واقعيا لما يحدث من عمليات تهريب الدولار إلى إيران، حيث أكد البرلماني في برنامج متلفز أن التهريب يتم بواسطة اللوريات (شاحنات كبيرة) وزاد في الطين بلّة عندما أوضح أن إيران تطبع “دينارا” عراقيا مزورا لشراء دولارات البنك المركزي العراقي، حيث تعمل المصارف على توفير غطاء لتهريب الدولار.

أقسى كلام لتوصيف الصورة هو أن العراقيين خارج توقيتات المصالح الأميركية والإيرانية.

في كل الأحوال هو عامل الزمن والتوقيت المناسب الذي ألزم صانع القرار الأميركي بالبحث عن مصالحه العليا ومقاصد غاياته دون الاكتراث بعاقبة الأمور أو مصالح الشعوب المنهوبة والمستلبة، خصوصاً مع وجود طبقة سياسية فاسدة مستعدة أن تحرق البلد من أجل إشعال سيجارة في يدها.

وبين التوقيت الخاص لصانع القرار الخارجي ومشهد سياسي تقوده طبقة مستميتة لإفراغ ثروات بلدها وفاقدة لأيّ إحساس بمصير الناس ومستقبل الأجيال القادمة، يبقى الشعب العراقي رهينة المغامرة السياسية وأسير كابوس طويل من التوقيتات، عسى أن تشملهم ساعة من تلك التوقيتات في إحداث التغيير المنشود.

يبقى السؤال المهم وهو، هل يهتم الأميركان بقضية ثروة العراق المنهوبة؟ الجواب لا يحتاج إلى دليل واقع، فأميركا التي استباحت بلداً وقتلت شعباً ودمّرت حضارة وتاريخ بلد يمتد لأكثر من 6000 عام لا تكترث متى، وكيف، ومن يسرق العراق؟ المهم أن دولارها يجب ألاّ يساهم في صناعة مسيّرات إيرانية تقتل حلفاءها وذلك هو ملخص حكاية الدولار مع الدينار العراقي.

9