تعزيز الحصار على الإخوان عربون صداقة يقدمه أردوغان للسيسي

تصعيد السلطات التركية ضد جماعة الإخوان بإلقاء القبض على عدد من العناصر التابعة للتنظيم يعتبره محللون عربون صداقة يقدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره المصري عبدالفتاح السيسي، قبيل الزيارة التي من المتوقع أن يقوم بها السيسي نهاية الشهر إلى أنقرة.
القاهرة - ألقت السلطات الأمنية في تركيا على العشرات من العناصر المحسوبة على جماعة الإخوان المصرية المقيمة على أراضيها الأيام الماضية، وهو ما ربطه مراقبون بعودة العلاقات الرسمية بين أنقرة والقاهرة أخيرا، والزيارة المنتظر أن يقوم بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لأنقرة في السابع والعشرين من الشهر الجاري والاجتماع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ويستكمل التعامل التركي الخشن مع عناصر الإخوان الملامح التي ظهرت خلال الأشهر الماضية التي شهدت لقاءات ومحادثات بين مسؤولين في كل من القاهرة وأنقرة، أسهمت في تجسير الهوة، وانعكست بعض ملامحها على تضييق الخناق على جماعة الإخوان إعلاميا وسياسيا، ما يعني أن أنقرة في سبيلها للتخفيف من الاعتماد على ورقة الجماعة إقليميا لحساب الورقة القومية، والرغبة في تطوير العلاقات مع مصر الفترة المقبلة.
وتزامن الاحتفال بثورة الثلاثين من يونيو 2023 التي عزلت جماعة الإخوان عن السلطة في مصر مع ضربات قوية وُجهت للتنظيم من تركيا، وهي أقوى حلفائها السابقين، ما يمثل محنة مضاعفة لجماعة باتت بعد عقد كامل من حكمها عالقة بين الخوف واليأس.
وشنت السلطات التركية مداهمات على عناصر إخوانية تقيم في البلاد واحتجزت من لا يحملون هوية أو إقامة أو جنسية وطالبت اثنين من عناصر الجماعة، هما إسلام أشرف ومصعب السماليجي بمغادرة أراضيها.
دفعت الضربات المتتالية للجماعة البعض من الناشطين السابقين الموالين للإخوان إلى إعلان التوبة والتراجع وتقديم طروحات نقدية لممارسات الجماعة ومواقفها وفضح علاقاتها وارتباطاتها بأجهزة استخبارات أجنبية.
فضائح الإخوان
أعلن الناشط والإعلامي الموالي للإخوان حسام الغمري الذي أوقفته السلطات التركية أكثر من مرة، على خلفية دعواته إلى الخروج والتظاهر ضد النظام المصري، أنه بصدد تأليف كتاب يسرد به شهادته عما دار مع الإخوان في تركيا بعنوان “تجربتي في إسطنبول عن فضائح الإخوان”.
واعترف الغمري عبر منشور على صفحته الشخصية على تويتر بأنه أدرك خطأ العمل مع الإخوان، مشيرا إلى دلائل تلقي قادة الجماعة التعليمات من أجهزة مخابرات الدول التي تقيم فيها.
وتوزعت تأثيرات الإجراءات التركية الصارمة حيال عناصر وناشطي الإخوان بين الصدمة والذهول، خاصة أن التضييقات شملت المتهمين الأكثر حضورًا في مشهد تسيير الأموال ونقلها لتمويل تنظيمات على غرار القاعدة في دول مختلفة، مثل الجهادي المصري مجدي سالم.
ويشعر سالم وشخصيات أخرى لعبت أدوارًا مزدوجة شبيهة مثل إسلام الغمري ومحمد نصرالدين الغزلاني بخيبة الأمل والتهديد المحدق على مستقبلهم، واحتموا داخل تركيا عبر تقديم خدمات في مواسم الانتخابات والأزمات بينما لعبوا أدوارًا خفية في تمويل الإرهاب ودعمه.
وعمد فريق ثالث من عناصر وناشطي الإخوان المقيمين بتركيا إلى إنكار الواقع في محاولة لإظهار التطورات التي أعقبت فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية ثالثة كونها في صالح الجماعة، إلى درجة أن عضو مجلس شورى التنظيم مدحت الحداد قال “إن انتصار الرئيس أردوغان يذكرنا بالانتصار السياسي لحزب الإخوان عام 2012 بعد فوز محمد مرسي في الانتخابات بمصر، وكأن التاريخ يعيد نفسه”.
يستسلم هذا الفريق الذي يضم قطاعًا واسعًا من شباب الجماعة لتصور وهمي مفاده أن الرئيس التركي المعروف بمناوراته السياسية وبراغماتيته سوف يعود لاحقًا بعد تحقيق أغراضه من التقارب مع الدول العربية إلى دعم الجماعة وإعادتها إلى حضنه، وهو ما فسر مظاهر فرحة عناصر الجماعة وقيادييها ابتهاجًا بفوزه في الانتخابات الأخيرة.
تنسيق أمني ومعلوماتي

يفضل هذا الجناح الاستمرار في العيش في الوهم كحالة أخف وطأة من العيش في اليقظة والإحساس بمرارة الهزيمة، حيث تؤشر جميع المعطيات إلى أن الرئاسة التركية أخذت منحىً مغايرًا تجاه جماعة الإخوان منذ أكثر من سنتين وبعد التقارب الذي حصل مع عدد من دول الخليج ومصر.
وبعد الضربات التي وجهتها السلطات التركية للمنصات الإعلامية للإخوان بالداخل التركي وإعلاميي التنظيم وأكثر ناشطيه حضورًا وتأثيرًا، تطورت العلاقات السياسية والتنسيق الأمني والمعلوماتي بين الدول العربية وتركيا، وجرى ترقية التعاون في محاربة الإرهاب فضلًا عن الأسس المتينة التي تقوم عليها التفاهمات السياسية والاقتصادية.
يُضاف إلى المحفز الأكبر للرئيس التركي الدافع لإظهار أعلى درجات التخلي عن الإخوان وهو إنهاء مسيرته السياسية بإحراز انتصارات حقيقية وليست وهمية ومزيفة صحبة تيار فاشل، ما اكتشفه أردوغان من خيانة بعض قيادات جماعة الإخوان له بالداخل مع خصومه السياسيين.
وجد الرئيس التركي أن جماعة الإخوان التي وفر لها الملاذ الآمن والمأوى وأتاح لها المنصات الإعلامية وحرية الحركة والنشاط أنها طعنته في الظهر، عندما قدم معسكر الجماعة بقيادة الأمين العام السابق محمود حسين مبادرات لحزب السعادة المختلف مع حزب العدالة والتنمية.
جاء التخلي عن جماعة الإخوان في خضم جملة دوافع أكدها وزادها جاهزية للتنفيذ الغضب الذي خلفه تقارب الإخوان من بعض أعداء أردوغان السياسيين، وهو ما جعله لا يتورع عن التقارب مع مصر.
مع حاجة الرئيس التركي على مستوى العلاقات الخارجية في ما يتعلق بالمصالح مع الدول العربية بغرض تحسين الأداء الاقتصادي ورفع قيمة الليرة وجلب الاستثمارات الخارجية، فإن التخلي عن جماعة الإخوان لن يصنع فارقًا كبيرًا لحزب العدالة والتنمية في ما يخص استخدامها كأداة رافعة في الدعاية الانتخابية.
يتطلع الرئيس التركي الذي تتضاءل فرص ترشحه مرة أخرى مستقبلا، وبالتالي تحرر من الحاجة إلى إرضاء جمهور الناخبين الإسلاميين، إلى تدشين سياسة خارجية منفتحة وداعمة لمشاريعه بالداخل لينهي مسيرته المهنية بمستوى أداء مقنع وخال من التوترات والتحالفات العشوائية مع طيف إسلامي خصم الكثير من سمعته وكبده خسائر فادحة.
ولا يُعد تحجيم العلاقة مع جماعة الإخوان مناورة وقتية ومن ثم العودة بعد تحقيق مصلحة عابرة، أو مجرد حيلة من أجل الفوز في الانتخابات، لكنه تصويب مسار وتحرر من رهان خاسر لازم تركيا أكثر من عقد.
يستطيع الرئيس التركي الاستمرار في توظيف أدواته وأوراقه المعتادة في الحملات الانتخابية مثل اللعب على وتر ملفات خلافية تمثل الوقود لحرب ثقافية محتدمة بين شريحتين متعارضتين بالمجتمع مثل قضايا المثليين وفرض ضرائب على الكحول وتخفيض سن الزواج للفتيات وغيرها، محافظًا على الحد المطلوب من التنوع كمحرك للسياحة التركية.
تحولات حاسمة
لأجل اكتساح المزيد من إرث جمهورية أتاتورك العلمانية مع اقتراب مئويتها واستعادة أنقرة العاصمة، وأيضًا المدينة الكبرى إسطنبول تحت هيمنة حزبه التي بدأ فيها أولى تجاربه السياسية، يصمم الرئيس التركي على إنهاء مسيرته السياسية بإنجازات ملموسة على أرضية صلبة بمعزل عن التحالفات الهشة مع تيار ثبت فشله وعجزه وتواضع خبراته السياسية.
وتُضاف هذه التجربة المريرة إلى تجارب عديدة سابقة أكدت نفس نتائجها للإخوان، وفي مقدمتها أن الجماعة أداة يتم استخدامها من قبل قوى وأنظمة مختلفة لتحقيق أهداف محددة، وسرعان ما يجري التخلص منها.
ولا تمتلك جماعة الإخوان قوة ذاتية تؤهلها للاستمرار في ساحة من الساحات لفترات زمنية ممتدة بناءً على أداء سياسي شفاف ومقنع يحقق المصلحة العامة، وظل اعتمادها دائمًا على حاجة بعض الأنظمة إلى توظيفها على مدى قصير مثل ما جرى في السبعينات من القرن الماضي من قبل الرئيس المصري أنور السادات، وصولًا إلى التجربة الإقليمية التي أعقبت ثورات الربيع العربي التي بدأت تتحطم نتائجها في الكثير من الدول.
علاوة على فقدان الحليف التركي خسرت جماعة الإخوان أيضًا الساحة المصرية بعد إصرارها على البقاء في السلطة رغم الثورة الشعبية والاضطرابت والاعتصامات في الميادين وتجاهل تحذيرات الجيش والدعوة إلى الاستجابة لمطالب الشعب.
دمرت جماعة الإخوان سمعتها عبر التورط في العنف والتحالف مع الجماعات التكفيرية المسلحة والتورط في تشبيك علاقات مع قوى خارجية طامعة وتهديد استقرار الدولة المصرية وتماسك المجتمع.
فقدت جماعة الإخوان ساحتين مهمتين، حيث أطيح بها في مصر وخسرت تعاطف البسطاء من المواطنين بفعل استقوائها بدول أجنبية وتحالفها المريب مع تركيا، وبعد عشر سنوات يتخلى عنها الحليف الذي تشبثت به للثأر من الشعب المصري ومؤسسات الدولة التي عزلتها عن سدة السلطة.
كما توهم قادة وعناصر الإخوان أن الرئيس التركي، على الرغم من كل الضربات التي نالتهم منه لا يزال حليفهم وأملهم وكان احتفالهم بفوزه أكثر ضجيجا من احتفال أعضاء حزبه، وتوهموا واقعًا موازيًا سيحدث في مصر قريبا مع استمرار أردوغان في السلطة، الأمر الذي بدأ يتحطم مع عودة العلاقات رسميا مع القاهرة، وزيارة الرئيس السيسي لأنقرة قبل نهاية يوليو الجاري.
لقد روجت صفحات الجماعة لصورة غير سريالية مفادها أن الشعب المصري يعاني البؤس والتعاسة والندم لتسببه في مغادرة الجماعة الحكم، ومرت الذكرى العاشرة لثورة الثلاثين من يونيو بلا مظاهر واضحة للاعتراض أو الاحتجاج على المسار الحالي الذي يقوده الرئيس السيسي.