تعاليلي يا بطة
منذ سنوات لم يكن الطبخ مهنة مرموقة. أن يكون المرء طباخا فتلك حرفة تضعه في مكان خفي.
اليوم صار الطباخ نجما بحيث صار بعض الطباخين يحضرون حفل توزيع جوائز الأوسكار، وصارت برامج الطبخ تجتذب أكبر عدد من المشاهدين.
لذلك صارت قنوات البث التلفزيوني تخصص أوقاتا مهمة للطباخين الذين زاد عددهم على عدد الطباخات اللواتي انسحبن من مهنة تاريخية ارتبطت بهن.
أزاح الرجل المرأة من عرشها بعد أن كانت الطريق إليه تمر ببطنه. صار على الغزل الأنثوي أن يخترع أساليب جديدة. غير أن العلاقة بين الغزل والطعام تظل وطيدة بغض النظر عمَن يطبخ.
يحضر الأكل في الغزل كما لو أن الحواس تمارسه لتعبر عن تلذذها. يقول محمود شكوكو “رنة قبابك في الحتة/ راح تاكل من كعبك حتة”. وشكوكو هذا هو المغني الوحيد الذي صنعت له تماثيل من أجل أن تؤكل. صار يؤكل بين الوجبات باعتباره حلوى.
كان شكوكو يهوى الغناء غير أن صوته لم يكن يؤهله أن يكون مطربا. في زمن العمالقة من المطربين نجح في أن يتسلل إلى أرقى المسارح بصفته منولوجست.
والمنولوج هو نوع من الغناء الذي تغلب عليه مسحة الفكاهة الممزوجة بالنقد الاجتماعي والسياسي.
ذلك ما سمح له بأن يعيد صياغة الأغنيات الراقية بشكل ساخر على غرار “يا أغلى من أيامي/ يلي ساكن قدامي”، لم تغضب أم كلثوم ولا عبدالوهاب ملحن الأغنية.
وإذا ما عدت إلى الطبخ والغرام لا بد أن أتذكر موفق بهجت في أشهر أغانيه “يا صبحة هاتي الصينيه/ صبي الشاي ليك وليا/ والهوى يا صبحة طاب”، تلك أغنية لا تنطوي إلا على رغبة في شرب الشاي بين عاشقين فيما العالم من حولهما يشرب القهوة.
حين زرت قصر عائشة فهمي في الزمالك بالقاهرة وقد تحول إلى بيت للثقافة، تذكرت أن السيدة المخملية كانت قد تزوجت من محمود شكوكو الذي لم يتخل عن مهنته نجارا إلى نهاية حياته.
كالطبخ لم تكن النجارة يومها مهنة مرموقة. غير أن صاحب “تعاليلي يا بطة” نجح في إغواء سيدة المجتمع المخملي بأن تقع في غرامه. كانت بطته التي ملأت أحلامه بألوان ريشها.
اليوم كثر الطباخون فيما الطبخات لا تزال قليلة. الكبسة السعودية والمندي اليمني والدولمة العراقية والمنسف الأردني والكسكسي المغربي وحولها التبولة والحمص بطحينة والكبة النية وسواها من المقبلات. أيحتاج هذا الأمر إلى أن يضيع الوقت من أجل رؤية الطباخين وهم يستعرضون نجوميتهم؟
