تصفية زعيم جديد لداعش في سوريا.. حضر التكتيك وغابت الاستراتيجية

تناقض التصورات الأميركية يمنح التنظيم قدرة على معاودة الظهور بقوة.
الخميس 2022/07/14
ملاحقة داعش دون استراتيجية واضحة لا تسرع القضاء عليه

تروّج الولايات المتحدة في محاربتها لتنظيم الدولة الإسلامية داعش لأهمية أسلوبها والتكتيك الذي يمكنها من الإطاحة بقادة وزعماء التنظيم، لكن هذا الأسلوب يظل قاصرا على إلحاق هزائم كبرى بالتنظيم الجهادي، لغياب الخطط الاستراتيجية، ولأنه يمنح داعش فرصة للملمة صفوفه والعودة بقوة على جبهات مختلفة.

في كل مرة تشتبك الولايات المتحدة مع تنظيم داعش ميدانيا وتحرز هدفها، يحرص المسؤولون فيها على الإيحاء بأهمية ما تحقق، لكن تظهر الفجوة بين الجهد التكتيكي المخدوم دعائيا مقابل غياب الخطة بعيدة المدى بشأن منع التطرف ومكافحته برؤية متماسكة أمنيا.

وظهر التناقض جليا مع حرص الرئيس الأميركي جو بايدن بنفسه على الإعلان الثلاثاء عن مقتل زعيم داعش في سوريا ماهر العقال، والذي وصفه البنتاغون بأنه أحد القادة الخمسة الأبرز بتنظيم داعش في سوريا، وعرّفه المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنه والي الشام بالتنظيم، ودل الاهتمام بهذا العمل على الاستغراق في الخطط التكتيكية لمكافحة داعش.

وحققت واشنطن الكثير من النجاحات على المستوى التكتيكي مؤخرا في تصفية عدد من رموز وقادة تنظيم داعش الميدانيين واستهداف ناشطيه الحركيين، ما عطل ديناميكية شبكات التنظيم وأحبط العديد من هجماته.

ولم يقترن النجاح الأميركي المعلن بما يوازيه في سياق تنفيذ خطة متكاملة تتعلق بتكريس واقع سياسي وأمني مستقر، وتدعيم نماذج حكم رشيد والحفاظ على وحدة الدول والمجتمعات.

وظلت الجماعات التكفيرية المسلحة تستقبل أعدادا متزايدة من المجندين مقارنة بأعداد الأعوام السابقة، لتصبح أوضاع حركات التمرد أكثر خطورة وزخما مما كان عليه وضعها مع بدء الحرب على الإرهاب في العام 2001، ما ينذر بتشكيل تهديد إرهابي أكثر انتشارا وتنوعا.

وهناك افتقار ظاهر في التوازن بين العمليات التكتيكية، وهي من اختصاص الأمنيين والعسكريين، وبين الرؤية الاستراتيجية الغائبة عن تصورات وتصريحات القادة السياسيين، مع أنها في صميم اختصاصهم.

تكريس الانقسام

 أعيننا عليكم.. نراقب.. ونستفيد مما يجري على الأرض
 أعيننا عليكم.. نراقب.. ونستفيد مما يجري على الأرض 

رغم أهمية الشراكة بين الولايات المتحدة والأكراد المتمركزين في شمال شرق سوريا، وما حققته هذه الشراكة من إنجازات في مكافحة داعش وصلت إلى مستوى إلحاق هزيمة مذلة بالتنظيم وتقويض خلافته المزعومة في العام 2019، إلا أن ذلك يظل في إطار العمل الذي تحد من نجاعته التناقضات الفجة بين الخطط التكتيكية والرؤى الاستراتيجية.

وتركز واشنطن في هذه الحالة على التقليل من التهديدات التي تشكل خطرا على مصالحها من خلال التمكين لشركاء محليين، في حين يتناقض هذا الجهد مع خطط تكريسها للانقسام السوري عبر خطط إنشاء شبه دولة أو منطقة حكم ذاتي للأكراد، وهو ما أعلنته مؤخرا الدبلوماسية الأميركية فيكتوريا نولاند خلال مؤتمر وزراء التحالف الدولي لهزيمة داعش، الذي عُقد بمراكش بالمغرب في مايو الماضي.

◙ التجارب أثبتت أن التكتيكات التي تحدث دويا إعلاميا مثل تصفية قادة بالتنظيم ليست الحل الأمثل لهذه المشكلة

ويصب تقسيم سوريا بإسهام قوي من الولايات المتحدة والأطراف المتداخلة في المعادلة، في صالح الجماعات الإرهابية، فتأسيس دويلة منفصلة يديرها الأكراد تحت الحماية الأميركية ليس فقط عملا غير قانوني، إنما خطوة مهددة للاستقرار.

ويتيح تقسيم سوريا بحكم الأمر الواقع والانفصال بمناطق منتجة للنفط وصالحة للزراعة فرصا محفزة للتنظيمات المسلحة الموازية، في ظل دولة مقسمة تضم حاميات من القوات الأجنبية تسكنها كيانات عرقية مرتبطة بالخارج ومنفصلة عن الوطن الأم وباقي مكوناته.

وتظهر واشنطن مع تلك الاستراتيجيات المناقضة لعملياتها التكتيكية على الأرض كطرف خارجي حريص على تحقيق مصالحه الخاصة فقط، على حساب المصالح الجامعة للسوريين.

وتعنى الجهود الأميركية بتنمية دويلة مصغرة في شمال شرق سوريا بالتعاون مع تركيا، التي تسيطر الميليشيات الموالية لها على منطقة الحدود الشمالية للأراضي السورية.

ويهدف احتفاظ واشنطن بقاعدة التنف العسكرية الأميركية غير الشرعية من خلال تأمين شمال شرق سوريا وحمايتها في جنوب شرق البلاد المتاخم للأردن، إلى حماية إسرائيل من فرضية إنشاء محور مقاومة إيراني متصل وممتد من طهران إلى لبنان ثم إلى فلسطين.

ولا توفر تلك الخطط المعنية بتعزيز السيطرة الخارجية على الموارد السورية وحماية الحلفاء الإقليميين، الأرضية الملائمة لبرامج مكافحة الإرهاب المستدامة وتسهم في إضعاف الدولة المركزية وتنمي الشعور بالاضطهاد والتهميش، وتمنح قادة التنظيمات المسوغات لحمل السلاح وإضفاء شرعية على نهجهم التكفيري بحجة مقاومة محتلين أجانب.

العملية الوشيكة

عملية مدروسة أصابت الهدف.. لكن ارتداداتها تبقى ماثلة
عملية مدروسة أصابت الهدف.. لكن ارتداداتها تبقى ماثلة 

تزعم تركيا بين الحين والآخر أنها تحارب داعش، وقبل أسابيع قليلة أعلنت عن القبض على قيادي كبير في التنظيم قيل إنه خليفة داعش الجديد أبوالحسن الهاشمي، لكن ممارساتها على الأرض وخططها المعلنة تقوض إمكانية تكريس استراتيجيات بعيدة المدى لمكافحة الإرهاب والتطرف.

وأتمت أنقرة تجهيزاتها لتنفيذ عملية عسكرية في شمال سوريا الأيام المقبلة، وفقا لتصريحات قادة عسكريين في تركيا وقادة فصائل مسلحة موالية لها، ووفقا للكثير من الشواهد على الأرض.

ويدل هذا التطور على فشل الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية في الحيلولة دون انطلاق عملية تمثل في جوهرها طوق نجاة لداعش في سوريا وفي عموم المنطقة.

◙ الحل للقضاء على داعش يكمن في عودة سوريا كدولة موحدة وكمجتمع منفتح تنعم فيه العرقيات المتباينة بفرص متساوية

ولا قيمة للإعلان عن استهداف وتصفية أي قيادي بداعش مهما كانت خطورته ومكانته في التنظيم من قبل واشنطن أو أنقرة، في وقت تتأهب فيه الساحة لتمكين ميليشيات مسلحة مؤدلجة مدعومة من تركيا تحت مسوغ إقامة ما يُعرف بالمنطقة الآمنة بعمق 30 كيلومترا على طول الحدود الجنوبية لتركيا مع سوريا.

يناقض نجاح الولايات المتحدة في تكتيكات تصفية قادة داعش في سوريا فشلها في الخطط بعيدة المدى، خاصة أن العجز عن منع تركيا من تنفيذ تصوراتها يهدد أمن واستقرار الملايين من السوريين، وينعش فرص الفوضى والنزوح والفقر والمجاعة، وهي بيئات مثالية لنمو داعش وتمدده.

ولن تكون العملية العسكرية الوشيكة بالتعاون بين القوات التركية والفصائل المسلحة المدعومة من أنقرة على حساب قوات سوريا الديمقراطية فقط، إنما أيضا على حساب سكان المنطقة الأصليين.

وقد حررت تركيا في السابق ثلاثة آلاف من مقاتلي داعش بعد دخولها مدينة عفرين عام 2018، ولن يكون هذا السيناريو غائبا عن مشهد العملية التركة المرتقبة.

ويقلل من قيمة الإعلان عن تصفية بعض قادة داعش ما تنتظره الساحة، في حال تسبب الدخول التركي في تحرير الآلاف من عناصر داعش من سجون قوات سوريا الديمقراطية.

توجهات شاملة

الهدف واضح لكن إمكانية التغيير واردة وفي كل لحظة
الهدف واضح لكن إمكانية التغيير واردة وفي كل لحظة 

جرت العادة عندما يُقتل فيها قائد لداعش أو زعيم يجري استبداله سريعا، وثبت مع تطورات الأحداث أن نشاط التنظيم يتأثر، لكن لا يتوقف تماما إذا قُتل بعض قادته أو حتى فقد سيطرته المكانية على مساحات شاسعة من الأرض، حيث لا يزال حاضرا ونشطا في صحراء البادية السورية.

ترجع قدرة داعش على المقاومة والاستمرار وربما العودة بقوة إلى الافتقار إلى استراتيجية شاملة وعدم مراعاة مصلحة جموع السوريين ومقتضيات وحدة الدولة، والانشغال بالحرب في أوكرانيا وقلة عدد قوات التحالف وتراجع عملياته.

وتلتزم الفصائل السورية المدعومة أميركيا بمناطق محددة لا تتجاوزها، مثل فصيل مغاوير الثورة الذي يحمي فقط منطقة الخمسة والخمسين كيلومترا والمدنيين القاطنين بها، ولا يمتلك الأدوات والموارد ولا المقدرة الميدانية على ملاحقة خلايا داعش في صحراء البادية الشاسعة.

◙ ترجع قدرة داعش على المقاومة إلى غياب استراتيجية شاملة وعدم مراعاة مصلحة جموع السوريين والانشغال بالحرب في أوكرانيا

وفي اجتماع مايو الماضي بمدينة مراكش المغربية، حذر وزراء التحالف الدولي لمحاربة داعش من استمرار قدرة التنظيم على شن هجمات في كل من سوريا والعراق، وأن ضمان الهزيمة الدائمة للتنظيم يمثل الأولوية لديهم.

وأثبتت التجارب أن التكتيكات التي تحدث دويا إعلاميا مثل تصفية قادة مهمين بالتنظيم ليست الحل الأمثل لهذه المشكلة، وقد تفيد في حال كانت في سياق خطة أشمل تقدم مصلحة البلاد ومختلف مكونات الشعب السوري على مصلحة بعض كياناته ومصالح الأطراف الخارجية المتداخلة.

ولن يحدث تطور كبير على الأرض ولن يُهزم تنظيم داعش تماما، وربما يحرز انتصارات ويعاود الظهور بقوة إذا لم يُعالج التناقض الفج بين السياسة الأميركية التي تركز على العمليات التكتيكية الخاطفة مقابل الافتقار إلى استراتيجية واضحة لتوحيد سوريا وتقوية مؤسسات الدولة.

ويمهد تعزيز الحكم الرشيد وتأمين تدابير مكافحة الفساد لتمكين الشعب من تقرير مصيره وبناء دولته، ليصير الرقم الأول في معادلة الجهود الرامية إلى منع ممارسة العنف ومكافحة التطرف والإرهاب.

إذا أرادت الولايات المتحدة القضاء جذريا على تهديد تنظيم داعش، عليها ألا تركز فقط على قتل رؤوسه وقادته ورموزه، فهؤلاء قد يعوضهم التنظيم سريعا. الحل الوحيد يكمن في عودة سوريا كدولة موحدة وكمجتمع منفتح تنعم فيه الثقافات والعرقيات والمذاهب المتباينة بفرص متساوية.

7