تصريحات ياسر العطا وأحلام سيطرة الجيش

في التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الفريق ياسر العطا، برزت حالة من الغموض والقلق بشأن مستقبل السلطة السياسية في السودان. فقد أكد العطا بوضوح أن الجيش لن يتخلى عن السلطة للمدنيين، وأن قائد الجيش سيظل محتفظاً بصلاحياته السيادية حتى في حال انتخاب حكومة مدنية. هذه التصريحات تعكس رغبة واضحة في بقاء الجيش في موقع القيادة والتحكم، ما يثير تساؤلات حادة حول مستقبل العملية السياسية في البلاد وإمكانية تحقيق التحول الديمقراطي.
تصريحات العطا تأتي في وقت تعاني فيه البلاد من توترات وأزمات متعددة. فالجيش، الذي كان قد انسحب من العاصمة الخرطوم وعدد من الولايات إلى بورتسودان، يواجه تحديات هائلة في ظل الوضع الراهن. هذا الانسحاب يشير إلى ضعف في قدرة الجيش على إدارة الأزمات والسيطرة على الوضع الأمني. وفي ظل هذه الظروف يبدو أن الجيش يسعى إلى وضع غطاء مدني لحكمه مستقبلاً من خلال تنظيم انتخابات صورية، تهدف إلى وضع التيار الإسلامي بقيادة علي كرتي في صدارة المشهد السياسي، وهو ما يعزز القلق بشأن إمكانية تحقيق تغيير حقيقي.
◄ المستقبل السياسي للسودان يعتمد بشكل كبير على كيفية تعامل الأطراف المختلفة مع هذه التحديات والتزامها بإيجاد حلول تلبي تطلعات الشعب وتحترم مبادئ الديمقراطية والعدالة
تصريحات الفريق ياسر العطا تعكس أيضاً الموقف التقليدي للإسلاميين الذين ينظرون إلى الانتخابات كمجرد وسيلة للوصول إلى السلطة، دون الاعتراف الكامل بكونها عملية ديمقراطية تتطلب احترام إرادة الشعب وتعزيز المؤسسات المدنية. من خلال تصريحاته، يبدو أن العطا يسعى إلى تمهيد الطريق لإعادة تمكين الإخوان المسلمين في السودان، وهو ما يعكس نية واضحة لاستعادة الهيمنة السياسية التي فقدتها الجماعة. هذا التوجه يثير قلقا عميقا بشأن مستقبل الديمقراطية في البلاد، ويعكس مخاوف متزايدة حول إمكانية حدوث تحولات غير مرغوب فيها على مستوى الحكم.
التحليل يتعمق أكثر عندما نضع في اعتبارنا التزامن بين تصريحات العطا وانتخاب علي كرتي رئيساً للتيار الإسلامي العريض. هذا الانتخاب يشير إلى انسجام واضح في الأهداف السياسية بين العطا وكرتي. علي كرتي، الذي يعتبر من أبرز رموز الإسلاميين، يرفض دعوات وقف الحرب ويطمح إلى إعادة الإخوان المسلمين إلى السلطة. هذه الديناميكية تعزز المخاوف بشأن عودة الأجهزة القمعية التابعة للإخوان المسلمين إلى الساحة السياسية، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي. الوصف الذي استخدمه العطا لرئيس هيئة الأمن والمخابرات بـ“ابن الأكرمين” يسلط الضوء على العلاقات الوثيقة بين هؤلاء الأفراد والتوجهات السياسية التي يسعى لتحقيقها.
يشير الوضع الراهن والتطورات السياسية الحالية إلى مرحلة تحول قد تكون حساسة ومليئة بالتحديات بالنسبة إلى السودان. مواجهة هذه التحديات تتطلب من جميع الأطراف المعنية العمل بشكل مكثف ومشترك لإيجاد حلول سلمية ومستدامة للأزمة السياسية. يتعين على القوى السياسية والاجتماعية أن تتجاوز أساليب التعامل التقليدية، وأن تتبنى نهجا جديدا يعزز فرص الحوار والتعاون البنّاء فيما بينها. فقط من خلال هذه الجهود يمكن تحقيق استقرار حقيقي وضمان تحقيق التحول الديمقراطي الذي يتطلع إليه الشعب السوداني.
إن المستقبل السياسي للسودان يعتمد بشكل كبير على كيفية تعامل الأطراف المختلفة مع هذه التحديات والتزامها بإيجاد حلول تلبي تطلعات الشعب وتحترم مبادئ الديمقراطية والعدالة. التصريحات الحالية والتطورات السياسية تضع أمامنا صورة معقدة للمستقبل، ما يستدعي جهودا مركزة لضمان تحقيق الاستقرار والتنمية في البلاد.