تصدع الاردوغانية يبشر بسيسي تركي

الاثنين 2015/06/22

الخميني أسس إمامة صفوية ودولة فقهاء طائفية في إيران، بمعنى جيش جديد ومؤسسات دولة جديدة. وليس مثل أردوغان الذي يقود حزبا إسلاميا حاكما على مؤسسات أتاتورك العلمانية، أي أن حزبه ممكن أن يسقط في انتخابات، كما حدث مؤخرا وتنتهي الحكاية. بينما إيران قدمت نموذج “ولاية الفقيه” الذي حاربته أميركا في البداية وحاصرته، ثم عادت وتحالفت معه ضد العرب.

المشروع الأردوغاني منافق وهو يشبه شخصية الإخوان المسلمين تماما. فهو من جهة يستثمر في القضية الفلسطينية، كما رأينا بوقفة أردوغان الإعلامية الشهيرة ضد شمعون بيريز في مؤتمر دافوس لصالح الفلسطينيين، ومن جهة أخرى يقوم بمناورات عسكرية مشتركة مع الجيش الإسرائيلي. وكذلك إدعاؤه المستمر بمواجهة الغرب لصالح المسلمين، لم يمنعه من دعم موقع بلاده المتميز كعضو في حلف الأطلسي. وكان آخر مكر إخواني من أردوغان هو تصريحاته بدعم “عاصفة الحزم” ضد الحوثيين عملاء إيران، تلك التصريحات التي سبقت رحلته إلى إيران بأيّام وعقد صفقات تجارية معها بمليارات الدولارات.

ستون بالمئة من الشعب التركي لم يصوت لحزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان فعليا، ولأول مرة منذ عام 2002 يجد أردوغان نفسه عاجزا عن تشكيل حكومة أغلبية بمفرده. ومع حدة الاستقطاب السياسي العرقي بسبب الخوف من أسلمة الدولة وسياسة أردوغان الإقليمية تصاعد نجم “الحزب القومي” بـ80 مقعدا برلمانياً يقابلها عدد مماثل للحزب الكردي “حزب الشعوب الديمقراطي” الأمر الذي يهدد البلاد بالتفكك. ربما من السابق لأوانه التشاؤم، إلا أن المؤسسة العسكرية الأتاتوركية قد تدخلت قبل ذلك أربع مرات لإنقاذ الهوية العلمانية للدولة من فوضى السياسة، ولا نستبعد أمام الاستقطاب السياسي الحاد الذي يهدد بفوضى سياسية أن تتدخل المؤسسة العسكرية للمرة الخامسة في المستقبل.

فقد نجد أنفسنا أمام عبدالفتاح السيسي تركي في أنقرة، ينقذ البلاد من الصراعات السياسية التي قد تعصف بمنجزات البلاد.

فقد أردوغان القدرة على التفرد بالسلطة في الحكومة والبرلمان. انتهى حلم الإخوان المسلمين بصناعة “سلطان عثماني” جديد بحماية حلف الأطلسي. لا يمكن الجمع بين الخلافة والديمقراطية؟ ويبدو أن أتاتورك الذي أسس الدولة التركية العلمانية، يضحك في قبره الآن على محاولة أردوغان تغيير دولته بمؤسساتها العلمانية الراسخة.

وكما أدارت الوطنية المصرية لمشروع الإخوان المسلمين ظهرها، تبدو الديمقراطية التركية هي الأخرى تدير ظهرها لأردوغان وحلفائه من الإخوان العرب، الذين قدّموا لنا “حزب العدالة والتنمية” وعلى مدى سنوات كنموذج مشرق لزواج الإسلام السياسي بالديمقراطية، ورسموا للعرب صورة أنقرة كعاصمة قادمة للخلافة الرشيدة.

أردوغان ملأ تركيا باللاجئين الأكراد والعراقيين والسوريين بسبب سياسته الخارجية التي تعتمد المساومة أكثر من الانحياز الحقيقي لقضايا المسلمين. فبينما إيران تدعم علنا الميليشيات العراقية وحزب الله والأسد، كان أردوغان يدعم بالخفاء المتطرفين ويساوم الغرب والعرب والإيرانيين على مطالب متعلقة بمشروعه العثماني. لقد ترك هذا المكر السياسي سنة العراق وسوريا في حيرة مستمرة من أمرهم، بل أصبح الواقع مجرد مفاجآت وصفقات مخابراتية كبرى لا تفهمها سوى دوائر المخابرات العليا.

من الطبيعي أن تؤدي سياسة خارجية كهذه إلى تصاعد التوتر القومي في البلاد، وزيادة نفوذ الأحزاب القومية التركية والكردية، إضافة إلى تصاعد الحركات المتطرفة داخل تركيا نفسها، والتي قد تنفجر مع بدايات الأزمة السياسية القادمة وصعوبة تشكيل حكومة متماسكة وقوية.

أنهت الانتخابات التشريعية التركية الأخيرة أكثر من عشر سنوات من سلطة أردوغان المطلقة، وهي تمثل بداية لتحول سريع في مزاج الشعب التركي، لأول مرة تتصاعد في الإعلام التركي انتقادات للحزب الحاكم وأردوغان، بعد أن كان مجرد التلميح يؤدي إلى طرد الصحفيين وسجنهم.

لقد عانت المنطقة من تصاعد الإسلام السياسي الذي اختطف ثورات الشعوب بعد الربيع العربي وحوّلها الإخوان المسلمون إلى حلم إمبراطوري بخلافة عثمانية. وربما كانت معاناة سوريا والعراق أكبر بحكم الموقع الجغرافي الواقع بين الاستقطاب الصفوي والأردوغاني.

كيف يمكن أن يدعم أردوغان جبهة النصرة المنتمية إلى القاعدة في الخفاء، وفي نفس الوقت يعلن استعداده لتدريب المعارضة السورية المعتدلة في مشروع ترعاه الولايات المتحدة. وكيف يدعم قضية السنة في العراق، وحلفاؤه من الحزب الإسلامي العراقي الإخواني، جزء من الحكومة الصفوية ويقاسمونها الغنائم والمناصب حتى بعد سقوط معظم المناطق السنية تحت يد الدولة الإسلامية المتطرفة؟

هذه الصورة المتناقضة هي التي جعلت الكثير من الدول العربية تنظر بعين الريبة إلى السياسة التركية المتحالفة مع الجميع تحت شعار “تصفير المشاكل” والتي تقود في نفس الوقت عدم الاستقرار في الخفاء.

شيء جيد أن تحافظ تركيا على علاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة، إلا أن هذا لا يمكن أن يستمر طويلا إذا كانت سياستها الخارجية تثير قلق الجميع.

ثم إن المشروع الإخواني في المنطقة العربية أثار حالة شاملة من التطرف، وهدد الدولة الوطنية والسلم الأهلي في بلدان مستقرة كثيرة. لهذا فإن الدعم الأردوغاني للإخوان المسلمين الذي وصل إلى اتهام شيخ الأزهر نفسه بالجهل وبالخروج من الإسلام يعتبر مقلقا في نظر القادة العرب، ولا يتناسب مع العلاقات التجارية والمصالح الكبيرة بين تركيا ومحيطها العربي. ويبدو أن المشاكل التي أثارتها سياسة أردوغان ترتد في النهاية على الداخل، وتسبب تراجعا غير مسبوق في سلطته، كما حدث في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

وعلى النقيض من المشروع الصفوي الذي يلقي بثقل إيران خلف الشيعة، كان المشروع الأردوغاني يحرك بالخفاء ويساوم في العلن. وكأنه يريد فرض مشروعه على العالم على دماء السنة في العراق وسوريا.

لم يفلح أردوغان في إعادة بناء دولة تركية جديدة على نمط ولاية الفقيه الإيراني، ويبدو أن معدة الديمقراطية التركية لم تهضمه في النهاية. وسيكون صعبا عليه التخلي عن أحلامه الكبرى والتحالف مع بقية الأحزاب لتشكيل حكومة ائتلاف. المرجح أن البلاد ستدخل في نفق خطير مع الزمن، إذا لم يظهر عبدالفتاح السيسي تركي يعلن انتخابات جديدة ويعيد البلاد إلى بر الأمان.

6