تشاد دون حلفاء في مواجهة جماعة بوكو حرام

نجامينا قلقة من محاولات جرها للتورط في الصراع السوداني.
الأحد 2024/11/17
تحديات متعددة أمام جيش تشاد

الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي يتولى ملاحقة فلول بوكو حرام في عمق جزر وغابات حوض بحيرة تشاد ضمن مقاربة تقوم على الاستباق ومنع الجماعة المتشددة من استعادة المبادرة، لكن نجامينا تخوض المعركة لوحدها في غياب أيّ دعم من حلفاء إقليميين أو دوليين.

تحاول تشاد أن تنهض مرحليا بمفردها في مواجهة التمرد الإرهابي في ظل تزايد نشاط جماعة بوكو حرام في بحيرة تشاد، وتكرار هجماتها ضد جيشها، وسط حالة إقليمية متراجعة في دول نيجيريا والنيجر والكاميرون وبنين، أو مُصدّرة للتوترات مثل السودان، أو تعاني من الافتقار للإنجاز والتخبط بين حليف غربي سابق، وروسي حالي كما هو مع عدد من دول الساحل الأفريقي، لكنه توجه لا تتوفر له كل عوامل النجاح.

وردت ترجمة رغبة تشاد في العمل منفردة إلى حين تحديد وجهة تحالفاتها من خلال التهديد بالانسحاب من القوة المشتركة متعددة الجنسيات عقب تزايد خسائرها في مواجهة هجمات بوكو حرام، حيث شكت من غياب التنسيق وتقاعس جيرانها عن التصدي للمجموعات الإرهابية، وإطلاق الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي لعملية منفردة (حسكانيت) لتعقب عناصر بوكو حرام عقب تنفيذهم أحد أعنف الهجمات الإرهابية التي استهدفت تشاد هذا العام.

واستدعى هجوم بوكو حرام النوعي الذي نُفذ في 28 أكتوبر الماضي على قاعدة بجزيرة “بركرم” بالقرب من الحدود النيجيرية مخلفا أربعين قتيلا في صفوف الجيش الإسراع في تنفيذ العملية العسكرية الخاصة التي سُمّيت باسم نبات محلي صحراوي مشهور بالصمود في الظروف القاسية إمعانا في المحلية، لكن النتيجة لم تكن في صالح الجيش حيث قُتل 15 جنديا آخرون وأصيب عشرات في اشتباك مع عناصر بوكو حرام بمنطقة بحيرة تشاد.

◄ الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي مجبر على التعامل مع الهجمات المتفرقة لبوكو حرام ومع الوضع الاقتصادي والسياسي غير المستقر ليضمن كسب الشرعية لحكمه
الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي مجبر على التعامل مع الهجمات المتفرقة لبوكو حرام ومع الوضع الاقتصادي والسياسي غير المستقر ليضمن كسب الشرعية لحكمه

تحاول تشاد خلال هذه المرحلة عدم التأثر بما يجري حولها من انهيارات وألا ينتقل الإرهاب إليها من حالة خارجية عابرة للحدود من قِبل جماعات أجنبية (خاصة بوكو حرام) إلى ملف محلي يُجنَد فيه متمردون تشاديون.

وتقف تشاد مترددة حيال مختلف التحالفات والأطراف؛ فهي ساخطة على التحالف متعدد الجنسيات مع نيجيريا والنيجر والكاميرون وبنين رغم إحرازه بعض التقدم في بداياته، ومتوجسة من الاضطرار لتغيير تحالفاتها على غرار دول الساحل التي أدارت ظهرها للدول الأوروبية والولايات المتحدة، وأقامت تحالفا مع روسيا بعد الفشل الذريع لقوات فاغنر في مالي وتخشى تكرار خسارة حلفائها الغربيين، كما أنها قلقة من محاولات جرّها للتورط في الصراع السوداني بعد ظهور إشارات تشي بروابط بين الإسلاميين في السودان ونشاط بوكو حرام في بحيرة تشاد.

يلزم الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي التعامل مع الهجمات المتفرقة التي تشنها جماعة بوكو حرام ومع الوضع الاقتصادي والسياسي غير المستقر ليضمن كسب الشرعية لحكمه، لأن البلاد مقبلة على إجراء انتخابات تشريعية خلال ديسمبر المقبل، وهي التي تقاطعها أحزاب المعارضة ويدخلها الائتلاف الرئاسي وهو يعاني خلافات داخلية.

يدافع ديبي عبر دخوله مواجهة مع بوكو حرام داخل الغابات والمستنقعات والجزر الواقعة وسط بحيرة تشاد في غياب التنسيق مع شركاء إقليميين فاعلين عن مستقبله السياسي، عبر طمأنة الداخل التشادي وتفويت الفرصة على المعارضة السياسية التي تستخدم ملف الإرهاب لتأليب الرأي العام على حكمه تحت مبرر فشل القيادة السياسية في التعامل مع التهديدات الإرهابية المُحدقة.

يُعد تصميم نظام الرئيس محمد إدريس ديبي على ملاحقة فلول بوكو حرام في عمق جزر وغابات حوض بحيرة تشاد خطوة استباقية حتى لا يعطي الجماعات الإسلامية الأصولية في الداخل فرصة للتعاون والاتصال مع أخرى عابرة للحدود، ولجعل الأصوليين التشاديين تحت السيطرة، بالنظر إلى أنهم يتوزعون بين أغنياء مؤيدين ومستفيدين من حكمه وهم الأكثر تشددا حيث لم ينقلبوا على الهياكل الفاسدة وتمسكوا بالسلام معه، وآخرين معارضين ينتظرون الفرصة المواتية لإزاحته بحجة معاناتهم من الظلم الاجتماعي وتمسّح النظام الحاكم بالديمقراطية لكسب شرعية زائفة.

ويحاول نظام ديبي عزل الحالة التشادية عن الإقليم الذي انتشرت ونمت في عدد من دوله الجماعاتُ الإرهابية، وفي مقدمتها بوكو حرام، نتيجة عوامل موجودة أيضا في تشاد وهي الفقر والبطالة والفساد وسوء الإدارة والسخط الشعبي على الأنظمة السياسية والنزعات العرقية.

ورغم أنها تستوفي جميع الأسباب الرئيسية التي تشكل تربة خصبة للتمرد الإرهابي المسلح ذي الطابع المحلي، إلا أن تشاد لم تنجرف حتى الآن إلى العنف ولا يزال التطرف الأصولي داخلها مسالما ويقتصر تهديد الإرهاب فيها على الهجمات العابرة للحدود.

◄ بوكو حرام عادت إلى المشهد أكثر قوة وقدرة على شن هجمات كبيرة ونوعية بعد فترة ضعف شديد نتيجة الضربات المكثفة للجيش النيجيري
بوكو حرام عادت إلى المشهد أكثر قوة وقدرة على شن هجمات كبيرة ونوعية بعد فترة ضعف شديد نتيجة الضربات المكثفة للجيش النيجيري

ومن خلال تعزيز دوره في الحرب على الإرهاب وتقويض جماعة بوكو حرام وكبح تهديداتها يسعى الرئيس التشادي إلى ترسيخ دور بلاده كشريك أساسي للقوى الدولية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا التي تعصف بها الأزمات، خاصة أنه بذلك لا يحافظ على أمن تشاد فحسب إنما دول أخرى أيضا مثل الكاميرون والنيجر وباقي دول الساحل الأفريقي.

تتمركز بوكو حرام في شمال شرق نيجيريا (ولاية بورنو) وهي متاخمة للكاميرون وتشاد والنيجر، وتشن هجمات على القوات التشادية وتنفذ عمليات أيضا في شمال الكاميرون، علاوة على هجماتها ضد نيجيريا ومنها الهجوم الدموي في سبتمبر الماضي الذي أسفر عن مقتل نحو مئة شخص، وهو ما يعكسه توسع نشاطها في منطقة بحيرة تشاد حيث تلتقي حدود الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا.

افتقار تشاد للحلفاء خلال هذه المرحلة بالنظر إلى تراجع فاعلية دور الحلفاء الدوليين، مثل فرنسا والولايات المتحدة اللتين يُنظر إليهما كشريكين لنجامينا في مجال الحرب على الإرهاب في الساحل وغرب أفريقيا، وفي المقابل عدم الوثوق في نجاعة الانتقال للحليف الروسي بجانب تراجع أداء حلف دول جوار تشاد، كل ذلك يصبّ في مصلحة جماعة بوكو حرام التي تحرص على استغلال الفرصة لإحياء نفوذها ونزع زعامة الساحة الإرهابية في الساحل وغرب أفريقيا من تنظيم داعش عبر بوابتي حوض بحيرة تشاد والساحل، وهما ساحتان رئيسيتان للإرهاب في أفريقيا خلالالسنوات الأخيرة.

واكتفت جماعة بوكو حرام بتنفيذ بعض العمليات الخاطفة والمركزة لاستعادة الجزر الرئيسية في بحيرة تشاد التي فقدتها سابقا لصالح تنظيم داعش في غرب أفريقيا، ولم تتوسع في الاشتباكات ضده حيث أصابه الضعف نتيجة استهدافه بشكل مكثف من قبل التكتلات الدولية والإقليمية والجيوش المحلية.

وعادت بوكو حرام إلى المشهد أكثر قوة وقدرة على شن هجمات كبيرة ونوعية بعد فترة ضعف شديد نتيجة الضربات المكثفة للجيش النيجيري وهجمات فرع داعش في غرب أفريقيا ما اضطر عناصرها للهرب إلى الخارج وتحديدا إلى الصومال وليبيا وأوروبا عبر البحر المتوسط أو الاستسلام للسلطات أو الانضمام لداعش، لكن سرعان ما استعادت تماسكها عبر تجنيد جيل جديد من الشباب وحيازة ثروة هائلة من خلال الهيمنة على الاقتصاد العابر للحدود وتشغيل الأسواق العامة وممارسة الابتزاز والسطو المسلح والاختطاف.

تشاد لم تنجرف إلى العنف ولا يزال التطرف الأصولي داخلها مسالما ويقتصر تهديد الإرهاب فيها على الهجمات العابرة للحدود

استغلت الجماعة التوترات السياسية بين تشاد ودول جوارها ونقص الموارد والتمويل الذي أضعف قدرة التحالف بينها على تنفيذ عمليات مشتركة قادرة على التصدي للهجمات الإرهابية بفاعلية لاختراق دول الحلف (قوة العمل المشتركة متعددة الجنسيات) والاستفادة من العناصر الفاسدة في قوات الأمن المحلية لمد عناصرها بالأسلحة وشراء البضائع والماشية المسروقة والتوسط لشراء المركبات المستخدمة في الهجمات.

وأضرت بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومات لحرمان الإرهابيين من ملاذهم الاقتصادي الآمن في بحيرة تشاد مثل حظر تصدير الأسماك ونقل الوقود بأرزاق أهالي المنطقة، وتمكين بوكو حرام من جني عائدات من السوق السوداء وجعلها من مصادر الدخل الرئيسية في المنطقة.

وإذا كانت تشاد قادرة على منع قوات أمنها من التواطؤ مع مقاتلي بوكو حرام بشكل مباشر أو غير مباشر والحد من تأثيرات بعض التكتيكات القاسية على المواطنين الملتزمين بالقانون، فلن تقدر على المواصلة بمفردها مستغنية عن الجهود العسكرية الكبيرة المنسقة مع دول الجوار ومع حلفاء دوليين، بالنظر إلى الانتشار الجغرافي الواسع لبوكو حرام في المناطق الحدودية والمستنقعات على أطراف بحيرة تشاد كغابةسامبيسا.

تظل بوكو حرام تمتلك الأفضلية الميدانية إذا استمرت جهود تشاد منفردة دون تنسيق إقليمي مع اعتماد الجماعة على العمل في خلايا صغيرة يصعب تعقبها وامتلاكها القدرة على الانتشار بالمناطق الهامشية، واستفادتها من تدهور الأوضاع الاقتصادية في تجنيد عناصر فقيرة وعاطلة عن العمل، في وقت يلعب فيه العامل المعنوي دورا مهما، لأن الجماعة تروّج عبر منابرها الإعلامية امتلاكها ما يخيف خصومها ويجعلهم يُحجمون عن المشاركة في حلف ضدها لخوفهم من انتقامها.

6