تشابي ألونسو بين إغراءات العمالقة ومواصلة نجاحاته

سطع نجم المدرب الإسباني تشابي ألونسو كمدرب في فترة قياسية وخاصة بعد قيادته فريق باير ليفركوزن لإحراز لقبه الأول في الدوري الألماني (البوندسليغا). فالفوز بلقب الدوري الألماني، والوصول إلى نهائي كأس ألمانيا، ومحاولة الفوز بكأس أوروبية، و42 مباراة هذا الموسم دون خسارة، يعتبر رقما قياسيا في تاريخ كرة القدم الألمانية، وهذا ما جعل المدرب تشابي ألونسو كأفضل مدرب شاب في العالم.
برلين - حظي تشابي ألونسو بمسيرة يحسد عليها كلاعب توج خلالها بكل الألقاب الممكنة سواء على صعيد الأندية أو المنتخب الإسباني. تمتع ألونسو بذكاء شديد وقدرة قيادية في وسط الميدان، جميع الأندية التي لعب لها (ريال سوسيداد وليفربول وريال مدريد وبايرن ميونخ)، جعلت الكل يتوقع له مستقبلا مميزا في المجال التدريبي عقب الاعتزال.
وكان من أبرز من توقعوا ذلك، مدربه السابق في ريال مدريد جوزيه مورينيو. أسدل ألونسو الستار على مسيرته كلاعب رفقة بايرن ميونخ في عام 2017، وسرعان من انشغل بالجانب التدريبي من خلال تدريب فريق ريال مدريد تحت 14 سنة أثناء إكماله دورة تدريبية للنخبة تابعة لليويفا في عام 2018.
وارتبط اسم ألونسو بالالتحاق بالجهاز الفني لبيب غوارديولا في مانشستر سيتي، إلا أنه قرر العودة إلى المدينة التي صنعت اسمه في بداية مسيرته وهي سان سيباستيان لتدريب الفريق الرديف لريال سوسيداد في عام 2019.
حينها كان هدف ألونسو هو الابتعاد عن الصورة بعض الشيء من أجل التعلم وحسب، ولم يتعجل في الموافقة على العروض التي وصلته، ليشرف على تدريب فريق يتواجد في الدرجة الثالثة الإسبانية، ونجح في موسمه الثاني في الصعود به للدرجة الثانية للمرة الأولى منذ موسم (1961- 1962). وحينها ارتبط اسمه بتدريب بوروسيا مونشنغلادبخ، لكنه قرر الاستمرار لعام رفقة الفريق الرديف لريال سوسيداد ليرحل عنه في نهاية الموسم ويتجه إلى تدريب ليفركوزن يوم 5 أكتوبر 2022.
تولى ألونسو تدريب ليفركوزن وهو يتواجد في المركز قبل الأخير في البوندسليغا بعد 8 جولات في أسوأ بداية للفريق منذ عام 1979، لكن قلب الإسباني حال الفريق رأس على عقب ووصل به إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي، وهو أول نصف نهائي أوروبي يصل إليه الفريق منذ 21 عاما. وأنهى ليفركوزن الموسم في المركز السادس ليتأهل للدوري الأوروبي في الموسم التالي، ليقرر البقاء رفقة النادي الألماني رغم اهتمام توتنهام هوتسبير بالتعاقد معه.
وفي صيف 2023 أبرم ألونسو العديد من الصفقات حيث ضم أليخاندرو غريمالدو وناثان تيلا وجوناس هوفمان وغرانيت تشاكا وفيكتور بونيفاس، وعدل من أسلوب لعب الفريق إلى (3-4-3) وطور مهارات التمرير والهجمات المرتدة لدى الفريق ليهمين بصورة تامة على مجريات الأمور محليا. وحطم ألونسو العديد من الأرقام القياسية على مدار الموسم، سواء في عدد المباريات المتتالية في تفادي الهزيمة، وعدد النقاط التي حصدها في النصف الأول من الموسم، قبل أن يهدي ليفركوزن اللقب الأول في تاريخه في البوندسليغا بعد الفوز على فيردر بريمن بخماسية نظيفة.
فرص في الطريق
على مدار سنواته القليلة في عالم التدريب، أتت العديد من الفرص لألونسو كما سبق ذكره سواء بالتواجد في الجهاز الفني للسيتي أو تدريب توتنهام، وازدادت الفرص بعد النتائج المبهرة التي قدمها رفقة ليفركوزن. وارتبط اسم ألونسو بقوة بتدريب بايرن ميونخ بعد إعلان البافاري رحيل مدربه توماس توخيل بنهاية الموسم الجاري، وألمح البايرن كثيرا إلى رغبته في التعاقد مع ألونسو بتصريحات من مديره الرياضي الجديد ماكس إيبرل.
كما ارتبط اسم ألونسو أيضا بتدريب فريقه السابق ليفربول مع إعلان يورغن كلوب الرحيل بنهاية الموسم، وارتبط اسمه أيضا بتدريب فريقه السابق أيضا ريال مدريد، لكنه أنهى حالة الجدل يوم 29 مارس الماضي بتأكيده الاستمرار مع باير ليفركوزن الموسم المقبل. لم يكن أشد عشاق ليفركوزن تفاؤلا يتوقع تتويج الفريق بلقب البوندسليغا هذا الموسم، لكن هناك العديد من قصص النجاح غير المتوقعة في عالم كرة القدم ولعل أبرزها في السنوات الماضية تتويج ليستر سيتي بلقب البريميرليغ الأسطوري في موسم (2015-2016) تحت قيادة كلاوديو رانيري.
ولم يستمر رانيري طويلا مع الثعالب بعد ذلك الإنجاز الأسطوري، حيث تمت إقالته في الموسم التالي مباشرة في شهر فبراير 2017، مع ابتعاد ليستر بنقطة واحدة عن مراكز الهبوط حينها. وفي البوندسليغا قصص مماثلة مثل قيادة المدرب أرمين فيه شتوتغارت للقب البوندسليغا في موسم (2006-2007) والأول منذ موسم (1991-1992)، وفي الموسم التالي (2007-2008) لم يتمكن من تكرار نفس النجاحات بإنهاء الدوري في المركز السادس.
◙ التحدي الأكبر أمام تشابي ألونسو يبقى الموسم المقبل، فهل ينجح في مواصلة قصته الأسطورية رفقة ليفركوزن
على الجانب الآخر هناك مدربون رحلوا مباشرة عقب تحقيق الإنجازات البارزة للمحافظة عليها، ومن بينها تجربة مشابهة في الدوري الألماني عندما قاد فيليكس ماجاث فريق فولفسبورغ للتتويج بلقب البوندسليغا للمرة الأولى في تاريخ النادي في موسم (2008- 2009) وقرر الرحيل عقب نهاية الموسم، وبالفعل تراجع فولفسبورغ بشدة في الموسم التالي الذي أنهاه في المركز الثامن.
ومن المفاجآت البارزة أيضا تتويج جوزيه مورينيو بلقب دوري أبطال أوروبا رفقة بورتو في موسم (2003-2004) ليقرر بعد ذلك الإنجاز التاريخي عدم رفض عرض تشيلسي، وكرر الأمر نفسه عندما توج بالثلاثية التاريخية رفقة إنتر في موسم (2009- 2010) واتجه لتدريب ريال مدريد. ويبقى التحدي الأكبر أمام ألونسو الموسم المقبل، فهل ينجح في مواصلة قصته الأسطورية رفقة ليفركوزن ومواصلة التألق محليا ونقله أيضا للصعيد القاري عند المشاركة في دوري الأبطال، أم تتراجع نتائج الفريق مجددا؟
وشدّد الإسباني تشابي ألونسو، على أهمية لاعب وسطه السويسري الدولي غرانيت تشاكا. وقال ألونسو “أهميته لا تقتصر فقط على داخل الملعب ولكن في غرفة خلع الملابس، إنه قائد حقيقي”. وانضم تشاكا من أرسنال الإنجليزي إلى ليفركوزن الصيف الماضي وساهم مع فلوريان فيرتز في تقديم فريقهما موسما استثنائيا، حيث توج بلقب البوندسليغا وينافس بقوة على لقب الدوري الأوروبي وكأس ألمانيا.
وتحدث تشاكا عن المواجهة أمام ويستهام الإنجليزي. وقال تشاكا “عندما تتواجد في دور الثمانية، يكون هناك تعطش دائم للفوز بشيء ما”. وعن إمكانية تتويج ليفركوزن بثلاثية تاريخية ، قال تشاكا “سيكون شيئا استثنائيا أن نفعل ذلك، مع اقترابنا من إنجاز المهمة بهذا الشكل سنحاول، نريد أن نحقق ذلك".
العقل التحليلي
استفاد تشابي الونسو من العقل التحليلي كمدرب بنفس القدر الذي استفاد منه كلاعب أحكم سيطرته على خط الوسط. ويركز تشابي في عقليته التدريبية على أسلوب الاستحواذ على الكرة. فليفركوزن هو صاحب أكبر عدد من التمريرات في الدوري الألماني هذا الموسم. هدف التمريرات الدائم هو البناء السريع للهجمات عبر الوسط. أحد الابتكارات التي قام بها تشابي ألونسو هذا العام هو إشراك الظهير في التقدم وفي التمريرات الجانبية للمهاجمين، وفي الهجمات المرتدة.
على الرغم من ذلك، أظهر تشابي ألونسو القدرة على تعديل أسلوبه، وعلى الأخص في الفوز الحاسم 3-0 على بايرن في فبراير. لقد استبعد جيريمي فريمبونغ ولاعب خط الوسط المهاجم يوناس هوفمان والمهاجم التشيكي باتريك شيك لجعل فريقه أكثر صلابة، ولكن مع الكثير من السرعة في الهجمات المرتدة. وأبطلت التغييرات المفاجئة آمال بايرن الذي سدد كرة واحدة فقط على المرمى رغم استحواذه على الكرة.
◙ ألونسو حظي بمسيرة يحسد عليها كلاعب توج خلالها بكل الألقاب الممكنة سواء على صعيد الأندية أو المنتخب الإسباني
شخصية تشابي ألونسو ليست استعراضية. وهو يمزج بين هدوئه المميز مع شغف واضح. ويحبذ توجيه التعليمات خلال المباريات من خط التماس. إلى جانب ذلك هو مريح وأنيق في تعاملاته مع وسائل الإعلام، سواء باللغة الإنجليزية أو الإسبانية أو الألمانية. يقول جيريمي فريمبونغ “هو شخص لطيف ويثق به جميع اللاعبين. يمكن لمس الإعجاب به وسعادة اللاعبين على أرض الملعب. جمع تشابي ألونسو خبرة المدربين الذين تدرب تحت قيادتهم ككارلو أنشيلوتي وبيب غوارديولا".
دار كلام لبعض الوقت عن أن تشابي ألونسو سيحل محل كارلو أنشيلوتي في تدريب ريال مدريد، أو ربما سيشغل موقع يورغن كلوب في تدريب ليفربول. غير أن تشابي ألونسو حسم الجدل بأنه باق مع ليفركوزن. وقال “لقد كان الموسم رائعاً حتى الآن، ونريد أن نواصل هذا الأمر. أشعر بأنني جزء من ذلك”. قد يكون تشابي ألونسو مجرد جزء واحد من قصة نجاح ليفركوزن، لكن من الصعب أن نتخيل أنه ليس الجزء الأكثر أهمية.
وتقدم الدوري الألماني لكرة القدم خطوة هامة أخرى نحو الحصول على مقعد خامس في النسخة المقبلة من بطولة دوري أبطال أوروبا، والسير على نهج الدوري الإيطالي. كما يمكن أن يمتلك الدوريان 6 أندية في البطولة الأهم والأقوى على مستوى الأندية في القارة العجوز موسم 2024-2025، بناء على نتائج أندية بوروسيا دورتموند الألماني، وروما وأتالانتا الإيطاليين. ويمنح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) أفضل دولتين في تصنيفه مكانا إضافيا في دوري الأبطال، فيما ينال المتوج بلقب البطولة وكذلك الفائز بلقب الدوري الأوروبي هذا الموسم، مقعدا مباشرا في النسخة القادمة بالمسابقة المرموقة.
خطوة هامة
ضمنت إيطاليا بالفعل التواجد في المركز الأول أو الثاني بتصنيف يويفا، حيث سينضم الفريق صاحب المركز الخامس بترتيب الدوري الإيطالي هذا الموسم لأندية المربع الذهبي في المسابقة المحلية، الصاعدة لدوري الأبطال. في المقابل، تفوقت ألمانيا بشكل أكبر على كل من إنجلترا وفرنسا، حيث تقترب من حجز مقعد خامس في دوري الأبطال، بجانب أصحاب المراكز الأربعة الأولى في ترتيب الدوري الألماني في الموسم الحالي.
وتمتلك ألمانيا 3 فرق في الدور قبل النهائي بالمسابقات الأوروبية المختلفة، حيث يتواجد بايرن ميونخ وبوروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا، وباير ليفركوزن في الدوري الأوروبي. أما إنجلترا، فلديها فقط أستون فيلا، الذي مازال يواصل مغامرته في دوري المؤتمر الأوروبي، ويمثل الدوري الفرنسي كل من باريس سان جرمان بدوري الأبطال، وأولمبيك مارسيليا في الدوري الأوروبي. ويلتقي دورتموند مع سان جرمان في قبل نهائي دوري الأبطال، وسيساهم تأهل الفريق الملقب بـ(أسود فيستفاليا) للمباراة النهائية، في تعزيز حظوظ الدوري الألماني وكذلك فرص النادي في الحصول على مقعد خامس بالبطولة الموسم المقبل.
ويتواجد دورتموند في المركز الخامس بالدوري الألماني حاليا، وهو ما سيكون كافيا للتأهل إذا احتلت ألمانيا المركزين الأول أو الثاني في تصنيف يويفا. ويمكن لدورتموند أيضا المشاركة في الموسم القادم بدوري الأبطال، حال تتويجه بلقب النسخة الحالية، الأمر الذي ربما يفتح الباب لصاحب المركز السادس بالدوري الألماني، الذي يحتله حاليا آينتراخت فرانكفورت، في التواجد بالمسابقة القارية، حال عدم وجود دورتموند في المراكز الأربعة الأولى بترتيب البطولة المحلية.
أما الدوري الإيطالي، فيمتلك وسيلتين لصعود صاحب المركز السادس لدوري الأبطال، حيث يحتل روما وأتالانتا المركزين الخامس والسادس على الترتيب في المسابقة المحلية، ومازالا يمتلكان حظوظا في الفوز بلقب الدوري الأوروبي هذا الموسم، الذي يضمن أيضا المشاركة بدوري الأبطال. ومن الممكن أيضا أن يشارك صاحب المركز السادس بالدوري الإيطالي في دوري الأبطال، في حال تتويج أتالانتا أو روما بالدوري الأوروبي شريطة عدم تواجد الفائز باللقب منهما ضمن المراكز الأربعة الأولى بترتيب البطولة المحلية. يذكر أنه سيتم تغيير النظام الحالي لدوري أبطال أوروبا، وزيادة عدد الأندية المشاركة إلى 36 فريقا بدلا من 32.