تسلّط آبي أحمد يهدّد نموذج الحكم الفيدرالي في إثيوبيا

حان الوقت لأن تتحدث الدول الغربية والديمقراطيات الأفريقية مباشرة عن المسار الخطير، الذي دفع أحمد إثيوبيا للسير فيه لأنها دولة متنوعة، لذلك فإنه ببساطة لن يكتب النجاح لأي دكتاتورية مركزية.
السبت 2021/01/09
عودة إلى المربع الأول

أديس أبابا – ازدهرت في الكثير من بلدان أفريقيا مع انتهاء الحرب الباردة مبادئ وأسس انتقال السلطة بفضل الديمقراطية، التي كان الحكام المستبدون قد خنقوها طوال عقود وقد لاحظت مؤسسة فريدوم هاوس الأميركية، كيف أسهمت الانتفاضات على الأنظمة السلطوية في تحقيق هذا التغيير.

لكن المراقبين يقفون اليوم على أطلال عودة الأساليب السلطوية إلى الواجهة، ويبدو أن إثيوبيا تسير في هذا الطريق، بسبب ما حصل من أعمال حربية بين قوات الحكومة وإقليم تغراي، الأمر الذي يهدد نموذج الحكم الفيدرالي المعقد في ثاني أكبر دولة بالنسبة لعدد السكان في أفريقيا بالنظر إلى تعدد العرقيات في هذا البلد.

ويقول مايكل روبين الباحث المقيم في معهد انتربرايز الأميركي، إن المزيد من الدول تحولت من دول ليست حرة إلى دول حرة جزئيا، وكانت من بينها إثيوبيا، ففي 1991 فر مينغستو هيلا ماريام الدكتاتور الماركسي، الذي حكم البلاد لفترة طويلة إلى المنفى في زيمبابوي. وتولى الحكم ميليس زيناوي كحاكم مؤقت، وتبنى الفيدرالية العرقية لإنهاء عقود من الصراع العرقي الذي كانت تعاني منه إثيوبيا.

مايكل روبين: آبي أحمد يسعى إلى تكرار حكم الدكتاتورية في بلاده
مايكل روبين: آبي أحمد يسعى إلى تكرار حكم الدكتاتورية في بلاده

وبعد خمس سنوات، أجرت إثيوبيا أول انتخابات متعددة الأحزاب وقاطعت بعض الأحزاب الانتخابات، التي وصفها مراقبون مع ذلك بأنها كانت نزيهة رغم سيطرة السلطات الحاكمة على موارد الدولة.

ومع ذلك، استمرت مضايقة الحكومة لمعارضيها، وزاد اندلاع الحرب مع إريتريا في العام 1998 من عرقلة التحرر السياسي، ورغم أن دستور 1995 كان تقدميا لم يكن واقع تنفيذه كذلك.

وعلى خلفية تراجع الديمقراطية على نطاق واسع في العام 2010، أعادت فريدوم هاوس تصنيف إثيوبيا لتكون دولة غير حرة، وأشارت إلى أن “مسار إثيوبيا كان سلبيا لعدد من السنوات، فقد كان رئيس الوزراء ميليس زيناوي يضطهد المعارضة السياسية، ويقمع المجتمع المدني”. وقبل عامين تم إدراج إثيوبيا، مع فنزويلا وتركيا واليمن، بين الدول التي تشهد أسرع تراجعات في مجال الحرية خلال العقد السابق.

ويؤكد روبين في تقرير نشرته مجلة “ذا ناشونال إنتريست” الأميركية، أن هذا ربما يكون هو السبب في أن يحظى تولي آبي أحمد رئاسة وزراء إثيوبيا بإعجاب الدبلوماسيين الدوليين. فقد خلف هيلا مريام ديسالين الذي كان أول مسؤول في تاريخ البلاد يتخلى عن منصبه طواعية.

وكان أحمد الذي يبلغ من العمر 41 عاما يمثل تغييرا في الأجيال، فقد أتى من خلفية جهاز أمني، لكنه اكتسب شهرة كونه إصلاحيا وزاد مثل هذا التفاؤل بالنسبة لنواياه، عندما سعى لإنهاء مواجهة دامت عقودا مع إريتريا، وهي مبادرة أكسبته جائزة نوبل للسلام عام 2019، اعترافا بـ”جهوده لتحقيق السلام والتعاون الدولي، وخاصة بالنسبة لمبادرته الحاسمة لحسم النزاع الحدودي مع إريتريا المجاورة”.

والحالات التي عرّضت جائزة نوبل للسلام للإحراج ليست قليلة، لكن رئيس الوزاراء الإثيوبي سرعان ما وضع نفسه ليكون بين أشد حالات الندم بالنسبة للجنة نوبل النرويجية، فإن ما رأته لجنة نوبل أنه مقامرة من أجل السلام، يبدو أنه اتفاق متعمد لدفن بلطة لاستخدام غيرها. فنزاع الحدود بين إثيوبيا وإريتريا كان يشبه معركة بين أصلعين يتقاتلان على مشط شعر.

وبعد تسوية الحدود، كان بوسع أحمد حينئذ بدء هجومه بالتعاون مع القوات الإريترية على إقليم تيغراي شمال البلاد، في إطار سعي رئيس الوزراء لإعادة مركزية إثيوبيا وإنهاء الحكم الذاتي، الذي تتمتع به المناطق ذات العرقيات المختلفة وفق ما ينص عليه الدستور.

ويرى روبين أنه يبدو أن سبب الحرب هو نزاع بين تيغراي والسلطة الفيدرالية بشأن جهود أحمد الأحادية لتوسيع نطاق سلطاته. ففي يونيو الماضي أعلن تأجيل الانتخابات. وقال أنصاره إن الحذر بالنسبة لمواجهة فايروس كورونا يستحق تمديد فترة بقائه في منصبه، بينما حذر خصومه من أن إبطال الدستور يفتح الباب أمام إعادة تعزيز دكتاتوريته.

وفي تيغراي لم تعترف حكومة الإقليم بتمديد فترة منصب أحمد، ومضت في إجراء انتخاباتها التي اعتبرها رئيس الوزراء “غير قانونية”، وردت سلطات تيغراي بأن إدانة أحمد لإجراء الانتخابات لا معنى لها، حيث إن فترة منصبه الدستورية انتهت في أكتوبر الماضي.

Thumbnail

وربما خوفا من إمكانية امتداد تحدي تيغراي ليشمل مناطق أخرى في إثيوبيا، أمر أحمد في نوفمبر الماضي قوات الدفاع الإثيوبية، بالسيطرة على الإقليم وعزل حكومتها المنتخبة. واستعدت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وهي إحدى القوى الرئيسية التي أطاحت بالحكومة العسكرية المؤقتة في إثيوبيا، للدفاع عن حكمها الذاتي المحلي وإحباط ما تردد عن خطط لتحويل أراض من منطقتهم إلى منطقة الأمهرة المجاورة.

ولقد كانت معركة وحشية، فقد قطعت القوات الإثيوبية الاتصالات عن ميكيلي عاصمة المنطقة، في الوقت الذي كانت تتقدم فيه القوات الإثيوبية نحو المدينة وتردد أنها أخضعتها لوابل من نيران المدفعية.

ورغم الإنكار المتكرر من جانب إثيوبيا، عين أحمد عمدة للمدينة يعترف الآن بأن القوات الإريترية شاركت أيضا في القتال، وهي حقيقة تعترف بها الآن أجهزة المخابرات الأميركية.

وتصف روايات شهود العيان قيام القوات الإثيوبية والإريترية بعمليات إعدام سريعة للمدنيين وسلب ممتلكاتهم. ويعتقد روبين أن دوافع السلطة بالنسبة لأحمد كانت وراء ذلك، وبالنسبة للدكتاتور الإريتري أسياس أفورقي كان المال هو الدافع.

نزوح الألاف إلى السودان
نزوح الألاف إلى السودان

ومثل الكثيرين قبله ممن يصفون أنفسهم بأنهم إصلاحيون، أصبح أحمد مدمنا للسلطة وهو ليس وحده في ذلك، ففي الصومال عمل الرئيس محمد عبدالله فارماجو مثله على تقويض الفيدرالية مثلما شهدته الصومال أثناء حكم عمه سياد بري. والأمر الذي يجعل أحمد خطيرا للغاية هو أن النرويجيين ذوي النوايا الحسنة منحوه وشاح صانع السلام.

ومع اتجاه إثيوبيا نحو الانتخابات التي تقرر مبدئيا إجراؤها في الخامس من يونيو المقبل، لم يؤدّ القتال الذي خاضه أحمد فقط إلى إضعاف منافسه الرئيسي، والذي تصادف أنه من تيغراي ولكن أيضا يمكّنه من استغلال سلطات فرض الطوارئ لزيادة تقويض الديمقراطية.

لقد حان الوقت لأن تتحدث الدول الغربية والديمقراطيات الأفريقية مباشرة عن المسار الخطير، الذي دفع أحمد إثيوبيا للسير فيه لأن إثيوبيا دولة متنوعة، لذلك فإنه ببساطة لن يكتب النجاح لأي دكتاتورية مركزية.

ومع سعي أحمد للتركيز على الجدل القومي، يبدو أنه على استعداد لافتعال المعارك ليس فقط مع مصر والسودان، ولكن أيضا مع كينيا. ويبدو أن اعتماد أحمد المتزايد على الصين لا يتعلق كثيرا بالتنمية، بقدر ما يتعلق بإيجاد نصير يمول انزلاق إثيوبيا نحو حكم الفرد المطلق.

وببساطة، يبدو أن أحمد ليس البديل الشاب الإصلاحي لأسياس في إريتريا، ولكنه تلميذه، فلقد جلب أسياس المأساة لإريتريا. ومن هذا المنطق يرى روبين أنه لا يجب أن يكون المجتمع الدولي معصوب العينين، في الوقت الذي يخاطر فيه أحمد المتعطش للسلطة بفرض نفس المصير في إثيوبيا.

Thumbnail
7