تساؤلات مشروعة عن مسيرات العودة

لم تأخذ حماس في اعتبارها غياب العمق العربي للكفاح الفلسطيني، بحكم انهيار أو اضطراب مجتمعات ودول المشرق العربي، ولأن الأوضاع العربية والإقليمية والدولية أدت إلى تهميش قضية فلسطين.
الاثنين 2019/04/01
حان الوقت لمراجعة مسيرات الشريط الحدودي في غزة، بمعزل عن الكليشيهات المعروفة

منذ انطلاقها، قبل عام، في شهر مارس 2018، في أيام الجمعة من الأسابيع الـ50، اتخذت مسيرات العودة أشكالا متعددة ضمنها مثلا مظاهرات أمام الشريط الشائك على حدود غزة مع إسرائيل، ومحاولات اختراق الأسلاك الحدودية، وتسيير جماعات للاختراق الليلي، وإشعال دواليب ودحرجتها باتجاه الطرف الإسرائيلي، وإطلاق بالونات حارقة نحو المستوطنات المحاذية للقطاع، كما تخللها في بعض الأوقات إطلاق صواريخ، رداً على قيام إسرائيل باستهداف المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي، ما كانت نتيجته تعرض غزة لقصف إسرائيلي، هدّد بشن حرب جديدة على القطاع، كما حدث في الأيام القليلة الماضية، والتي تمكن الوسيط المصري من وقف التدهور باتجاهها، بعد الاتفاق الحاصل بين الطرفين: الإسرائيلي والفلسطيني، لاسيما حركة حماس في غزة.

وللعلم فإن الوساطة المصرية نجحت في التوصل إلى تفاهمات معينة، ربما هي مؤقتة، تتعلق بتخفيف الحصار على غزة، وضمنها توسيع مساحة الصيد البحري إلى 12 ميلا، والسماح بإدخال أموال (من قطر) بشكل منتظم لفترة معينة قدرها 30 مليون دولار شهريا، بدلا من 15 مليون دولار، وزيادة عدد الشاحنات التي يتم إدخالها إلى القطاع عبر معبر كرم أبوسالم، وتعزيز إمدادات الكهرباء للقطاع، والسماح بإدخال مواد إلى غزة كانت ممنوعة تحت تصنيف “مزدوجة الاستعمال”، وتسهيل عمليات التصدير والاستيراد من وإلى القطاع.

أما حركة حماس، ففي مقابل ذلك، وعدت بوقف المواجهات الليلية على حدود القطاع، والامتناع عن إطلاق بالونات حارقة، وضمان سلمية المظاهرات، ولاسيما مظاهرة يوم الأرض (30 مارس الماضي، الذكرى الأولى لانطلاق مسيرات العودة)، وإبعاد المتظاهرين مسافة 300 متر عن السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل، إذا دخلت الهدنة الفعلية حيز التنفيذ وليس قبل.

إزاء كل ذلك فإن هذه التجربة التي استمرت عاما كاملا تثير العديد من الملاحظات، أو التساؤلات أهمها:

أولا في غضون الأسابيع الخمسين الماضية، لقي 270 فلسطينياً مصرعهم برصاص الجيش الإسرائيلي، في تلك المسيرات، بمعدل 23 شهيداً في الشهر، هذا عدا حوالي 16 ألف جريح، مئات منهم باتوا معوقين، وهو ثمن باهظ جدا وكارثي لفلسطينيي غزة، مع الفقر وانعدام فرص العمل والإغلاق والحصار منذ 12 عاما، فهل يتناسب الاتفاق الحاصل مع كل تلك التضحيات؟ علما أن غزة لم تكن تخضع للحصار قبل العام 2006، وأن حماس التي وعدت باستمرار المقاومة، لدى سيطرتها الأحادية على القطاع في العام 2007، باتت تنحو نحو تهدئة أو هدنة طويلة مع الاحتلال.

ثانيا معلوم أن تلك المسيرات بدأت بمبادرات شبابية، كشكل من أشكال التعبير السلمي، إلا أنه سرعان ما تم أخذها، أو تحريكها، من قبل حركة حماس، بحيث أطلق عليها اسم “مسيرات العودة وفك الحصار”، الأمر الذي أدخل المسيرات في توظيفات جانبية، تتعلق بتعزيز مكانة حماس، ناهيك أن تلك الحركة بدأت تضفي على المسيرات أشكالا أخرى مثل إطلاق بالونات حارقة، أو التشجيع على اختراق الحدود، أو الاقتراب من الأسلاك الشائكة.

ثالثاً، لم تحقق تلك المسيرات الهدف المطلوب منها، على النحو الذي تمت به، لا بما يتعلق بالعودة ولا بما يتعلق برفع الحصار، بل إنها استنزفت الفلسطينيين أكثر مما يجب، مع العلم أن معدل الشهداء في الانتفاضة الأولى (1987 – 1993)، كان مثل ذلك. والمشكلة هنا أن قيادة حماس، المسيطرة، لم تعمل على مراجعة طريقتها في إدارة تلك المسيرات، رغم النزيف المستمر، ورغم المطالبات المستمرة من الرأي العام، ورغم معاناة أهل غزة، في حين أنها وافقت على تلك المراجعة مضطرة، بسبب المداخلات المصرية، وبسبب الضغوط الإسرائيلية، بحيث أنها دعت في مسيرة الجمعة الماضية إلى مسيرات بعيدة عن الحدود، كما ذكرنا بشأن الاتفاق الحاصل مؤخرا.

رابعاً، مشكلة حماس، أيضا، أنها لم تنتبه إلى أن تلك المسيرات لم تستطع أن تعمم نموذجها في مناطق أخرى، لا في الضفة ولا في المناطق المحتلة عام 1948 ولا في الخارج، على غرار مسيرات العودة في مايو 2011، وهذه إحدى أهم نقاط ضعفها، مع أخذنا في الاعتبار حالة الاختلاف والانقسام في النظام وحركة التحرر الوطني الفلسطينيين، وتحول تلك الحركة إلى سلطة، في الضفة وفي القطاع، ما يعني أن الوضع الفلسطيني لا يشتغل بطريقة تكاملية، في ظل غياب الإجماعات الوطنية.

خامسا، أيضا لم تأخذ حماس في اعتبارها غياب العمق العربي للكفاح الفلسطيني، بحكم انهيار أو اضطراب مجتمعات ودول المشرق العربي، ولأن الأوضاع العربية والإقليمية والدولية أدت إلى تهميش قضية فلسطين، بحيث أنها لم تعد على جدول الأعمال الدولي ولا الإقليمي ولا العربي مع الأسف. والفكرة أن غزة ليست جزيرة معزولة، ولا يمكنها حمل قضية تحرير فلسطين، أو دحر الاحتلال الإسرائيلي من الضفة، أو مقاومة إسرائيل وحدها.

باختصار، ربما أن الوقت قد حان لمراجعة مسيرات الشريط الحدودي في غزة، بمعزل عن الكليشيهات المعروفة والنمطية التي تعتبر أن طريق الكفاح والتحرر الوطني طويل وشاق ومرير ومكلف، فهكذا كلام إنشائي وعاطفي وينم عن سذاجة، بعد كل التجربة الحاصلة، وقد يكون مقبولا من ناس عاديين، لكنه غير مقبول من حركات سياسية أو من قيادات يفترض أنها تدير كفاح شعبها ليس بطريقة تجريبية وعفوية وعاطفية، وإنما بطريقة مسؤولة وعقلانية، لاسيما أن الحديث يتعلق بتجربة كفاحية غنية ومكلفة عمرها أكثر من نصف قرن.

8